ترامب يريد العودة لمعادلات 2007

ناصر قنديل

– يعلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما يعلمه الجميع عن استحالة التفكير بالذهاب إلى حرب لا منتصر فيها، وعن أن القيمة الوحيدة للتصعيد الذي يشهده الخليج هي تحسين الوضع التفاوضي للأطراف المتقابلة، والواضح أن هناك تصوراً لدى الرئيس الأميركي وفريق معاونيه لما يمكن بلوغه من الضغوط الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية، والتدقيق في مجموع الخطوات الأميركية، يبدو واضحاً أن إدارة ترامب تعتبر أن استعدادها للتسليم بفشل الحرب على سورية، وارتضاء العودة بسورية إلى ما كانت عليه قبل هذه الحرب يشكل تنازلاً أميركياً كافياً للقبول بعودة كل شيء في المنطقة إلى ما كانت عليه قبل ذلك التاريخ، سواء ما يخصّ الحضور الروسي أو الملف النووي الإيراني، أو الأحادية الأميركية في رسم مستقبل القضية الفلسطينية.

– الانسحاب الأميركي من التفاهم النووي مع إيران، وصفقة القرن، والضغط على الصين لتحجيم صعودها الاقتصادي والتقني، والسعي لتحديد سقوف نمو الحضور الروسي في المعادلات الدولية والإقليمية، عناوين تندرج تحت الفكرة الأميركية نفسها بالعودة إلى معادلات ما قبل الحرب على سورية، يوم ذهب وزير خارجية عمان إلى طهران يحمل عرض إدارة الرئيس جورج بوش ومن خلفه المحافظين الجدد، بما يشبه عرضاً جديداً حمله قبل أيام، وفيه الاعتراف بالملف النووي الإيراني السلمي، وبنفوذ إيراني في العراق وأفغانستان ومياه الخليج وسوق النفط والطاقة، مقابل خروج إيراني من فلسطين.

– يتوهّم الأميركيون أن ما جرى في المنطقة يقبل العودة إلى الوراء، وينسون أن الحرب تشبه الشطرنج في كل شيء إلا في أن الجولة الثانية تبدأ من حيث انتهت الجولة الأولى وانه تستحيل إعادة الحجارة إلى حيث كانت قبل بدء الجولة الأولى، ولو كانت أميركا قد خرجت منتصرة لما تجاهلت ذلك، بل لبنت على انتصاراتها رؤيتها لما سيأتي، وثمة الكثير من الأشياء تغيّرت منذ عام 2007. فأميركا فقدت الكثير من أسباب قوتها بعد الحرب على سورية كأول اختبار قوة حقيقي للحرب الناعمة والحرب الذكية والفوضى الخلاقة منذ حربي العراق وأفغانستان. وهي تخسر حلفاءها من تماسك الموقفين الأوروبي والتركي حولها، إلى التآكل الذي أصاب قوة حليفيها الرئيسيين في المنطقة، «إسرائيل» والسعودية، ومثلما لم تعد أميركا كما كانت ولا بقي حلفاؤها على ما كانوا، فروسيا والصين وإيران وقوى المقاومة لم يعودوا كما كانوا، بل زادوا قوة وهم جميعاً في حال صعود نوعي استثنائي يصعب إلغاؤه وتجاهله.

– سيكتشف الرئيس الأميركي كمعاونيه، أن الحشود لن تغير شيئاً من الوقائع، وان الحرب الباردة المستمرة سيصعب تحويلها إلى حرب ساخنة دون خسائر شاملة تصيب الجميع، ولكن نتيجتها قد تكون نهاية وجودية لبعض حلفاء واشنطن مقابل حجم خسائر خصومها، وأن التوتر سيصيب سوق النفط بالأذى وسيصيب حلفاء واشنطن من جهة موازية، لكنه لن يصيب إيران وحلفاءها. وهو استنزاف باتجاه واحد، وأن مساعي التهدئة ستتم وفقاً لمعايير ما جرى من تغيير، لا ينفع في إلغائه التهديد بذريعة الكيميائي في سورية، ولا بتصنيف المزيد من المقاومين على لوائح الإرهاب، لأن الوجود الأميركي في المنطقة يقترب من لحظة معاملته كاحتلال ينبغي أن يرحل. ووصفة الرحيل هي المقاومة التي توشك أن تبدأ، وتنتظر الإشارة بأن زمن السياسة قد انتهى، وبيد واشنطن أن تشد على زناد وتطلق الطلقة الأولى كي يحدث ذلك ببساطة وترى ما لا تتوقع أن تراه، فقبل ستة وثلاثين عاماً كان الاحتلال الإسرائيلي في بيروت وكانت الحاملات والناقلات والطائرات والمارينز والمبعوثون، وحدث ما يعرف الأميركيون جيداً أن ما سيحدث اليوم إن سقطت السياسة سيتخطاه بالكثير الكثير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى