الخطة الأمنية على حافة المخيمات
يوسف المصري ـ «البناء» ـ خاص
تقترب الخطة الأمنية من آخر هدفين لها، وهما الحي الغربي في منطقة طريق الجديدة وحي التعمير على أطراف مخيم عين الحلوة. وصار يمكن الآن إجراء تقييم أولي لمجريات الخطة الأمنية وذلك بعد إتمام مسافة معتبرة من استحقاقي طرابلس والبقاع الشمالي. ففي عاصمة الشمال، تم اختبار صرامة الخطة الأمنية، وخرجت بتحصيل علامة «ممتاز»، كما كشف لـ»البناء» مرجع سياسي متابع لهذا الملف. لقد تعرض الجيش خلال عملية إعادة الأمن في طرابلس، لغير محاولة اعتراض أرادت جس نبض رده. في إحداها عمد الشيخ داعية الإسلام الشهال لإحضار شاحنات نقل كبيرة لاستخدامها كحاجز لإعاقة حركة الجيش على الطريق العام المحاذي لمنطقة البداوي، ولكن الجيش حطم هذه المحاولة بالقوة. وأدى ذلك إلى اضطرار الشهال لخفض منسوب خطابه الذي كان دعا خلال الأيام الأولى من تنفيذ الخطة الأمنية إلى مواجهتها. من جهتهم قادة المحاور اختفوا عن الصورة، وأحدهم حضر لإحدى مستشفيات طرابلس في بحر الأسبوع الماضي لتلقي علاج طارئ، وحينما حضرت مخابرات الجيش لإلقاء القبض عليه، تبين أنه غادر على وجه السرعة. وتسود طرابلس إشاعات كثيرة عن الأمكنة التي التجأ إليها قادة المحاور، ولكن ما بات ثابتاً أنه لن يسمح لهم بالظهور مرة أخرى في المدينة.
ومن الملاحظات الأبرز المتجمعة بعد نحو أسبوع من بدء خطة طرابلس، أن إجراءاتها جدية وأن مستوى الحزم الذي انتهجته أوصل لكل بيئات التوتر الأخرى في لبنان رسالة حاسمة بأن المستويين الأمني والسياسي في البلد عازمان على قمع الإخلال بالقانون وأمن المواطنين.
ثمة ملاحظة أخرى أبرزتها مجريات الخطة الأمنية في طرابلس، وهي أن فرض الأمن في إطارها تم تطبيقه خارج قاعدة التراضي المباشر مع المسلحين، وان كانت معادلة التراضي السياسي بشأنه ظلت قائمة. لقد رفع كل الأطراف السياسية الغطاء عن الإخلال بالأمن، ولكنهم أبقوا غطاءهم السياسي على جماعاتهم، بعد أن فرضوا عليهم تموضعات جديدة سمتها انسحابهم من بقعة عمل خطة الجيش الأمنية إلى مناطق أخرى.
وبحسب مرجع سياسي فان آلية تنفيذ الخطة الأمنية الحالية يقع ضمن اتجاه عام مدعوم دولياً، ومفاده أن البلد ذاهب لهدنة أمنية تعكس وجود الهدنة السياسية المستمرة منذ تشكيل حكومة المصلحة الوطنية. وباعتقاده فان تطبيقات هذه الهدنة ستستمر اقله حتى شهر أيلول المقبل.
وبات متوقعاً على نحو واسع انه مع حلول نهاية الأسبوع الحالي وبدايات الأسبوع المقبل، فان عجلات الخطة الأمنية ستنتقل إلى العاصمة وتحديداً إلى الحي الغربي في منطقة طريق الجديدة. ومساحة عمل الجيش في هذه المنطقة صغيرة نسبياً وهي تشتمل على بؤرة تعتبر ساخنة، بينها حيز جغرافي يعرف بمخيم الهواش.
وسينفذ الجيش في هذه المنطقة مهمة تفكيك مقار غير معلنة لمجموعات متشددة كانت في الفترة الماضية طرفاً في اشتباكات داخلية، وهناك أسماء تابعة لهذه المجموعات يوجد بحقها مذكرات توقيف بأعمال أمنية خطرة، وغالبيتهم من الفلسطينيين.
وعلمت «البناء» أن نقاشاً أمنياً يدور حالياً حول ما إذا كان يجب أن تتزامن خطوة تنفيذ الخطة الأمنية في الحي الغربي في طريق الجديدة مع أخرى متممة لها تجري في نفس الوقت في حي التعمير في مخيم عين الحلوة.
وبحسب مصادر مطلعة على هذا النقاش، فان هناك خشية تستند إلى معلومات استخباراتية من إمكانية أن تترافق عملية دخول الجيش إلى الحي الغربي، مع ردود فعل عليها تحدث انطلاقاً من حي التعمير في مخيم عين الحلوة، ذلك أن هناك ترابطاً بين مجموعات في حيي الغربي في العاصمة والتعمير في صيدا. ومن السيناريوات المتوقع حدوثها كرد فعل على بدء الجيش تنفيذ خطته الأمنية في الحي الغربي، هو أن تبادر مجموعات معروفة في التعمير بفتح اشتباك من اجل تخفيف الضغط على الحي الأول وارباك خطة الجيش بحيث تتوقف عند الشمال والبقاع ولا تكمل سيرها إلى داخل الحي الغربي ومن ثم إلى التعمير في مخيم عين الحلوة.
كما يتوقع هذا السيناريو أن تخرج لمساعدة مجموعات الحي الغربي مجموعات موجودة في مناطق متاخمة للطريق الساحلي بين بيروت وصيدا.
والواقع أن كافة المعطيات الآنفة هي التي أدت إلى بلورة نظرية – لا تزال قيد النقاش -داخل المستوى الرسمي المشرف على خطوات الخطة الأمنية، تفيد بأنه يتحتم القيام بتنفيذها في كل من الحي الغربي والتعمير في وقت واحد وبالتزامن، وذلك لشل قدرة التنسيق بين المجموعات المترابطة من بيروت حتى صيدا مروراً بالطريق الساحلي.
وبحسب هذه المصادر فان حي التعمير المعتبر خارج النطاق العقاري لمخيم عين الحلوة ولكن الملتصق به جغرافياً وأمنياً، يوجد فيه نحو مئتي مقاتل ينتمون لخمس مجموعات تنسق في ما بينها، ولكل واحدة منها أمير، وأبرزها مجموعة أسامة الشهاب وبلال بدر. ولكن ليس كل قادة هذه المجموعات الخمسة يقيمون في التعمير، فبعضهم كالشهاب مثلاً يقيم في حي الصفصاف داخل مخيم عين الحلوة.
وبحسب المعلومات عينها، فانه لا بد أن تسبق تنفيذ الخطة الأمنية داخل «التعمير» في حال حسم القرار السياسي في شأنها، تنسيق مع القوى الأساسية الفلسطينية في مخيم عين الحلوة، وإبلاغ هؤلاء مسبقاً بأن عليهم رفع الغطاء السياسي عن المجموعات الخمسة المصنفة على أنها إرهابية ويوجد بحقها كأفراد مذكرات توقيف بارتكابات أمنية إرهابية كثيرة.
وتلفت هذه المصادر أيضاً إلى نقطة أخرى، وهي أن مجموعات حي التعمير الخمسة لديها امتداد داخل المخيم بخاصة في حيي صلاح الدين والصفصاف، ما يعني أنه ليس مستبعداً أن تتفاعل الأوضاع عند تنفيذ الخطة الأمنية في التعمير باتجاه أن يتسع نطاق رد الفعل ضد الجيش ليشمل أحياء داخل المخيم. ويعني هذا تطور في الاشتباك ليصبح من مهمة ضبط الأمن في منطقة صغيرة يوجد فيها خارجون على القانون إلى معركة بين مخيم عين الحلوة والجيش اللبناني مع ما يستتبع ذلك من تطورات وردود فعل تطاول مخيمات فلسطينية في مناطق أخرى.