الهدف الأميركي من التحرّك ضدّ إيران إخضاع الصين بحرمانها من مصادر الطاقة

أمام انشغال العالم بالحشد العسكري الأميركي والتهديد بعدوان ضدّ فنزويلا، قفز الاهتمام الى «الشرق الأوسط» وتجديد واشنطن تهديداتها لإيران مقرونة بتحريكها قطعاً بحرية إضافية للمرابطة في الخليج العربي واتخاذ مهام قتالية ضدّ إيران «انْ تطلب الأمر».

سيستعرض قسم التحليل تكثيف واشنطن لتواجدها العسكري في المنطقة على ضوء إعلانها إلغاء بعض التدريبات والمناورات المشتركة لحلف الناتو، مما يجدّد التكهّنات بتوجّهها نحو حرب مع إيران.

إيران والولايات المتحدة

أثنت مؤسسة هاريتاج على سياسة «الديبلوماسية المسلحة» للإدارة نحو إيران التي أضحت «أشدّ عزلة من السابق»، لا سيما في الشقّ العسكري بإرسال مجموعة سفن وحاملات طائرات للمنطقة «لأنّ أميركا تستطيع» القيام بذلك، والتواجد العسكري المكثف هو في سياق «استمرارية صراع العين بالعين بين البيت الأبيض والنظام في طهران». وأضافت أنّ إدارة الرئيس ترامب «لا تكنّ ثقة بالاتفاق النووي الذي وفر لطهران سيولة مالية وإعفاء من العقوبات مقابل قيود واهية» على برنامجها النووي. وأوضحت أنّ جذر الأزمة مع طهران يتمثل في «.. سعيها لاستخدام الساحة السورية كممر استراتيجي يهدّد بقاء إسرائيل».

ما بعد «دولة الخلافة»

أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقريراً يعالج فيه جملة العوامل المتداخلة التي تؤسّس «للعصيان المدني وزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. لكلّ دولة على حدة». وأوضح أنه نظراً لطبيعة المنطقة «التي تضمّ مزيجاً متنوّعاً من الهويات ودولاً مختلفة من الجيران، وفي أغلب الأحيان اختلافات رئيسة في الانتماءات العرقية والإقليمية والقبلية والطائفية.. مما يضعها عرضة للتطرف والإرهاب، وتعسير مهمة تحديد العوامل بدقة». واعتبر المركز أنّ الغالبية الساحقة من السكان في تلك المنطقة «مسلمون يعانون من سلسلة تحديات وقضايا على صعيد البنى المدنية هناك والتي قد تؤدّي إلى اندلاع اضطرابات سياسية والتطرف والإرهاب والصراعات المحلية»، والتي تطرّقت لها «تقارير الأمم المتحدة الخاصة بعوامل التنمية العربية.. بالإضافة لعدد كبير من الدراسات الأكاديمية والتقارير الاستخباراتية»، كما أردف. وخلص بالقول انّ تلك العوامل التي وردت في تقريره «تشكل دليلاً عملياً لما آلت إليه الأوضاع في دول مثل سورية والعراق واللتين نالتا مرتبة الدول الفاشلة ودول بغالبية إسلامية أخرى خارج المنطقة مثل أفغانستان والصومال».

تنظيم الإخوان

ناقض معهد كارنيغي نداءات بعض المسؤولين الأميركيين لإعلان «تنظيم الإخوان المسلمين مجموعة إرهابية.. لما يشكله من تقويض للجهود المستمرة بضمان سلامة الأميركيين من آفة الإرهاب». واستطرد المعهد أنّ «الإخوان لا ينطبق عليهم التعريف القانوني كمنظمة إرهابية أجنبية، بل ليس هناك من دليل قاطع لاستخدام التنظيم وسيلة العنف لتحقيق مآرب سياسية، كما أنه لم يستهدف الأميركيين عن قصد». أما فروع التنظيم الأخرى «والتي تستخدم العنف كـ «حماس» و»حسم» و»لواء الثورة» قد تمّ إدراجها على لائحة المنظمات الإرهابية». وحذر المعهد بأنّ مضيّ البعض في أدراج «تنظيم الإخوان المسلمين بشكل أوسع سيحرم الولايات المتحدة من الأدوات التي تمكّنها من تعقب تلك المجموعات وسينجم عنه أزمات ديبلوماسية متسلسلة نظراً لعضويته في البرلمانات وحتى الحكومات في عدد من الدول». وخصّ المعهد تنظيم الإخوان في مصر الذي إنْ «تمّ إدراجه سيؤدّي للإضرار بالمصالح الأميركية» في المنطقة.

اليمن

اعترض معهد واشنطن على الدعوات المتكرّرة للسياسيين الأميركيين بوقف دعم واشنطن للمجهود الحربي السعودي في اليمن، معتبراً ذاك الخيار «هو الأقلّ فاعلية لوقف القتال.. وما يشكله أيضاً من مضاعفات على المصالح الأميركية بل أنّ الانسحاب السعودي من اليمن إنْ تمّ سيشجع الحوثيين وداعميهم الإيرانيين على عدم التكيّف مع وقف اطلاق النار «وتحقيق إنجاز عسكري». وعلل موقفه بأنّ صيغة التسوية التفاوضية «قد تنهي الحرب في وقت مبكر لكن الأطراف المعنية لا توافق على ذلك إلى أن تصل إلى حالة من الجمود العسكري داعياً لتضمين التسوية ترتيبات لتقاسم السلطة بحيث تمنح جميع الفصائل سلطة سياسية وفوائد اقتصادية بما يتناسب مع وزنها الديموغرافي». والحلّ الوحيد في عرف المعهد هو «زيادة الدعم الأميركي للتحالف الذي تقوده السعودية وتمكينه من السيطرة على الحديدة ومينائها وتسخير النفوذ الناجم عن ذلك لفرض صيغة على الطرفين لإنهاء القتال وتوقيع اتفاق لتقاسم السلطة».

تركيا

أعرب معهد واشنطن عن ثقته بفوز الرئيس أردوغان وحزبه في جولة إعادة الانتخابات في اسطنبول مستنداً إلى الفارق النسبي البسيط بين مرشح حزب الشعب الفائز، أكرم إمام أوغلو، ومرشح حزب العدالة، بن علي يلدريم، لا تتجاوز 1 من الأصوات. أما «إمام أوغلو فهو يواجه معركة يتعذر عليه الفوز بها لأنّ اردوغان لن يألو جهدا سواء من النواحي القانونية او السياسية او الديبلوماسية لضمان انتصار مرشحه.. خاصة أنه يسيطر على ما يقرب من 90 من وسائل الإعلام في البلاد وقد يعلق العمل ببعض الحريات الديمقراطية لقلب موازين القوى لصالح مرشحه». أضاف بالقول انه في حالة عدم وثوق أردوغان من الفوز «فقد يلغي الجولة المقبلة في 23 حزيران كلياً.. وقراره في 6 أيار/ مايو وتداعياته المقبلة قد تشوّه مؤسسات البلاد وتعيدها إلى عام 1946» الذي شهد انتخابات متعدّدة الأحزاب لأول مرة.

الصين

أعرب معهد كارنيغي عن قلقه من النفوذ الصيني المتنامي في الشرق الأوسط «عبر التنمية الاقتصادية والالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية» لدول المنطقة واعتقاد بكين أنها قادرة على «تعزيز علاقاتها مع دول متناحرة وأقرب للحرب في ما بينها». وأوضح أنّ تلك الفرضية عدم التدخل على الأرجح «ستثبت سطحيتها خاصة حين يؤكد حلفاء الولايات المتحدة هناك على مصالحهم الخاصة». وأضاف نقلاً عن ندوة عقدها المعهد النظير في بكين حول الشرق الأوسط أنّ لدى النخب السياسية والفكرية الصينية «قناعة بأنّ بلادهم تستطيع تجاوز التورّط السياسي بإصرارها على مشاريع للتنمية من طهران لتل أبيب» معتبراً أنّ تلك الرؤية التجارية «لا يمكنها الصمود والديمومة في منطقة يتعذر علاجها بل تخاطر بكين بمستقبل استثماراتها وتفتح فرصاً جديدة أمام الولايات المتحدة».

شهدت واشنطن في الأيام القليلة الماضية سلسلة إجراءات وتدابير متزامنة أولويتها قرع طبول الحرب ضدّ إيران، بدءاً بإعلان حالة الاستنفار القصوى في الأسطول الخامس المرابط في البحرين، مقروناً بإعلان مستشار الأمن القومي جون بولتون عن توجه حاملة الطائرات، «ابراهام لينكولن»، وأربع قاذفات استراتيجية من طراز ب-52 إلى الخليج العربي وإلغاء وزير الخارجية مايك بومبيو لاجتماع مقرّر مع المستشارة الألمانية انغيلا ميركل متوجهاً للعراق على عجل.

وما لبثت القيادة العسكرية الأميركية أن أعلنت تصريحات مغايرة لفريق الحرب في واشنطن بولتون، وبومبيو، نائب الرئيس مايك بينس يلمس منها تراجعاً عن خطابات التهديد والوعيد لإيران.

