هل تنجح المبادرات الروسية ـ الأوروبية في احتواء الحرب؟

د. وفيق ابراهيم

يتساوى احتمال اندلاع الحرب بين إيران والأميركيين على معظم مساحات الشرق الأوسط مع مساعٍ مكثفة تقودها روسيا بدعم أوروبي وبعنوانين اساسيين لهما فروع متعددة، أولها تأمين ما يستلزمُ الحد المعقول لاستمرار النظام الاقتصادي الإيراني والثاني عدم انسحاب إيران من الاتفاق النووي مع التزامها بمضامينه بدقة.

هذا الإصرار الروسي الأوروبي يعتبر أن حرباً في الشرق الاوسط لا يُمكن ان تبقى ضمن إطارها الإيراني الأميركي. وهي بالتالي قابلة للتدحرج بسرعة نحو شبه جزيرة العرب والعراق ولبنان واليمن والكيان الإسرائيلي بما ينتج حرباً شاملة متوقعة تدفع نحو تهجير ملايين السكان نحو البلدان الأوروبية وتركيا وتتسبب بالمزيد من التراجع السياسي الاقتصادي للأوروبيين وانكماش الدور الاقتصادي والاستراتيجي للروس. أما الجانب الأسوأ فهو عودة الإرهاب من داعش والقاعدة الى الصعود وإعادة إحياء دولة الخلافة في أكثر من مكان في العالم الاسلامي.

لذلك هناك مصلحة لروسيا الى جانب المانيا وفرنسا بشكل أساس في الغاء هذا المشروع الحربي الأميركي او احتوائه على الأقل، لأنه لا يتضمن إلا مصالح للنفوذ الأميركي العالمي الذي يختبئ خلف شعارات طنانة عن القيم والديموقراطية مستبطناً اهدافاً بالسيطرة الاقتصادية الخالصة على اهم خطوط نفط وغاز في العالم ومحاولاً الإمساك بإعادة إعمار منطقة الاستهلاك في هذه الدول بصادرات صناعاته.

يفهم الأوروبيون هذه الأهداف، لكنهم لا يملكون مصادر قوة سياسية واقتصادية وعسكرية تسمح لهم الخروج من العباءة الأميركية الجديدة الممسكة بهم رسمياً منذ 1945.

فيجدون في روسيا الحالية قوة قادرة على التعبير عن مصالحها أولاً المتقاطعة مع بعض الرغبات المستترة لأوروبا «القديمة»، كما يقول الأميركيون، لكن هذه الوساطة لم تجد قبولاً كاملاً عند الإيرانيين حتى الآن.

لأنهم يعتقدون ان قبولهم بها قبل توفير الآليات البديلة والمخترقة للحصار الاقتصادي المفروض عليهم قد يشجّع الأميركيين على تنفيذ سريع ومتزامن لأمرين اثنين: الضغط على أوروبا الى حدود الحنق ومصادرة آخر ما تبقى من حرية لقراراتها الاستراتيجية والسياسية، والثاني ذهاب الأميركيين نحو تفجير الاوضاع الداخلية في لبنان والعراق وتشديد العدوان على اليمن. وهذا واضح في الغارات الكثيفة التي ينفذها بشكل متواصل الطيران الحربي السعودي والإماراتي بتغطية أميركية وتستهدف الاطفال والعجائز والمدنيين.

كما أن الدعوة الأميركية لمواطنيهم بتجنب زيارة العراق ولبنان في هذه المرحلة ليست بريئة وتنضوي في إطار المحاولات الأميركية لخلق شعور اضافي معادٍ لإيران في المنطقة بحجة انها تتسبب بالتدهور الامني والسياسي وبالتالي الاقتصادي في كامل المنطقة.

فهل من الطبيعي أن يتزامن وصول نائب وزير الخارجية الأميركي دايفيد ساترفيلد الى لبنان ومباشرته مفاوضات مع المسؤولين فيه حول حدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلة، مع طلب أميركي من مواطنيهم بتجنب زيارة لبنان والعراق؟

هناك اذاً ما يشبه السباق بين محاولات أميركية لتفجير الممكن من الشرق الاوسط وصمود إيراني يبدو انه قادر على هزيمتها الى جانب المشروع الروسي المدعوم من فرنسا وألمانيا بالاحتواء. وهذا واضح في الإدانة الالمانية الصريحة للحرب الأميركية المفترضة والدليل أن مستشارتها ميركل اعلنت منذ يومين ان إيران تلتزم حرفياً بالاتفاق النووي بما يجهض أسباب الحرب الأميركية عليها. وهذا يتطابق حرفياً مع مواقف الرئيس الروسي بوتين والصين.

تقوم المبادرة الروسية الأوروبية اذاً على قياس الحد الوسطي لاستمرار الاقتصاد الإيراني فتبين ان تصدير مليون و500 ألف برميل نفط يومياً يؤدي الغرض المطلوب، كما ان نصف هذه الكمية لديها زبائنها الدائمون، لذلك فهناك استقصاء روسي الماني عن أسواق موازية تستطيع استيعاب 750 الف برميل يومياً.

وتبين ان بإمكان دول كالصين والمانيا وفرنسا عقد اتفاقات مع إيران تقوم على تصدير سلع وبضائع بقيمة صفقات نفط تبقى في احتياطات إيران وديعة للدول اصحاب السلع الى حين توفير القدرة على تصديرها بشكل آمن. هذا الى جانب قدرة الصين وروسيا وتركيا على استيراد كميات إضافية وإعادة بيعها بطرق موازية ومتنوعة.

بالمقابل هناك إصرار روسي أوروبي على صدور موقف إيراني واضح وغير ملتبس بالالتزام بكامل بنود الاتفاق النووي وعدم منح الأميركيين فرصة للتذرع بوجود خرق إيراني له، بالإضافة الى سلسلة نصائح روسية وأميركية بتجميد حركة حلفاء إيران في العراق ولبنان.

لم تعطِ إيران موافقتها حتى الآن لأنها تنتظر محصلة المحادثات الروسية الأوروبية وقدرتها على الالتفاف على تدابير الحصار الأميركي القاسي، وتسأل عن قدرة هذه التدابير على إجهاض حرب أميركية عليها، يُعِدُ لها الأميركيون بسرعة على مستوى المنطقة.

فهناك الآلاف من مقاتلي منظمات ارهابية من داعش والنصرة جرى تأمين طرق لهم فروا عبرها من شرقي الفرات السوري الى مناطق عراقية ويتحيّنون الفرصة لإشعال حرب طائفية وعرقية في العراق.

أما في لبنان فمحاولاتهم مصابة بإحباط لفشلهم باعادة تجميع القوى التي لا تزال معادية لحزب الله لكن موازنات القوى الراجحة لمصلحة حلفاء سورية وإيران تفرض على حلفاء أميركا والسعودية الصمت والتدبر.

إلا أنهم لم يستكينوا مواصلين البحث عن عناوين جديدة لنصب فتنة أهلية في لبنان واعادة رص الصفوف.

فهل تنجح روسيا وأوروبا في احتواء الحرب؟

بالإمكان المراهنة على قدرات إيران القوية وتحالفاتها المنتشرة على طول مساحات الشرق الاوسط ومحاولات روسيا تأمين بدائل، فهي عناصر ترجحُ منطق التفاوض على هدير حروب قد تؤدي الى مزيد من التراجع في النفوذ الأميركي وتوسّع دائرة الاضطرابات في الشرق الأوسط والعالم بأسره.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى