صحافة عبرية

ترجمة: غسان محمد

انتفاضة القدس تعطي نظرة إلى المستقبل الذي يرمي اليه اليمين «الإسرائيلي»

كتب يوفال ديسكن في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية:

أيضاً في هذه الأيام الصعبة، أنا أعتقد أنه يمكن تقليل التدهور لا بل وقفه. الصيغة لذلك تكمن في الدمج بين التصميم الأمني مع المبادرة والجرأة السياسية. المشكلة الوحيدة أن هذه مزايا ليست موجودة لدى الحكومة الحالية. وكخرّيج الانتفاضتين، وعدد غير محدود من المواجهات، والاعمال والحروب، أنا أقول أنّ الطريقة التي تعتبر أن الحل يكمن فقط في القوة والمزيد من القوة، كما يقول لنا رؤساء اليمين، قد فشلت منذ زمن.

إضافة إلى ذلك، ما يحدث اليوم في القدس «بروفة» للواقع الذي سيواجهنا إذا تحقّقت خطة «الدولة ثنائية القومية الغريبة» لـ«البيت اليهودي»، والذي يقودنا إليها باستمرار.

الوضع الحالي يعلمنا إلى أيّ حدّ من الخطر الدمج بين التطرّف اليميني وبين غياب الخبرة في الأمور الأمنية والشرق أوسطية لزعمائه، وكيف أنه قد يأخذنا إلى ورطة خطِرة لا نستطيع أن نخرج منها.

من أجل معالجة التصعيد الخطِر يجب أن نفهم حقيقة ما يحدث على الارض، من دون أن نلقي باللوم على من نرتاح سياسياً في إلقاء اللوم عليه. من دون هذا الفهم لا أمل بأن ننجح.

الانتفاضة ليست مصيراً. الحديث هنا عن مزاج السكان من الضروري جداً فهم أسبابه الامر الذي يولّد تسلسل من الأحداث والعمليات الخارجة عن السيطرة، التحدي الكبير أن نفهم كيف نوقف هذا التسلسل.

قبل سنة، نشرت مقالة قلت فيها: لنمنع الآن الانفجار الكبير. وفصلت فيها توصياتي حول طرق منع ذلك. ولأسفي الشديد، فإن تسلسل الأحداث الأمنية منذ ذلك الحين وحتى اليوم، يشير وكما كان متوقعاً، إلى التصعيد الخطِر: تنقيط لا ينتهي من العمليات الذي وصل إلى قمّته في خطف الشبان جلعاد شاعر، نفتالي فرانكل وايال يفراح، وقتلهم. القتل الشنيع للشاب الفلسطيني محمد أبو خضير، موجة التحريض العنصرية التي نشهدها، التصعيد الذي انجررنا إليه أمام حماس في قطاع غزة، الذي أدّى إلى خمسين يوم حرب في عملية «الجرف الصامد» مع أكثر من سبعين قتيل من أفضل أبنائنا، مع انتفاضة القدس التي تزداد اشتعالاً مع موجة عمليات الجرافات، الدهس، اطلاق النار، البلطات والسكاكين المرافقة لها، وكان الرقم القياسي الاضافي بمقتل المصلين في الكنيس في حي «هار نوف» أثناء صلاة الصبح.

هذه التطوّرات الخطِرة تسمح لنا فهم الاتجاه الذي نسير إليه، وقبل أن تخرج هذه الأحداث كلياً عن السيطرة. التصعيد في القدس يمكّننا من «النظر إلى المستقبل» الذي نقاد إليه من قبل اليمين: دولة ثنائية القومية بسكان مختلطين، من دون حدود، حيث تستمر المشاكل الاساسية للصراع من دون أن تحلّ.

