الأميركيون مجدّداً بقناع الكونفدرالية!
د. وفيق إبراهيم
المشروع الأميركي بالاستيلاء على الانظمة السياسية في الشرق الاوسط أو تفجيرها الى دول متحاربة ومستقلة سقط في الميادين العسكرية لسورية والعراق بدعم من إيران وروسيا في مرحلة 1991 2018.
لكن الأميركيين لا يعدمون وسيلة للعودة عبر استعمال الجزء الأخير من خطتهم، وذلك بالتلويح بحرب مباشرة مع إيران أعدوا لها الشكل العسكري من حشد طائرات وبوارج وإعلام وتحالفات، إنما من دون أخذ قرار بالمباشرة بحرب ميدانية فعلية.
بالتوازي تطرح السياسة الأميركية مجدداً مشاريع كونفدرالية تعتقد ان تحقيقها ينتجُ اربعة أهداف: أولاً: اضعاف المنطقة العربية ومنعها من اعادة تشكيل نظام عربي مرتكز على التنسيق السوري العراقي، وثانياً تمرير صفقة القرن، ثالثاً تقليص الدور الإيراني من افغانستان الى لبنان واخيراً تحجيم الحركة الروسية الصينية في أُطرٍ ضيقة جداً لا تؤدي الى بناءاتٍ عالمية تخلخل الهيمنة الأميركية.
لذلك اختار الاستراتيجيون الأميركيون اربعة بلدان لديها صلات متميزة بإيران لمباشرة تفتيتها على أسس كونفدرالية وذلك بعد محاولات فاشلة للسيطرة على انظمتها بالاجتياحات بين 2001 في افغانستان و2003 في العراق وتلزيم الارهاب للقتال في سورية بدعم كوني 2011 2019 وتنظيم اجتياح لليمن بدأ منذ أربع سنوات بجحافل سعودية إماراتية مدعومة غربياً وعربياً وسط صمت روسي صيني.
لجهة افغانستان فهناك مشروع أميركي لتسليم قسم منها لمنظمة طالبان وآخر للدولة الحالية وبذلك تتأجج العداءات عبر الحدود المشتركة بين منظمة القاعدة في أعالي افغانستان وإيران المجاورة.
إنما ما هي الوسائل الأميركية لهذا المشروع الكونفدرالي؟
على مستوى سورية تحتل منظمة «قسد» الكردية رأس لائحة المطالبين بكانتون كونفدرالي له استقلاليته الثقافية والادارية والامنية والاقتصادية ولا يرتبط بسورية إلا في المؤسسات الاقليمية والدولية فيؤدي دور «قاطع الطريق» على نحو نصف محاولات التنسيق السورية العراقية مستولياً على معظم إمكانات النفط والغاز في شرقي الفرات مقابل نسبة ضئيلة للدولة الوطنية.
بيد أن الاهمية الاولى لهذا الكانتون هو اضعاف سورية في حركتها الاقليمية تمهيداً لإلغائها نهائياً بعد التطورات الكانتونية التي يعمل عليها الأميركيون في العراق وإلغاء اي دور لحزب الله او إيران فيها.
فماذا يجري على أرض الرافدين؟
المشروع الأميركي بتقسيمها الى ثلاثة كانتونات مستقلة قابلة للتحول دولاً كاملة ومتصارعة ليس بجديد وكانت مراكز الابحاث الأميركية تهللُ له منذ 2003 لكن تطورات الداخل العراقي ونجاح الحشد الشعبي والجيش العراقي بإلحاق هزيمة كبيرة بالإرهاب دفع بالأميركيين الى التركيز على تأمين ظروف كونفدرالية مناسبة لكردستان مع سيطرة كاملة للشركات الأميركية والحليفة على النفط فيها انتاجاً واستثماراً.