قائد القوات البحرية الأميركية في الشرق الأوسط، جيم مالوي، والذي يتبع تراتبياً للقيادة الوسطى، صرح لوكالة «رويترز» للأنباء أنه سيعطي الأمر لحاملة الطائرات، «ابراهام لينكولن» والمجموعة الهجومية المرافقة لها، بعبور مضيق هرمز إذا احتاج الأمر قاطعاً الجدل بسردية إغلاق المضيق التي تتبناها واشنطن الرسمية.

كما صرّح المبعوث الأميركي الخاص لإيران، برايان هوك، موضحاً بأنّ «إرسال حاملة الطائرات لمياه الخليج ليس رسالة سياسية، بل هو دفاع عن النفس» في ضوء ورود أنباء عن تهديدات للقوات الأميركية.

المفتش الدولي الأسبق لدى العراق، سكوت ريتر، أكد بأنّ إرسال حاملة الطائرات المذكورة للخليج «كان إجراءً روتينياً»، وهو ضابط الاستخبارات السابق في سلاح مشاة البحرية الأميركي ـ المارينز. الثابت أنّ الحاملة والقطع المرافقة لها تحركت الشهر الماضي للمشاركة في مناورات بحرية في مياه البحر المتوسط، انطلاقاً من قاعدتها في نورفولك بولاية فرجينيا.

القيادة المركزية للقوات الأميركية أدرجت حاملة الطائرات المذكورة على رأس مهامها القتالية لتتبع ومراقبة «تزايد الوجود البحري الروسي» في مياه المتوسط وطائرات التجسّس الالكتروني المرافقة لها كلفت بمراقبة «حجم الغارات الجوية لروسيا في مناطق إدلب وحلب وحماة.. والإبقاء على الجهوزية العسكرية إنْ تطلبت الظروف تعزيز التواجد العسكري الأميركي شرقي البحر المتوسط» من ضمنها شنّ غارات بصواريخ كروز على سورية في حال صدور قرار رئاسي بذلك.

تحريك الحاملة والقطع المرافقة لها بالقرب من مياه الخليج أسفر عن إلغاء البنتاغون جملة مناورات مشتركة لحلف الناتو في البحر المتوسط، بل تغيير المهمة من مراقبة العمليات الروسية في سورية إلى منطقة الخليج ينم عن أمر بالغ الخطورة في مجمل الاستراتيجية الأميركية اقتضى تلك التغييرات الجوهرية، لا سيما أنّ القرار بذلك صدر عن مصدر غير عسكري، جون بولتون، ولم تؤكده البنتاغون إلا بعد مضي 24 ساعة.

ريتر وفي مقال له نشرته أسبوعية «ذي أميركان كونسيرفاتيف»، 10 أيار الحالي، فنّد ادّعاءات كلّ من بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، لا سيما أنّ الأخير استدعي على عجل لاجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن القومي بطلب من قيادة الأركان المشتركة.

أثارت تصريحات بولتون النارية، لا سيما إعلانه عن حاملة الطائرات بدلاً من البنتاغون، ردود فعل قاسية بين السياسيين والمراقبين على السواء عبّرت عن قلقها من قيادته الولايات المتحدة نحو حرب مع إيران هي غير مستعدّة لها «استناداً إلى معلومات استخباراتية مصطنعة»، قيل لاحقاً إنّ مصدرها «إسرائيل».

ريتر، من جانبه وما يمثله من امتداد ونفوذ داخل المؤسسة الاستخباراتية، أوضح أنّ الثنائي بولتون بومبيو «ينفذان سياسة أملتها الاستخبارات الإسرائيلية ومرّرتها لبولتون في اجتماع بالبيت الأبيض يوم 16 نيسان/ ابريل 2019». أما طبيعة المعلومات، بحسب ريتر، فكانت عبارة عن «تحليل أجرته الموساد يتضمّن جملة من السيناريوات الافتراضية التي قد تخطط لها إيران».

وبحكم موقعه وخبرته الاستخباراتية، انتقد ريتر بشدة شبكة سي أن أن الإخبارية لترويجها نبأً عسكرياً لم تتثبّت من صحته حول «تحريك إيران بطاريات صواريخ باليستية قصيرة المدى على متن زوارق لمياه الخليج». وقال إنّ الخبر الذي انتشر كالنار في هشيم واشنطن «سخيف ومنافي للمنطق.. لسنا على يقين بأنّ لدى إيران القدرة على إطلاق صواريخ باليستية من على متن زوارق حربية كما أنّ ترسانتها الصاروخية هي متحركة على الأغلب واعتراضها عبر غارات جوية شبه مستحيل» في العلم العسكري.

بعض الخبراء العسكريين استهزأوا بتعليل بولتون لإرسال حاملة الطائرات، ابراهام لينكولن، لمياه الخليج بقوله انها رسالة سياسية لإيران بأنّ «.. أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو تلك العائدة لحلفائنا سيواجَه بقوة لا تلين».

مضى الخبراء بالقول إنّ مياه الخليج العربي ضيقة وتحدّ من مدى مناورة التحرك التي تحتاجه الحاملة، مما يجعلها هدفاً سهلاً للهجمات نظراً لحجمها الهائل. ويعتقد أولئك أنّ تحويل مهمة الحاملة والقطع المرافقة من مياه المتوسط لمياه الخليج، وفق تصريحات بولتون، يعزز فرضية عكس ما يهدّد به فريق الحرب أيّ أنّ الولايات المتحدة لا تنوي مهاجمة إيران.

إذن، الهدف الأقرب للتصديق من تلك التحركات والمناورات وتصعيد الخطاب السياسي، وفق منطق الخبراء، يكمن في استفزاز إيران واستدراجها لاشتباك ولو محدود، إما ضدّ القوات الأميركية أو أهداف أخرى في السعودية، وتحقيق جاذبية الإغراء الذي أعدّه الثلاثي: بولتون وبومبيو وبينس بضرورة الردّ على الهجوم الافتراضي. بل، «من المرجح افتعال التقاط إشارة خاطئة بهجوم على الحاملة» لينتشي فريق الحرب المذكور».. كما جرى في حادثة الهجوم على السفينة «ليبرتي» في حرب حزيران 1967.

توقيت التهديدات الأميركية لم يكن صدفة أو عفوياً، خاصة بعد هزيمة مشروعها لإخضاع فنزويلا والسيطرة على ثرواتها النفطية والمعدنية، وعودة كوريا الشمالية لتجاربها الصاروخية متحدية المؤسسة الحاكمة في واشنطن.

فإيران وفنزويلا لديهما مخزوناً هائلاً من النفط ولا تزالان خارج النفوذ الأميركي. كما أنّ إيران وقطر تتشاطآن في ثروة ضخمة من الغاز الطبيعي، مما يسيل لعاب صناع القرار الأميركي ومصالح شركاته المعولمة.

في هذا السياق، تعثرت مساعي واشنطن لفرض رؤيتها الاقتصادية على الصين ملوحة بفرض عقوبات عليها عبر رفع التعرفة الجمركية على منتجاتها.

عند الأخذ بعين الاعتبار الدور المركزي للصين في الاقتصاد العالمي، لا سيما عدم امتثالها للعقوبات الأميركية المفروضة على كلّ من إيران وفنزويلا، وتصميم واشنطن على محاصرتها في قطاع الطاقة تحديداً تتبلور صورة مختلفة عن السرديات الرسمية الساعية لاسترضاء عطف الدول التي تتحكم واشنطن باقتصادياتها، أوروبا الغربية واليابان بشلّ خاص.

إنْ لم تستطع واشنطن تحقيق هدفها بالسيطرة على الثروة النفطية في إيران، وهو المرجح، فإنها ستفقد أحد أهمّ ركائز استراتيجيتها لتطويع الصين عبر التحكم بمصادر الطاقة المختلفة وستدفعها لتكرار المحاولة ربما باستحداث أساليب مختلفة استناداً إلى رفض صناع القرار السياسي القبول بالتغيّرات الدولية التي أفرزت منافسين أقوياء للولايات المتحدة، بل هم يتحدّونها بسياسات ومواجهات أشدّ من مناخ الحرب الباردة بين القطبين العظميين وهي منشغلة في الإعداد لانسحابها من أفغانستان بشكل منفرد وعبر ترتيبات وتفاهمات مع روسيا للانسحاب من سورية.

أما «المعلومات الاستخباراتية» التي تتلطى وراءها واشنطن الرسمية لتبرير تصعيدها حدة التوتر في المنطقة ثبت أنها مفتعلة ولا تستند إلى حقائق ملموسة. سكوت ريتر كان أكثر الخبراء وضوحاً بقوله إن «.. إسرائيل ومن خلف الستار تزوّد المعلومات الاستخباراتية والتحريض مما يحيل تصرفات بولتون إلى قدر أعلى من المساءلة. وتدلّ على أنّ جون بولتون وليس إيران هو ما يمثل الخطر الأكبر على الأمن القومي الأميركي اليوم».

نشرة دورية تصدر عن وحدة «رصد النخب الفكرية» في مركز الدراسات الأميركية والعربية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى