مفاوضات أوروبية إيرانية لتعجيل التفاهم النفطي المالي منعاً لأزمة خليجية مخاض الموازنة مفتوح… ولا حلول توافقية لعقد الرواتب والتعويضات والعسكر
كتب المحرّر السياسي
مع إعلان إيران دعوتها لعدم التسرع في إطلاق الاتهامات حول احداث الساحل الشرقي لدولة الإمارات التي اصابت سوق النفط بصدمة واطلقت مسار ارتفاع للأسعار، وتواصل اللغة التصعيدية بوجه إيران بين واشنطن وعواصم الخليج، بدا ان ثنائياً روسياً أوروبياً يعمل على تبريد الأجواء منعاً لأزمة نفط تهدد الاقتصاد العالمي ما لم يتم تداركها بالعقل والحكمة، كما أكدت التعليقات الروسية. وكان وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو عدّل وجهة سفره من موسكو الى بروكسل للضغط على الأوروبيين وضمّهم لجبهة التصعيد بوجه إيران، بينما قالت موسكو إن وراء التعديل موقفاً روسياً عبر عنه نائب وزير خارجيتها سيرغي رياباكوف الذي قال ان جدول المواعيد لا يسمح باستقبال بومبيو قبل موعده في سوتشي الأربعاء، ليتبع الكرملين بالقول إن لا موعد بعد للقاء يجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الأميركي دونالد ترامب على هامش قمة العشرين.
في أوروبا حلت لغة السعي لتسريع التفاهم مع إيران على آلية تجارية مالية تضمن لإيران مبيعات كمية ثابتة من نفطها، تحدث عنها المسؤولون الأوروبيون تباعاً، وأكدتها تصريحات مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية فريدريكا موغريني، فيما أوضحت مصادر أوروبية ان العرض الأوروبي لإيران بضمان بيع ما لا يقل عن مليون برميل يومياً، تشتري أوروبا ما يفيض منه عن مبيعات إيران الثابتة، لم يلق القبول الإيراني، حيث تصرّ طهران على ضمان مبيع مليون ونصف مليون برميل يومياً على الأقل، تضمن أوروبا شراء ما يفيض منه عن مبيعاتها الأخرى.
المصادر الأوروبية حذرت من أزمة نفطية تهدد السوق العالمية بسبب تصاعد التهديدات بمواجهة في الخليج، بصورة تقاطعت مع الدعوات الروسية، بينما سجل سعر النفط ارتفاعاً بنسبة 2 مرشحة للتزايد ما لم تتم السيطرة على مناخ التصعيد، وفقاً للمصادر الأوروبية، بينما بقيت المواقف الأميركية على لغة متشدّدة تتهم إيران بالوقوف وراء أحداث الفجيرة وتعريض الملاحة في مياه الخليج للخطر، وشاركت دول الخليج مع واشنطن بلغة الاتهام لإيران والدعوة لمواجهتها، وفهم أن الموقف الروسي ينظر بسلبية للتصرف الأميركي وهذا ما أرادت موسكو قوله عبر إيضاحاتها الخاصة بزيارة بومبيو وإمكانية لقاء الرئيسين ترامب وبوتين.
لبنانياً، قالت مصادر متابعة لملف الموازنة العامة إن مخاض المناقشات لا يزال مفتوحاً، فالحديث عن إنجاز 80 هو كلام تقني لا سياسي. فالمشاكل لا تزال عالقة ولم يتحقق التوافق بعد على كيفية مواجهتها، سواء ما يخص الاقتطاعات من الرواتب والتعويضات أو ما يخص الأسلاك العسكرية والأمنية أو ما يتعلق بالمتقاعدين واحتساب تعويضات التقاعد، وخصوصاً ما يتصل بالمصارف والشركات الكبرى، وينتظر أن يظهر يوم غد وما بعده مدى وجود فرص لتحقيق توافق يتيح إنجاز الموازنة قبل الخميس أم أن النقاشات ستتمدّد للأسبوع المقبل.
الموازنة إلى المجلس النيابي الجمعة…
بخطى حثيثة يواصل مجلس الوزراء مناقشة مشروع موازنة العام 2019، ورغم أن المشروع بات في مرحلة الهندسة النهائية قبيل إحالته الى المجلس النيابي الجمعة المقبل، بحسب ما توقع أكثر من مصدر وزاري، إلا أن الحكومة تتحاشى الاقتراب من رواتب موظفي القطاع العام باستثناء اقتطاع 3 في المئة من تقديمات الطبابة، وتعمد الحكومة في كل جلسة الى إرجاء بند الرواتب وإبقائه كرصاصة أخيرة تلجأ اليها إن احتاجت تخفيضاً إضافياً للعجز الى حدود 8 في المئة، بحسب مصادر وزارية، إلا أن يد الموظفين لا سيما العسكريين المتقاعدين بقيت على الزناد تأهباً للعودة الى الشارع لمواجهة أي مسّ بحقوقهم، كما قالت مصادر مطلعة في حراك المتقاعدين العسكريين لـ«البناء».
إلا أن مصادر وزارية معنية بالموازنة أكدت لـ«البناء» أن «مجلس الوزراء لم يقرّر حتى الآن تخفيض الرواتب أو المخصّصات والتعويضات والأمر غير مطروح حتى الآن بانتظار تجميع حاصل التخفيضات من البنود الأخرى في الموازنة، وإذا ما استوفت تخفيض نسبة العجز المتوخاة فلا حاجة الى أي تحفيض من الرواتب».
وبحث مجلس الوزراء في جلسته العاشرة التي ترأسها الرئيس سعد الحريري في السراي الحكومي، بند التقديمات للمؤسسات والجمعيات والهيئات التي تحصل على مساهمات من الدولة، وقال وزير المال علي حسن خليل بعد الجلسة: «تابعنا كل المواد التي تتضمن الموازنة والاقتراحات الإضافية وهناك بعض الاقتراحات التي من الممكن ان يقدمها الوزراء وتمت مراجعة المساهمات والعقود في كل الوزارات»، مضيفاً: «لدينا لائحة كوزارة مال تختصر كل التقديمات وناقشناها بتفاصيلها والتخفيضات حولها تمّت وبالتساوي».
أما وزير الإعلام جمال الجراح، فأشار بعد الجلسة الى أن «المجلس حريص جداً على عدم المساس بالتقديمات للجمعيات والهيئات الجدية والأساسية في حياة المواطنين». أضاف: «حصل تخفيض لتقديمات بعض الجمعيات والهيئات والمؤسسات بحدود الـ 10 أو 15 بالحد الأقصى»، وتابع: «نتجه نحو اقتراحات اقتصادية وإصلاحات، ووزير المالية سيقدم اليوم ملخصاً لكل ما قمنا به في الفترة الماضية، بمعنى نتائجه المالية والتخفيضات، وإلى أين وصلنا وعلى أي أرض مالية نقف».
وعن موضوع العسكريين والتدبير رقم 3، قال الجراح: «أقرّ التدبير رقم 3 بمواجهة العدو الإسرائيلي، ويبقى لوزيري الدفاع والداخلية أن يحدّدا التدابير اللازمة بالنسبة إلى المناطق الأخرى. قد تكون هناك مناطق أخرى يستنسبان فيها تطبيق التدبير رقم 3، ربما بيروت مثلاً، وربما مناطق أخرى التدبير رقم 2 أو رقم 1. هذا عائد لتقييمهما للوضع الأمني وخطورته، فيتخذان الإجراء المناسب ويضعان التدبير اللازم».
ويعقد المجلس اليوم جلسة في السرايا الحكومي قبل الظهر.
بوصعب: حقوق العسكريين لن تُمَس
إلا أن الإشكالية التي تواجهها الحكومة في مسألة التدبير رقم 3 هو أن الصيغة التي قدّمها وزير الدفاع الياس بوصعب لم تلقَ قبول رئيس الحكومة ووزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن التي غابت عن جلسة الأمس بداعي السفر، أما السبب بحسب بوصعب فهو أن صيغة التدبير رقم 3 التي أعدها تناسب الجيش لكنها قد لا تُلائم قوى الأمن الداخلي، فالبحث سيتركز خلال اجتماع سيعقد خلال اليومين المقلبين بين بوصعب والحسن على احتمالين اثنين: إيجاد صيغة وسطية مناسبة للجيش وقوى الأمن الداخلي، إما تحديد كل وزارة لكيفية تطبيق التدبير رقم 3.
وتداولات وسائل إعلام معلومات عن خلاف داخل الجلسة بين وزير الدفاع ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل حول مسألة التدبير رقم 3، إلا أن بو صعب نفى ذلك في تصريح بعد الجلسة، مؤكداً أن الموضوع لم يناقش أصلًا، وحتى حين تمت مناقشته الأسبوع الماضي، كنت قد بحثت به مع قائد الجيش ومع رئيس الجمهورية، ووضعت الوزير باسيل في الصورة، وكان الكل على اطلاع بما سأطرحه، وما طرحته ما زال على الطاولة اليوم. لم نناقشه لأن وزيرة الداخلية غير موجودة، وبالتالي كان هناك توافق تام بيني وبين رئيس «التيار».
وأكد بوصعب أن «ليس هناك أي حديث عن المس برواتب العسكريين، بأشكالها المختلفة، لا للعسكر ولا للمتقاعدين»، مشيرًا إلى أن العسكريين «لديهم تعويضات يحصلون عليها إضافةً إلى الراتب. وهذه أيضاً لم يتمّ المس بها». وقال: «طرحت أن يبقى الجيش على الحدود وحول المخيمات على جهوزية التدبير رقم 3، يلغى المرسوم الذي يكلف الجيش بحفظ الأمن في الداخل اللبناني، وعندها الجيش في الداخل يخفض إلى التدبير رقم 1. الوزير باسيل كان يعتقد أني سأطالب بتخفيض الجيش في الداخل إلى التدبير رقم 2، فقال في مجلس الوزراء إني أعطي أكثر مما كان المجلس يتوقع، وإنه لا يفهم لماذا لم يتم السير بعد بهذا المشروع».
وعن تحويل العسكر إلى قوى الأمن، لفت إلى أن «ليس لديّ عسكر فائض لكي أحوّله إلى أي مكان. الجيش مسؤول عن مهامه وما يكلف به من مجلس الوزراء، والآن هناك مسؤولية أكبر، فإذا أردنا أن نطبق القرار 1701 في الجنوب ينقصنا خمسة آلاف عسكري». وشدّد على أن «لدينا نقصاً، فمن سيحمي الحدود؟ ومن سيحارب المعابر غير الشرعية ويقفلها». فيما أشارت مصادر إعلامية الى أن «باسيل أبلغ مجلس الوزراء عدم موافقته على كل الموازنة المطروحة وأعلن أنه سيقدم مقترحاته الى المجلس اليوم والتي ستركز على خدمة الدين العام والتهرب الضريبي والجمركي». كما كشفت معلومات أن «وزير الصحة جميل جبق وخلال مناقشة موازنة وزارة الصحة أبلغ مجلس الوزراء وجود عجز في وزارته 40 مليون دولار».
واجتمع بو صعب مع لجنة من المتقاعدين في الجيش اللبناني. وتم الاتفاق على نقاط الجدل القائمة ووضع خطة تنسيق بين الوزارة واللجنة.
وكان العسكريون أقفلوا كل مداخل مصرف لبنان في بيروت وفي أكثر من منطقة، ومنعوا الموظفين من الدخول والخروج وأكدوا أنهم مستمرون في اعتصامهم السلمي. كما عمدوا الى قطع بعض الطرق الرئيسية والدولية صباحاً.
وقالت مصادر العسكريين المتقاعدين لـ«البناء» إن «اللجنة علقت الاضراب مؤقتاً بعد تلقيها ضمانات من وزير الدفاع رغم أن اللجنة لم تعد لديها ثقة بالسلطة والحكومة حتى تثبت أقوالها بالافعال»، واوضحت أن «تقديمات الطبابة تدفع من رواتب العسكريين وايضا التجهيزات العسكرية هي من أساس الراتب»، وأشارت الى «أننا كعسكريين متقاعدين خدمنا الدولة والوطن عقوداً من الزمن ومن حقنا أن نحافظ على تعويضات نهاية الخدمة». وذكرت المصادر بما كشفه مدير عام وزارة المالية آلان بيفاني في مؤتمره الأخير من أن سياسيين عمدوا الى سرقة تعويضات المتقاعدين». وأشارت الى أنه «في حال تمّ اقتطاع 3 في المئة من تقديمات الطبابة لكل موظفي الدولة عسكريين وموظفين إداريين لن نعارض»، وحذرت من أن المس بحقوق العسكريين فإننا على أتم الجهوزية للعودة الى الشارع، محذرة من «أننا لن نكتفي بقطع طريق مصرف لبنان بل سنلجأ الى قطع جميع الطرقات والمداخل المؤدية الى العاصمة بيروت في مختلف المناطق اللبنانية».
الا أن اللافت هو إرجاء مجلس الوزراء موضوع رفع الرسوم على الاستيراد، لوجود خلاف حوله بين الوزراء بحسب ما قالت مصادر وزارية لـ«البناء»، إذ لم يتم تحديد السلع التي يجب ان تخضع لهذه الرسوم. كما لم يقارب مجلس الوزراء حتى الآن بند مساهمة قطاع المصارف بتخفيض خدمة الدين عبر خفض الفائدة على الدين العام.
من جهتها، دعت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية في بيان جميع أساتذة الفروع الأولى والثانية «الاستمرار بالإضراب العام الشامل في كل وحدات وفروع الجامعة اللبنانية إلى حين صدور الموازنة عن مجلس الوزراء ، واعتباره مفتوحاً تلقائياً في حال المسّ بالرواتب أو صندوق التعاضد أو النظام التقاعدي». كما قرّرت الهيئة الإدارية لرابطة معلمي التعليم الأساسي الرسمي بعد اجتماع استثنائي ، إعلان الإضراب من لحظة صدور أي قرار عن مجلس الوزراء يتعلق بالمس بالحقوق والمكتسبات وتحديداً ما يدور حول الحسم على الرواتب».
في غضون ذلك، ينشغل لبنان الرسمي بمراسم تشييع جثمان الراحل البطريرك مار نصرالله بطرس صفير حيث من المتوقع أن يشارك الرؤساء الثلاثة في تشييعه الخميس المقبل، وكان الصرح البطريركي في بكركي غصّ بالمعزين، حيث تقبّل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي التعازي مع عائلة الراحل. استقبل الراعي وفداً من حزب الله برئاسة رئيس المجلس السياسي ابراهيم أمين السيد الذي قال: «جئنا نقدّم واجب التعازي بكبير من لبنان ولنعبر عن تعازينا وعن الحزن الموجود في لبنان برحيل غبطة البطريرك». وعن مشاركة حزب الله في مراسم الدفن قال السيد: «ليس هناك ما يمنع من المشاركة».
الى ذلك، يقيم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون غروب اليوم، افطاراً في قصر بعبدا لمناسبة شهر رمضان المبارك، بحضور الرئيسين مجلس النواب نبيه بري ومجلس الوزراء سعد الحريري ورؤساء الطوائف المسيحية والاسلامية ورؤساء المجلس النيابي والحكومة السابقين والوزراء والنواب وسفراء الدول العربية والاسلامية المعتمدين في لبنان وكبار الموظفين المدنيين والعسكريين والإداريين.
ويلقي عون كلمة في الإفطار يتناول فيها التطورات الراهنة على الساحتين المحلية والإقليمية.
باسيل: هناك تسريبات في الوزارة
على صعيد آخر، كشف الوزير باسيل خلال حفل قسم اليمين لديبلوماسيين جدد عن تسريبات تحدث داخل الوزارة. وقال: «أصبح هناك تشكيك بكل السلك الديبلوماسي بعد التسريبات وصولاً إلى تخوينه»، مشيرا الى انه وجه كتاباً إلى القضاء وسمح بملاحقة أي موظف في الوزارة ورفع الحصانة عن الموظفين بدءاً من مدير مكتبه والأمين العام ومدير الشؤون السياسية». واضاف: «اجتمعت بالموظفين واعتذرت منهم، لأنني مضطر لاتخاذ هذا الإجراء، وتمنيت ألا يكون أحدهم متورطاً، وطلبت من رئيس الجهاز أن يتعاطى باحترام كامل مع الموظفين مع إصراري على معرفة الحقيقة».
وأكد باسيل «أن مشكلتنا ليست مع جريدة أو وسيلة إعلام، بل مشكلتنا هي داخل الوزارة ونحن معنيون بوقف التسريب». وقال: «كل ما أتمناه ألا يكون أحد أعضاء السلك وراء التسريب، وهمنا الوصول إلى الحقيقة وحرية الصحافة مصونة ومحمية».