لقد بدا أن المشروع الكردستاني ليس كافياً للتوازن السياسي الحربي بين الأميركيين والإيرانيين فعادت السياسة الأميركية الى استنهاض القوى السنية العراقية الموالية للسعودية والإمارات وتركيا للمطالبة بكانتون مستقل على غرار الكرد وله فوائد جمة للأميركيين، وأولها انه قادر على قطع النصف الثاني من الحدود السورية العراقية مشكلاً مع كانتون «قسد» السوري الكردي الفاصل الاساسي بين البلدين، بما يُنهي فكرة نظام عربي جديد ووصل إيران او موسكو بالشرق العربي بالطرق البرية.
أما اليمن فله حصة وازنة لأهمياته المتنوعة أميركياً وسعودياً، وبالتالي عالمياً لذلك فهناك دفع أميركي كبير باتجاه «كنتنة» بشكل يفقد قوته وتذهب ريحه ويجري تأمين خط النفط في شبه جزيرة العرب في اي دور سلبي لأنصار الله اليمنيين الذين لديهم المقدرة على التأثير على الاستقرار السياسي والنفطي في السعودي والإمارات وحركة انتقال عشرين في المئة من التجارة العالمية التي تمرُ على مرمى حجر من سيطرة انصار الله في مضيق باب المندب.
ومع العجز السعودي الإماراتي الغربي عن السيطرة الكاملة على غرب اليمن وشمالها وبعض أنحاء الجنوب والشرق بدا ان هناك تسليماً أميركياً بضرورة وجود كانتون للحوثيين مقابل كانتونات عدة في الجنوب والشرق مع تأمين رعاية للأمم المتحدة على منطقة الحديدة المطلة على باب المندب وخط التجارة العالمية في البحر الأحمر وبحر عدن والمحيط الهندي.
ميزة هذه الكانتونات أنها تضعف اليمن وتجعله تابعاً للسعودية والإمارات برعاية السياسة الأميركية.
كما تسلبه إمكاناته الاستراتيجية والاقتصادية ودوره في شبه جزيرة العرب وعلاقاته التحالفية بإيران، فتضعُ بذلك حداً لحلفه المرتقب مع سورية والعراق.
مشاريع الكونفدرالية هي اذاً لإضعاف إيران وسورية والعراق واليمن عبر تعويم دور سعودي مصري يرعى صفقة القرن مؤدياً دور الحريص على النفوذ الأميركي في العالم الإسلامي.
وهذا يكشف مدى الارتباط الوثيق بين صفقة القرن والمشاريع الكونفدرالية في العراق وسورية واليمن وتقليص الدور الإيراني الى داخل حدود بلاده.
فتتبدى النتيجة وكأن الأميركيين انتصروا عسكرياً وسياسياً في سورية والعراق واليمن وإيران محققين الاستراتيجية الخاصة بهم بالمحافظة على أحاديتهم المطلقة عبر إقفال الأبواب الواسعة أمام الصين وروسيا.
المنطقة إذاً هي في الجزء الأخير من الحرب الأميركية عليها وأيضاً في الجزء الأخير من حركة حلف المقاومة فيها لصد مشاريع الكونفدرالية التي لا تقل خطورة عن الانتصارات العسكرية وقد تكون أسوأ منها، لأنها تبني الاستقرار السياسي والاجتماعي على تكتلات مذهبية وعرقية وهذه تبقى ضعيفة وبحاجة للحماية الأميركية والغربية بشكل دائم على مستويي السياسة والاقتصاد والامن.
فهل ينجح هذا القناع الكونفدرالي الأميركي؟
الواضح أن سورية والعراق مصممتان على «الدولة الوطنية» التي تعبر عن مصالح مكوناتها ولديهما القدرة على مجابهة مشاريع الانفصال على ثلاث قواعد:
الإمكانات العسكرية والوطنية للدول القائمة مع قناعتها بضرورة تأسيس ادارات لديها صلاحيات موسعة تجسد خصوصيات التنوع العرقي لكنها لا تصل الى حدود الكونفدرالية التي تُعتبر انفصالاً مقنعاً يؤسس لدول مستقلة بشكل كامل، ثالثاً استمرار التحالف مع روسيا وإيران بخلفية صينية. وهذا من شأنه تحقيق انتصار على الأقنعة الأميركية الجديدة في المشاريع الكونفدرالية وصفقة القرن وإلغاء دور اليمن العريق والتاريخي.