روسيا واستراتيجية الأقطاب
عامر نعيم الياس
أكّد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أن روسيا على استعداد للعمل مع حزب الله لمصلحة أمن لبنان والمنطقة واستقرارهما عموماً. وأشار بوغدانوف إلى أن روسيا ترى في حزب الله «قوّة سياسية فاعلة وأساسية في لبنان».
وكانت مصادر دبلوماسية روسية قد ربطت علاقات بلادها مع حزب الله في إطار علاقاتها المميزة مع إيران. فما الذي يريده الكرملين من وراء الرسالة اللبنانية؟
قبل الخوض في اتجاهات رسائل الكرملين وسبر توجّهاته، تجدر الإشارة إلى توقيت تصريحات بوغدانوف، الذي يرتبط بشكل وثيق مع المغادرة المبكرة للرئيس الروسي لقمّة دول العشرين في أستراليا، والتي صنّفت في إطار تصعيد جديد في العلاقات بين موسكو والمجموعة الدولية المصطفة خلف السياسات الأميركية. وبالتالي، فإنّ التوجه العام الحالي للسياسة الروسية، يقوم على امتلاك المزيد من أوراق القوة، ومحاولة نشر النفوذ الروسي الناعم غير المشروط بموقف سياسي. لا تعني بالمطلق عدم اللجوء إلى أقطاب على الأرض تساهم في تعزيز الأوراق التفاوضية الروسية في ظل ما أفرزه «الربيع الأميركي» في المنطقة. فإذا كان من غير الممكن وقف الفوضى الأميركية، وإذا كان من غير الممكن انتصار طرف على آخر في لعبة عضّ الأصابع وصراع المحاور في المنطقة، وإذا كان من غير الممكن الحديث عن قدرة روسية على وقف مخطّط الدولة العظمى الوحيدة عالمياً حتى الآن، فإنه في الصراع حول إمكانية قيام عالم متعدّد الأقطاب وتكتيك الاستنزاف والاستنزاف المضاد، لا بد من استغلال فوضى «الربيع الأميركي»، واللعب على وتر مخطّط «الدول الفاشلة» بهدف امتلاك أوراق الصمود في لعبة إعادة تقاسم النفوذ العالمي.
وهنا يندرج الهدف الروسي الأساسي من وراء التقارب العلني مع حزب الله اللبناني، الذي تحوّل من قوة محلية وإقليمية إلى ورقة نفوذ دولية مطلوب الإمساك بها على قاعدة الندّية في التعامل، لا التحكم والسيطرة وفرض الخيارات. ولذلك نجد هنا أن نائب وزير الخارجية الروسي حاول الربط بين استعداد بلاده غير المشروط لدعم الدولة اللبنانية وعلاقاته المميزة مع حزب الله. إذ عبّر عن «استعداد بلاده لتعزيز التعاون الاقتصادي مع لبنان، إضافةً إلى تعزيز التعاون العسكري والسياسي في الظروف الإقليمية الراهنة».
الواضح أن الحراك الروسي في المنطقة متعدّد الاتجاهات من الرهان على الدولة المصرية بقيادة السيسي، مروراً بالتركيز على العلاقات المميزة مع الدولة السورية والمعارضة التي تقبل استمرار الدولة بإطارها العام الحالي، وليس انتهاءً بتوسيع مروحة الخيارات إلى القوى والأحزاب الفاعلة والمناهضة للهيمنة الأميركية. فما جرى مع حزب الله اللبناني والغمز من قناة العلاقة المميزة مع طهران، ينسحب بالضرورة على حركة «أنصار الله» في اليمن والتي ترفع شعارات مناهضة بالمطلق للأميركيين، وتخوض اليوم معركة قاسية لتثبيت نفسها كشريك أساس في حكم اليمن، وممر لترسيخ الاستقرار فيه، على رغم المعارضة الخليجية الشرسة لهذا الأمر.
هو توجّه في ظاهره يقوم على الاعتراف بأمر واقع موجود على الأرض، وفي مضمونه يمهّد لمحور روسي فاعل في المنطقة قادر على التعامل مع مصالح القوى الإقليمية المختلفة، من مصر إلى إيران وحلفائها على قاعدة لجم السياسات الأميركية عبر التوازنات السياسية والميدانية على الأرض.
كاتب سوري