«التطبيع في التربية والتعليم في لبنان: واقع الحال وسبل المواجهة»
عبير حمدان
يبدأ فعل المقاومة بالنموّ مع أول حرف نتعلمه، حيث ندرك منذ الولادة أنّ هناك «مغتصبأً» زُرِع في بلادنا ولم يوفر أيّ منبر سياسي وفني وثقافي تربوي ليروّج لفرضية وجوده في ظلّ تقاعس رسمي على مستوى العديد من أنظمة «الإعتدال» في العالم العربي والتي تناست القضية المركزية وأسقطت من حسابها فعل المواجهة ولو من خلال عبارات الاستنكار.
في لبنان مقاومة لم تترك سبيلاً إلا واعتمدته ضدّ «كيان العدو» وحصدت الانتصارات منذ التحرير عام 2000 والصمود في مواجهة عدوان 2006 وقبل ذلك حين تمّ إسقاط إتفاق 17 أيار. وهذه المقاومة لا تقف عند حدود الرصاص إنما تحمل طابعاً اجتماعياً وثقافياً وتربوياً وفنياً، وهي تمكّنت من تحقيق الكثير على المستوى الوطني والعالمي وهي لا تعترف بشرعية الكيان الصهيوني وتؤمن بأنّ الشعوب لا تنتصر على جلاّدها بأسلوب واحد.
من هنا أقامت «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل» مع «اللقاء الوطني ضدّ التطبيع»، وبرعاية وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان مؤتمراً تحت عنوان «التطبيع في التربية والتعليم في لبنان: واقع الحال وسبل المواجهة»
واللقاء الذي عُقِد في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية الجامعة اللبنانية- سن الفيل شارك فيه أكاديميون واختصاصيون استعرضوا خبراتهم في مقاربة قضية التطبيع في التربية والتعليم في لبنان. خاصة بعدما شهدت الفترة الأخيرة فصولاً وفضائح متتالية، تخصّ مناهج ومقرّرات مدرسية في المؤسسات التعليمية.
وقارب المؤتمر وسائط التنشئة الاجتماعية وأدوارها في وعي الخطر الصهيوني وكيفية مناهضة التطبيع مع العدّو، وعرض آخر التطورات حول ما آلت إليه العريضة الصادرة عن حملة المقاطعة واللقاء الوطني ضدّ التطبيع العام الماضي، بعنوان: «من أجل مناهضة التطبيع في التربية والتعليم».
محاور المؤتمر
توزعت محاور المؤتمر على ثلاثة وهي: المناهج التربوية، المؤسسات التربوية، والتنشئة الاجتماعية ووسائطها.
المحور الأول «دراسات في مناهج التعليم العام في لبنان» 11:30-13:00 الذي أدارته العضو في «حملة المقاطعة»، عفيفة كركي، طُرِحت فيه مجموعة دراسات أُجريت عام 1997، عن مناهج التعليم العام في لبنان، والعناصر الغائبة عنها لجهة وعي الخطر الصهيوني ومناهضة التطبيع، إلى جانب الإضاءة على ما يوازيها في المناهج الأجنبية في بعض المدارس اللبنانية.
أما المحور الثاني الذي ناقش «تجارب المؤسسات التربوية في لبنان» أداره رامي سلامي، وتفرّع إلى ثلاث مداخلات، هدفت إلى الإضاءة على تجارب تربوية مهنية، وكيفية مقاربتها لمسألة الاحتلال الصهيوني ومناهضة التطبيع، وسياسات بعض المؤسسات التربوية والعناصر الغائبة عنها لجهة وعي الخطر «الإسرائيلي».
والمحور الثالث «التنشئة الاجتماعية ووسائطها» الذي أدارته العضو في حملة المقاطعة عبادة كسر، استعرض أهمية دور الوسائط الاجتماعية في وعي الخطر «الإسرائيلي» ومناهضة التطبيع. وتفرّعت منه محاور عدة منها مناقشة عوامل الدين، والإعلام وعمل المجتمع المدني والنقابات وروابط التعليم. في ما يخصّ العامل الديني، ومواجهة الاحتلال.
لقاءات
«البناء» أجرت لقاءات على هامش المؤتمر سألت فيها عن أهمية التركيز على الشأن التربوي في مواجهة التطبيع في ظلّ الانقسام السياسي الذي يرخي بثقله على المجتمع اللبناني.
محسن: التربية لبناء الأجيال
وأكد البروفسور محمد محسن عميد المعهد العالي للدكتوراه أنّ عملية التربية دقيقة جداً ومن خلالها يتمّ بناء أفكار للجيل الجديد، وقال: «أهمية هذا المؤتمر أنه يهدف إلى دراسة الواقع الموجود بالاستعانة بالمناهج والأدوات البحثية للوصول إلى رأي علمي في ما يتعلق بمقاومة التطبيع مع العدو الإسرائيلي وتحديداً فلسطين هي العنوان الأبرز للاشكال التسلطية للتطبيع في إطار الصراع الموجود في المنطقة والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وهذا المؤتمر يبحث في هذه الاشكالية والتشعّبات من خلال البحث العلمي في المناهج التربوية، وكما تعلمين عملية التربية دقيقة جداً ويمكن من خلالها بناء أفكار لدى الجيل الجديد، وإذا تمّ بناء أفكار غير سليمة وغير صحيحة دون تسليط الضوء على المشاكل الأساسية التي يعاني منها مجتمعنا يكون الواقع في مكان ونحن في مكان آخر. لذا نرى في هذا المؤتمر تأسيس استراتيجيات سياسية أو وطنية عامة يستفيد منها لبنان لتكون عملية مواجهة التطبيع مبنية على أسس علمية سليمة وهذا ما يجعلنا ننظر إلى الأمام خاصة أنّ هذا الموضوع ليس آنياً إنما هو أساسي وجوهري ونحن ملتفتون له ونقوم بدراسته وفهمه حتى في ما بعد نعرف كيفية مواجهة هذا التطبيع، ذلك لأنّ التطبيع يكون عبر الإعلام والتربية والمدارس والشركات العابرة للقارات وما يتمّ فرضه على الدول النامية من خلال الاقتصاد وهذا بالطبع يحتاج إلى ما هو أبعد من مؤتمر واحد».
أضاف: «ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلّه، لذا المفروض البدء في مكان ما، وكرة الثلج تتفاعل وتتحوّل إلى سياسة وطنية لدى الدولة اللبنانية من أجل المواجهة التي تدوم وليس الآنية حسب الأحداث، وحملة مقاطعة داعمي إسرائيل حققت الكثير في هذا المجال، وفي النهاية حين نتفق جميعناً على هوية العدو سنتمكن من ترسيخ مناهضة التطبيع تربوياً وثقافياً واجتماعياً وفي كافة المجالات».
المصري: الدول لا تُبنى على مبدأ النأي بالنفس
من جهتها اعتبرت الدكتورة رانية المصري من حملة مقاطعي داعمي «إسرائيل» في لبنان أنّ هذا المؤتمر هو خطوة في مجال البحث حول كيفية تدريس الأجيال لإيجاد حلول تعيد تقويم العملية التربوية، وقالت: «اخترنا أن نلتقي في الجامعة اللبنانية لأنها صرح وطني وعام، ولكن بالطبع ستكون لدينا لقاءات أخرى ضمن نطاق أوسع وأكثر شمولية، ولكن قيمة هذا اللقاء اليوم يتمثل بتضمّنه الأبحاث التي تضيء على كيفية تدريس أولادنا في المدارس وفي كلّ اللغات عن تاريخنا».
وعن الحلول التي يرجوها المؤتمر، رأت المصري أنّ هناك مجموعة من اهلنا متمسكة بهويتها ولديها قراءة واضحة للتاريخ وتعرف كيف تقاوم، وللأسف تقابلها مجموعة أخرى لها قراءة مختلفة، وهناك مجموعة ثالثة قراءتها للتاريخ تشبه قراءتنا لكنها مستسلمة ومن خلال تجربتي في مجال التعليم كان يأتيني طلاب لا يعرفون شيئاً عن «النكبة» ومنهم من يسألني «لماذا إسرائيل هي عدونا» وهناك من لا يعرف شيئاً عن حرب تموز، وهذا واقع مخيف، لذلك هناك واجب وطني يجب أن يبدأ من المدارس. الفكرة الأساسية هي مقدرتنا في لبنان على بناء دولة مدنية عادلة وقادرة وذلك مُحال بوجود كيان غاصب ومحتلّ في المنطقة، وطالما الجميع يتحدث عن الدولة المدنية يجب أن تكون الرؤية السياسية واضحة بحيث يعرف هذا الجيل تاريخه الصحيح وسبعين سنة ليست وقتاً طويلاً، وحين نربّي أولادنا على فكرة المقاومة وثقافتها وعدم الاستسلام سنحقق النتيجة المرجوة، ولدينا المقدرة على التغيير، وهذه الأوراق ستكون في متناول الجميع من خلال المنابرة الإعلامية التي تواكبنا. ومن موقعي ضمن حملة مقاطعة داعمي «اسرائيل» أجزم أنّ الدولة لا يتمّ بناؤها على قاعدة النأي بالنفس كما يحاول البعض أن يفعل».
رحال: جبهة مقاومة تربوية
من جهته رأى الدكتور حسين رحال ممثل أساتذة معهد العلوم الاجتماعية في مجلس الجامعة أنّ الانقسام السياسي واقع، وقال: «هناك انقسام سياسي واضح في لبنان ومن يدّعي الوطنية في لبنان هو من يروّج للتطبيع، ومن يرفع شعار السيادة هو من يفرّط بسيادة لبنان براً وبحراً وجواً وثقافياً وتربوياً، ولكن هذا كله لا ينتقص من أهمية هذا المؤتمر الذي يقع في الوقت المناسب والمكان المناسب لتسليط الضوء على ما يجري.
هناك منحى مؤسساتي داخل الدولة اللبنانية وبرعاية سياسية يكرّس التطبيع خلافاً للقانون اللبناني وهذا المنحى يجب كسره والعودة إلى المنطق القانوني اللبناني الذي يمنع التطبيع».
أضاف: «أهمية هذا المؤتمر أنه يتعامل مع الموضوع بطريق علمية ويعطي نتائج تدلّ على مكامن الخلل. في لبنان اعتدنا على سياسة القناصل وبعض المناهج التربوية تديرها بريطانيا وإن كانت واجهاتها محلية، فما هي هذه المناهج التي تضعها بريطانيا من خلال بعض الجمعيات المحلية سوى مناهج تكرّس التطبيع، من هنا نحن بحاجة إلى جبهة مقاومة تربوية وطنية معادية للعدو الإسرائيلي، وهذه مسؤولية مشتركة لمتابعة الأمر من أجل تحسين الأداء التربوي في لبنان، والوعي لدى الناس ضرورة ليكون هناك محاسبة فعلية لكل طرف ينادي بالتطبيع».
شمس الدين: أهمية الجغرافيا
من جهتها أكدت الدكتورة ليلى شمس الدين أنّ هذا المؤتمر سيضع ركائز أساسية في مسألة مواجهة العدو، وقالت: «برأيي هذا المؤتمر سيضع ركائز أساسية كي يكون هناك خطوات عملية في ما يتصل بمواجهة التطبيع، صحيح على هذا الصعيد لا يوجد رأي موحد ومعنوي تجاه المقاومة أو اتجاه العدو الاسرائيلي وهناك من لا يتجرأ ويناقش في هذا الموضوع، نحن دعونا كلّ الأطياف والأطراف للمشاركة في هذا المؤتمر، وهناك إشكالية على المصطلحات في مكان ما وبرأيي يجب أن نضع على الخريطة «فلسطين المحتلة» لكي يعرف الطلاب تاريخهم الجغرافي بالشكل الصحيح».
وتابعت: «نحن علينا العمل في سبيل التغيير، وقد حضر افتتاح المؤتمر أعضاء من المركز التربوي، وبعد انتهاء الجلسة الأولى أخبرونا أنهم سجلوا الملاحظات وسيرفعونها إلى المعنيين بالأمر، وأنا أكيدة أنّ هناك أناساً وطنيين سيعملون معنا على تحقيق الهدف والأهمية تكمن في الوصول الى المكان الصحيح في الوقت الصحيح».
وفي ما يتصل بأهمية الجغرافيا في الإطار التربوي قالت: «الجغرافيا مهمة لأنها لا تقتصر على التضاريس والأنهار والحدود، الجغرافيا تدخل في كلّ تفاصيل حياتنا سواء في علم الاجتماع او علم النفس والانتربولوجيا والآثار والفنون والبيئة والصحة والعسكري إذا هي جامعة لكلّ العلوم لذلك تدريس هذه المادة أساسي وحيوي ومؤثر على تفكير التلميذ قبل المرحلة الجامعية، والكارثة الكبيرة حين يتمّ تلقين هذه المادة للتلامذة من بعض الأساتذة الذين لا يعرفون أهمية هذه المادة وتأثيرها، ولعلّ أهمية اللقاء اليوم في صرح أكاديمي للجامعة اللبنانية سيترك وقعه لدى الناس. ومن هنا نشكر مساهمتكم وحضوركم و»البناء» من الوسائل الإعلامية التي تؤمن بقضية محقة وتدعمها على الدوام».
ادريس: المقدرة على التصدي
ورأى الدكتور سماح أدريس العضو المؤسِّس في حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان أنّ من يؤمن بالقضية لا يعترف باليأس، وقال: «حين نؤمن بقضيتنا المحقة لا نفكر بالفشل على الإطلاق، لذلك لا نسمح لأنفسنا بالقول إنّ المعركة كبيرة ونعجز على الفوز فيها، العجز مرادف لليأس ونحن لا نقبل به. ومنذ 16 عاماً حتى اليوم شكلنا فرقاً في مختلف الأصعدة والدليل ما حصل أخيراً مع زياد الدويري حين واجهناه بواقعة زيارته لكيان العدو ولو ضمن إطار فني واليوم كلّ مثقف أو فنان أو مخرج لبناني يعمل حسابه حين يقصد أيّ مؤتمر أو نشاط ثقافي وفني خارج لبنان عن ماهية المشاركين فيه وإذا ما كان هناك «اسرائيليين» فيه، من هنا نرى أنّ الإنجازات التي حققناها تشكل فرقاً، والدليل حين أعلن مروان حمادة يوم تسلم وزارة التربية عن إصدار تعميم بإزالة كلمة «إسرائيل» من الكتب المدرسية، وجميعنا نعلم أنّ الأخير ليس ضمن محور المقاومة».
وعن تخلي البعض عن مشروع المقاومة، قال: «بسبب وجود جوّ إحباط كبير في العالم العربي في ظلّ صفقة القرن، ولكن نحن نقول من هنا وكحملة مقاطعة إننا قادرون على التصدي في مواجهة هذه الصفقة مع التصميم والإرادة والتحالفات الذكية مع كلّ المعنيين لبناء كتلة واحدة تقاوم المشروع الإسرائيلي. وفي ما يتصل بالتربية نعمل على تصويب الأمور، لأنّ استراتيجيات المقاطعة مبنية على الإنجازات الصغيرة بعيداً عن الغوغائية».
وأشار ادريس إلى «إنّ الرئيس الأسبق أمين الجميّل عقد في 17 أيار 1983 اتفاقاً مع العدو الإسرائيلي، واليوم في 17 أيار 2019 اجتمعنا في صرح أكاديمي وفي قاعة تحمل اسم «الجميّل» نفسه لنقول إننا ضدّ التطبيع مع العدو في كلّ المجالات»، لافتاً إلى أنّ المؤتمر ما هو إلا خطوة ضمن سلسلة محطات على صعيد إعلامي وسينمائي وثقافي على امتداد الوطن ولاحقاً سيتمّ نقل مقرّرات هذا المؤتمر إلى كلّ الأحزاب اللبنانية ودعوتهم للنقاش حولها.