تطلعات البغدادي: الممكن والمستحيل
حميدي العبدالله
في أحدث خطاب له جاء ليردّ على إشاعات عن إصابته بقصف جوي للطائرات العراقية، أعلن أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» نية تنظيمه التمدّد إلى كلّ من اليمن ومصر والسعودية. ويأخذ كثيرون هذه التصريحات على محمل الجدّ في ضوء عاملين أساسيين:
العامل الأول، القدرات التي أظهرها التنظيم في العراق وسورية، وقدرته على السيطرة على أكثر من ثلث مساحة العراق، وعلى مناطق واسعة في أرياف دير الزور والرقة وحلب. حيث بدأ كثيرون يعتقدون أنّ تهديدات البغدادي تجد سبيلها إلى التنفيذ، ويتمّ إطلاقها بعد أن يكون التنظيم قد هيأ الشروط والظروف التي تساعده على تحقيق ما يعلن أنه ينوي العمل من أجله.
العامل الثاني، مبايعة تنظيمات «القاعدة» في اليمن والسعودية ومصر وليبيا لتنظيم أبو بكر البغدادي، وبالتالي توافرت له القوة المحلية في هذه الدول الأربع للعمل على وضع مخططه لاستهداف هذه الدول موضع التطبيق.
لكن السؤال الهامّ: ما هو الواقعي في تطلعات البغدادي، وما هو صعب المنال، ويصعب تحقيقه؟
في اليمن لا شك في أنّ التنظيم يستطيع الاستيلاء على مناطق واسعة في جنوب اليمن ووسطه، وهذه المناطق يسيطر عليها الآن تنظيم «القاعدة» الذي أعلن مبايعته لـ«داعش». والأرجح أنّ محافظات جنوب اليمن، باستثناء محافظة مدينة عدن، يمكن أن تصبح تحت سيطرة تنظيم «داعش»، لا سيما في ظلّ تفكك الجيش اليمني وعقم الضربات الجوية التي تشنّها الطائرات الأميركية هناك، كما أنّ التنظيم يستطيع الاحتفاظ بالسيطرة على بعض المناطق في وسط اليمن، ولكن من الصعب على التنظيم تحقيق أكثر من ذلك، وهذا يعني أنّ وضعاً يشبه الوضع في العراق سوف ينشأ في اليمن جراء ذلك، وتتوافر شروطه، وبهذا المعنى، يمكن الاستنتاج أنّ تطلعات البغدادي في اليمن قابلة للتنفيذ على هذا النحو.
في مصر يصعب على تنظيم «داعش» تخطي حالة الإرهاب القائمة الآن، أيّ توجيه ضربات إرهابية ضدّ أهداف مدنية وعسكرية بين فترة وأخرى، ولكن من الصعب على التنظيم أن يسيطر على أي منطقة بشكل كامل، وحتى في سيناء فإنّ قدرة هذا التنظيم على فرض سيطرة واضحة وراسخة في منطقة محدّدة أمر مشكوك فيه. من هنا فإنّ تطلعات البغدادي وطموحاته في مصر غير قابلة للتطبيق، وجلّ ما يستطيع القيام به تكثيف الأعمال الإرهابية هنا وهناك ولكنه عاجز عن السيطرة على أيّ منطقة في مصر.
أما في السعودية فثمة عوامل متناقضة تجعل من الصعب معرفة ماذا سيحقق البغدادي و«تنظيم الدولة الإسلامية».
لا شك أنه في السعودية ثمة تيار قوي يدعم تنظيم «داعش» وتنظيمات «القاعدة» الأخرى، ودائماً كان داخل المذهب الوهابي تيار يكفر الأسرة السعودية ويعمل ضدها، ولكن ولا مرة واحدة أصبح هذا التيار قادراً بمفرده على تحدي الدولة السعودية، فكلّ شيء متوقف على ما سيحدث في العراق واليمن، وهي الدول المجاورة للسعودية، فإذا ما ترسخت سيطرة تنظيم «داعش» في العراق واليمن، فالأرجح أنّ التنظيم سيكون قادراً على تحدي سيطرة الأسرة السعودية، والتسبّب بوضع أعلى مما حدث في العقود السابقة التي أعقبت عودة الأفغان العرب، ولكن إذا فشل تنظيم «القاعدة» في العراق واليمن وفقدَ سيطرته، فسوف تكون التحديات داخل السعودية أقلّ، ويمكن احتواؤها على غرار ما حدث في الماضي.