القدس الشرقية مختبر تتركز فيه مشاكل الصراع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني. الهدوء النسبي أحياناً في القدس مرتبط بمجموعة ضعيفة من الكوابح والتوازنات، وتحتاج إلى سياسة حكيمة وحذرة. ولكن في ظل غياب الفوائد السياسية، وضعف السلطة سواء البلدية أو السياسية ، فهذه التوازنات والكوابح تتفكك بسرعة، وبالذات عندما نعطي «محبّي إشعال النار» من الطرفين الفرصة بالتجوّل مع كبريت في المكان الأكثر امتلاءً بالوقود في الشرق الأوسط.

العقاب الجماعي ومنع دخول العمال لن يعيدا الأمن

كتب عاموس هرئيل في صحيفة «هاآرتس» العبرية:

ثمّة فجوة كبيرة ـ لولا الظروف الفظيعة لكان يمكن القول إنها تثير السخرية ـ بين الإعلانات الكبرى من جانب القيادة «الإسرائيلية» عن القبضة الحديدية ضدّ الإرهاب وإعادة الأمن إلى القدس، وبين المعنى العملي للخطوات على الأرض. فلسنوات يُقسم رؤساء الوزراء «الإسرائيليون» بـ«وحدة القدس الخالدة»، ولكن نصب حواجز شرطية في مخارج الأحياء العربية، والنيّة لنصب مكعبات إسمنتية على خطّ التماس القديم، مثله أيضاً موجة الإقالات للعمال العرب في الأحياء اليهودية هذا الاسبوع، تخدم بالضبط الحجة المعاكسة. فهذه الخطوات تساهم في التقسيم الفعلي للمدينة، وتشدد كم تخاف المجموعتان السكانيتان الواحدة من الأخرى. فالمكعبات الاسمنتية تخدم الادّعاء الفلسطيني بأن المدينة لم تكن ولن تكون أبداً موحدة تحت حكم «إسرائيلي». ويخيل أنه لا ينقص سوى بوابة «مندلبوم» لتعزيز الحجة.

لقد ساهم في الواقع الحالي في العاصمة، من الجانب «الاسرائيلي»، خطوتان تاريخيتان: الاصرار على توسيع الحدود البلدية للمدينة إلى القرى والبلدات المجاورة لشرق المدينة بعد حرب الايام الستة، وإقامة جدار الفصل في ذروة الانتفاضة الثانية. لقد كان الجدار حيوياً. فقد جلب الأمن في المدى القصير لأنه جعل من الصعب عبور الانتحاريين من الضفة الغربية في ذروة الهجمة الارهابية. ولكنه أيضاً فرض قطيعة اجتماعية واقتصادية على الفلسطينيين على جانبيه. فالقرى خلف الجدار بقيت حبيسة، بعيدة عن الخدمات البلدية، في منطقة سائبة عديمة السيادة العملية. أما الأحياء الفلسطينية التي داخل الجدار فقد قطعت عن الجمهور في غلاف القدس وفي الضفة، من دون أن يكون سكانها في أي مرة من المرات مواطنين «إسرائيليين».

على مدى بضع سنوات، تحت حكم رئيس البلدية نير بركات كان يمكن ربما الاعتقاد بأنه تحقق وضع انتقالي مريح وعاد الزوار اليهود والسيّاح من الخارج ليزوروا البلدة القديمة بجموعهم. ولكن الهدوء تفجر في الصيف. والآن، على خلفية موجة العمليات التي قتل فيها 11 «إسرائيلياً» ومن رجال الامن في ست عمليات في أقل من شهر تسعة قتلى في القدس، واحد في غوش عصيون وواحد في تل أبيب ، يتطور خطر إضافيّ: أن ينتقل الواقع المقدسي بالتدريج إلى وضع يشبه بلفاست حيث تستجاب هجمات الارهاب الفلسطينية بأعمال ثأر من متزمتين يهود، فقتل الفتى محمد أبو خضير فور العثور على جثث الفتيان «الإسرائيليين» الثلاثة الذين قتلوا في غوش عصيون في شهر تموز من شأنه أن يكون المؤشر الأول على الميل الناشئ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى