من قعر الحرب ينتج إبداعاً روائيّاً شبابيّاً الكاتب السوري الشاب محمد المير غالب يتفوق على مواجهات الرواية ويترك بصمته في تجليّات النصوص
مجدولين الجرماني
الكُتّاب الشباب هم التاريخ المُسَطّر للحقبة الراهنة، وما جرى بها من أزمات أو تداعيات، فكانوا لسان حال لرؤيتهم الواقع ونقل إحساس جيل بكامل تطلّعاته ومعوقاتها. حرب طاحنة جعلت النفوس في فجوات عميقة بحيث تقطّع الزمن، واختلف، واختلطت الاعتقادات، لتضرب في العمق جيلاً بأكمله، وتبعثر أفكاره أو ترتبها حتى.
«البناء» تعرّفت على أحد هؤلاء الشباب، هو من الكتّاب الشباب الذين عاصروا الأزمة السورية، تغلّب على ظروف القهر والحرب والفقر وخرج بإبداع روائي، فازت روايته «شهد المقابر» بجائزة «كتارا للرواية العربية في العام 2018».
الكاتب الشاب محمد المير غالب تربّى في جوّ عائلة مثقفة عريقة، والده الكاتب مصطفى مهدي غالب وجدّه الكاتب والفيلسوف محمد غالب وله كتب ومؤلفات عدة منتشرة في العالم من مدينة الماغوط في السلمية السورية، شعب تمتد جذوره الثقافية وتحلّق.
يرى غالب أن تغيير المجتمع هو هوس سرّي ومخفّي لدى الكاتب العربي، فأي كاتب يتمنى أن يحدث عمله ثورة في نمط تفكير مجتمعه بالكامل، لكن بصراحة لم نشهد مثل هذه الحالات ولا يتوقّع أن نشهدها لاحقاً. الرواية بالنسبة إليه قد تغير نمط تفكير شخص أو أشخاص عديدين، لكن مجتمعاً بأسره وبشكل سريع وانفجاري فهو مستحيل مستحيل، الآن يتعود الناس على أساليب أخرى للتسلية ولكسب المعرفة والتعرف على الآخر. فهنالك الأفلام على سبيل المثال، فيرى أن المجتمع هو من يغير الرواية حتى في تغيراته السلبية .
وعن المواجهات التي خاضتها الرواية يقول: الرواية كتبت التاريخ من جوانبه كافة، فنحن نعرف أن سائر الأمم في العالم لا تملك تاريخاً صادقاً وآخر كاذباً، التاريخ له وجوه متعددة، سابقاً كان يكتب وجه واحد من وجوهه، لكن الآن الرواية تؤرّخ الأحداث بوجوهها كافة تقريباً، رأينا في السنوات الأخيرة روايات تدعو للسلام، وأخرى تشجّع للاتتقام، روايات متشدّدة، وروايات متحرّرة أكثر من اللازم، روايات تحترم كل الأطراف وروايات تشتم كل الأطراف.
كما يعتبر أن ما يهدد الرواية العربية اليوم هو ما هدّدها البارحة وسيهدّدها غداً. فيرى البعض أن القارئ السطحي هو أكبر تهــديد لأصالة الرواية العربية حيث يساهم في انتشار الأدب السطحيّ.
ويضيف: ألقي اللوم على عملية التسويق، يقترن الأدب حالياً بالعامل المادي كالجوائز وموازنات دور النشر التي تهتم بالحصول على مكسب مادي حتى ولو كانت تنشر رواية ذات أوراق بيضاء خاوية .
ليس لغالب اتجاه معين في القراءة، بعض الروايات حاول قراءتها قبل عامين وأغلقها بعد الصفحة الأولى لأنها لم تعجبه، غير أنه هذا العام قرأها وأعجب بها جداً. تعجبه رواية «حدائق الريس» للكاتب العراقي محسن الرملي، حيث يعتبر أنها من الروايات التي تحفّز على الكتابة وأيضاً «رواية والحمامة» لباتريك زوسكيند .
يميل غالب للأدب الروسي، حيث يقول: أشعر أنه يمنحني فكرة عن مستقبل مجتمعاتنا، كما أني أبحث عن الأعمال المترجمة من لغات لم نتعرّف إليها جيداً، كاليابانية والصينية .
تأثر غالب في فترات بالراحل محمد الماغوط، بعد أن قرأ روايته «الأرجوحة»، واختار كتابة الرواية وشعر أن الرواية مكان أدبي رحب لكي يضع فيه أفكاره، وأيضاً من الكتّاب المؤثرين به عبد الرحمن منيف في مدن الملح وشرق المتوسط، وتأثر فترة بثورة الأدب العراقي الحالية، وبنهضة الرواية السورية، حيث يؤكد أن الرواية السورية ستفاجئ الحميع في السنوات المقبلة.
وعن رأيه بالأدب النسائي المعاصر، يقول: الرواية النسوية في تطور ملحوظ، نلاحظه في قوائم الجوائز القصيرة، أذكر شهلا العجيلي، لينا هويان الحسن، سميحة خريس التي حين أنهيت قراءة روايتها «فستق عبيد» شعرت بالفخر، لأني حزت وإياها الجائزة نفسها وفي الدورة نفسها.
يبتعد الكاتب الشاب أحياناً عن الأدب حيث يلجأ إلى الكتب العلمية والفلسفية، حيث يقول: يحلو لي أن أذكر كتاب «أغنية الطائر» لأنطوني دوملو، قرأته أكثر من خمس مرات وما زلت متعلقاً به .