ظاهرة لها ما بعدها: نتنياهو أوّل مدني يحكم «إسرائيل» منذ إنشائها؟
د. عصام نعمان
يجهل غير المختصين بدراسة الكيان الصهيوني انّ عسكريين او «مدنيين» ملتبسين خاضعين للعسكريين، تعاقبوا على حكمه منذ قيامه في العام 1948. انّ أول رئيس لحكومة دولة العدو كان دايفيد بن غوريون ولقبه في أوساط اليهود الصهاينة «النبي المسلح» كونه زعيم منظمة «هاغانا» الإرهابية التي قاتلت العرب وهجّرت سكان فلسطين الأصليين من ديارهم. قيل إنه كان في الأصل مدنياً وزعيماً لحزب سياسي هو حزب الماباي العمل . إلاّ انّ ممارسته الميدانية الإرهابية جعلت منه عسكرياً بإمتياز.
صحيح انّ كلّ الذين خلفوا بن غوريون في رئاسة الحكومة كانوا «مدنيين» سابقين قاتلوا في فلسطين كإرهابيين، إلاّ انهم تحوّلوا بعد خلع بزات القتال سياسيين خاضعين، لا سيما في قراراتهم الأمنية، لسطوة رؤساء أركان حرب الجيش الإسرائيلي. هذا مع العلم انّ بعضاً من رؤساء الحكومة كان رئيساً سابقاً لهيئة اركان الجيش كالجنرال اسحاق رابين والجنرال اريئيل شارون.
السبب الرئيس وراء هذه الظاهرة انّ الجيش هو «البطل» شبه الوحيد في تاريخ الصهيونية المعاصرة. اليه تُعزى «معجزة» قيام الكيان الصهيوني وحمايته كما توفير الغلبة له في حروبه المتعاقبة ضدّ العرب. وبما انّ «إسرائيل» كانت دائماً في حروب متواصلة ضدّ العرب داخل فلسطين المحتلة وفي البلدان المجاورة لها، فقد كان من الطبيعي ان تبرز أدوار وإنجازات لرؤساء أركان الجيش في هذه الحروب وان تجتذب إعجاب الجمهور.
اليوم، وخلافاً للماضي، ثمة ظاهرة لافتة بدأت تتجلى في حاضر المشهد الداخلي الإسرائيلي هي صعود بنيامين نتنياهو كأول رئيس مدني لحكومة دولة العدو يؤثّر في قيادة الجيش وفي القادة العسكريين أكثر مما يتأثر بهم او يؤثرون عليه لدرجة انه عيّن نفسه وزيراً للدفاع بل للحرب بعد استقالة وزير الدفاع السابق افيغدور ليبرمان في أعقاب اندحار الجيش الاسرائيلي في حربه الأخيرة على قطاع غزة.
القادة العسكريون، العاملون والمتقاعدون، تخوّفوا من سيطرة، بل من احتكار، نتنياهو للقرار الامني، واستشعروا في هذه الظاهرة المستجدة خطراً على الكيان. لذلك تجمّعوا وباشروا حملة واسعة على نتنياهو الذي ما زال يتخبّط في دوامة تأليف حكومته الجديدة.
لعله من المفيد الإحاطة بهذه الظاهرة ظاهرة ردة فعل العسكر على الرجل الذي كرّس احتكاره للقرار الأمني من خلال ما أوردته في هذا المجال صحيفة «يديعوت احرونوت» 22/5/2019 حول رأي معارضي نتنياهو العسكريين في مخاطر الضمّ او فرض القانون الإسرائيلي على مناطق الضفة الغربية. ذلك انّ مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين طالبوا في عريضة وُجّهت إلى بنيامين نتنياهو بصفته رئيساً للحكومة بالالتزام بإجراء استفتاء عام قبل الإقدام على تنفيذ قراره بشأن فرض القانون الإسرائيلي على مناطق الضفة الغربية.
أطلقت هذه العريضة حركةُ «ضباط من أجل أمن إسرائيل» ووقّعها 200 من المسؤولين الأمنيين السابقين بينهم مسؤولون كبار خدموا في الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن العام «الشاباك» والموساد والشرطة.
جاء في العريضة أنّ أيَّ ضمّ أحادي الجانب لمناطق الضفة الغربية سيؤدّي إلى وقف التنسيق الأمني من جانب السلطة الفلسطينية، وأنّ الفراغ الأمني الذي سينشأ ستملأه حركة «حماس» وجهات مسلحة أخرى.
أكدت العريضة على أنّ فرض القانون الإسرائيلي على مناطق الضفة كلها أو على جزء منها من دون إطار تسوية سيؤدّي إلى سلسلة من ردات الفعل التي ستلحق ضرراً كبيراً بأمن «إسرائيل» واقتصادها ومكانتها الإقليمية والدولية. كما شدّدت على أنّ الضمّ من دون اتفاق يعرّض أمن «إسرائيل» وحياة السكان للخطر، نظراً إلى أنّ عملية من هذا القبيل ستجبر الجيش الإسرائيلي و»الشاباك» على السيطرة على كلّ مناطق الضفة ما يؤدّي تالياً الى قيام «إسرائيل» بإدارة حياة ملايين الفلسطينيين والإنفاق عليهم من دون استراتيجية خروج. وأشارت العريضة إلى أنّ الضمّ بحدّ ذاته معناه أيضاً القضاء على إمكان التوصل إلى أيّ تسوية مع الفلسطينيين.
وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان الليكود هاجم العريضة قائلاً: «إنّ موقّعيها لم يتعلّموا أيّ درس من اتفاقيات أوسلو، ومن إحضار ياسر عرفات إلى مناطق الضفة ومن «خطة الانفصال» عن قطاع غزة، ومن دعم الانسحاب من هضبة الجولان، والدعوة الى التوصل إلى اتفاق مع نظام الأسد في سورية». أضاف إردان أنه حان الوقت للكفّ عن التخويف من احتمال وقف التنسيق الأمني من جانب السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى أنّ مثل هذا التنسيق هو في مصلحة هذه السلطة ومن دونه لن يُكتب البقاء لها ولرئيسها.
ماذا كان ردّ فعل نتنياهو؟ وماذا كان ردّ فعل الفلسطينيين عليه؟
نتنياهو اكتفى بالقول «إنّ موقّعي العريضة لم يتنبّهوا الى صلة يهودا والسامرة ايّ الضفة الغربية بالتراث التوراتي»! لكنه يُدرك في قرارة نفسه أنّ أية نكسة عسكرية تلحق به في قابل الأيام ستعزز التيار المؤيد للقادة العسكريين وستحيي التقليد القديم بأن يكون لهؤلاء دائماً رأي مرجّح في تقرير سياسات الكيان وقيادته.
الفلسطينيون لا يأملون خيراً، بطبيعة الحال، من مؤيدي القادة العسكريين الصهاينة. فهؤلاء لا يختلفون كثيراً عن منافسيهم من مؤيدي نتنياهو. لذلك فقد تركوا مسألة الردّ على الفريقين العنصريين المتنافسين الى فصائل المقاومة الفلسطينية التي تردّ يومياً بعملياتها النوعية على الكيان الصهيوني ومسؤوليه بما يفيد أنّ الشعب الفلسطيني متنبّه جداً الى ما تفيض به التوراة وغيرها من النصوص التلمودية من أطماع خيالية بأرض العرب ومياههم وتراثهم، وانه وسائر العرب الأحياء ملتزمون المقاومة بلا هوادة من أجل التحرير والعودة مهما طال الزمن.
وزير سابق