واشنطن خائفة من التخلف التقني؟

ناصر قنديل

– يقول الكثير من المؤرخين إن أحد أسباب الدخول الأميركي على خط الحرب العالمية الثانية كان القلق من التفوّق التقني الألماني، ويقول هؤلاء إنه حتى نهاية الحرب كانت الأسلحة الألمانية تتفوّق على الأسلحة الغربيّة والشرقيّة التي واجهتها في الحرب، وإن التطور التقني الكبير الذي مثلته القنبلة النووية الأميركية كان نتاج عقول ألمانية، ومنذ ذلك التاريخ واشنطن مرتاحة إلى تفوقها التكنولوجي في العالم، وزادت ثقة واطمئناناً مع ثورة المعلوماتية والاتصالات التي قادتها عقول وشركات أميركية، لكن التدقيق يفيد بأن القلق عاد إلى واشنطن خلال العقد الأخير وبقوة، من دون أن تكون لديها مقدرات خوض حرب كالحرب العالمية الثانية. فالقادة الأميركيون يعترفون بتفوّق في مجال الأسلحة التقليدية والاستراتيجية لحساب روسيا، ولذلك عليهم في خوض حروبهم الأخرى تفادي المواجهة مع موسكو، والاكتفاء بالضغط عليها، والمناورة بين الترغيب والترهيب لتحييدها، لأن القلق الاقتصادي من سوق السلاح الروسي لم يحِن وقته بعد، ويتوقع بلوغه خلال العقد المقبل، بينما مصدر القلق الداهم هو الصين، التي لا يشكل مصدر نمو اقتصادها المتزايد سبب القلق الرئيس للأميركيين، وهو نمو يهدّد بإزاحة واشنطن من تصدر المكانة الأولى بين الاقتصادات العالمية، لكنه تحدي العقد المقبل أيضاً، مصدر القلق الكبير هو تفوق الصين في تقنيات الاتصالات التي تشكل عصب الاقتصاد العالمي الجديد.

– يتحدّث الخبراء عن أن انتقال مركز القيادة في سوق الاتصالات إلى الصين في العام المقبل بعدما حققت شركة هواوي الصينية التفوق والتفرّد في إنتاج تقنية الجيل الخامس من الهواتف الذكية، وهو الجيل الذي سيحل مكان الكمبيوترات الفردية والمكتبية، بمؤهلات تقنية تتيح إنجاز كل المعاملات والعمليات التقنية المعقدة بحجم صغير وشاشة مرنة قابلة للتوسّع افتراضياً، وقدرات معالجة مرتفعة. والأهم أن هذا الجيل سيعني الانتقال إلى عصر الروبوت بالتحكم الذي يتيحه بقيادة السيارات، وإدارة الأعمال عن بعد، وتحريك الحسابات وإدارة المكاتب والبورصات، وتأمين الرفاه والأمان المنزلي والمكتبي، بالتحكم بالأجهزة المنزلية والمكتبية. والأخطر أنها ستغيّر الكثير في أدوات الحرب وأشكالها. ويقول الخبراء إن مفاوضات الشراكة التي خاضتها الشركات الأميركية مع شركة هواوي لم تنجح في السيطرة على التقنية الجديدة، ويعتقد الخبراء أن الحرب الاقتصادية على الصين هي في جزء منها ضغط تفاوضي على تقنيات الجيل الخامس، وإن بعضاً من أهداف الحصار النفطي على إيران هو الضغط على نمو الصين الاقتصادي، ووضعه في كفة موازية للفوز بالمفاوضات حول تقنيات الجيل الخامس.

– يعتقد الأميركيون أنهم قادرون على تحييد روسيا بحصر التعاون في ملفات كوريا الشمالية وفنزويلا وأوكرانيا، كما اعتقدوا من قبل خلال الحرب على سورية بفعل شيء مشابه، لكنهم يصلون إلى الفصل الأخير من المواجهة، واللعبة تجري على الملأ، حيث الكل يعلم قواعد الاشتباك ويعرف مواقعه على رقعة القتال، روسيا والصين وإيران، معركة السلاح مع روسيا وحرب الجغرافيا السياسية مع إيران، وحرب التكنولوجيا مع الصين، والثلاثي الروسي الصيني الإيراني يتقاسم أعباء المواجهة والأدوار التبادلية في جبهاتها، من سورية إلى كوريا إلى فنزويلا مدركاً أنها حرب واحدة، وأن أي نصر أميركي في أي من مفرداتها سينعكس على سائر المفردات، وبالقدر الذي يسعى الثلاثي لتفادي اندلاع حرب مجنونة بفعل الهيستيريا الأميركية العاجزة عن الاعترف بأن العالم قد تغير، يعمل الثلاثي على نزع الأنياب الأميركية وتظهير المواجهة كحرب أشباح، يستحيل خوضها بوجه أطراف الثلاثي مباشرة، وإظهار أن الخسارة الأميركية ستكون مدوّية على أيدي الحلفاء الذين تصفهم واشنطن باللاعبين الصغار، وقد ظهر في مثل هذه الأيام قبل تسعة عشر عاماً، ان حزب الله الذي كان يُحسب بين الصغار يومها، قد دخل نادي الكبار بفعل الإنجاز المحقق بانتصاره التاريخي على الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وها هو يتحوّل إلى مصدر رعب في كل التحليلات الأميركية لموازين الحرب، ومثله وعلى خطاه سارت قوى مقاومة في المنطقة والعالم وحققت قدرات رادعة كما تقول تجارب اليمن والعراق وكوريا وفنزويلا، وسيكون على الأميركي أن يقاتلهم قبل أن يجد نفسه مباشرة وجهاً لوجه مع إيران وروسيا والصين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى