فيينا والخيارات الصعبة
تتواصل المفاوضات حول الملف النووي الإيراني في فيينا، وسط غموض ضبابي يلف مصيرها المتوقع والنهايات التي ستؤول إليها، وبين التشاؤم والتفاؤل تدور مفاوضات صعبة وشاقة.
الخيار الذي يؤيده الطرفان الرئيسيان في المفاوضات هو النجاح في التوصل إلى التفاهم، فهما يدركان أنّ أمامهما عدو مشترك قوي ومتعب، ويملك مقوّمات كافية لاستثمار الفشل في المفاوضات وما سينجم عنه من توترات في المنطقة، فإيران وحلفاؤها سيكونون على موعد تصعيد المواجهة مع اميركا وحلفائها، وسيجري الشيء نفسه على الجبهة المقابلة من جانب اميركا وحلفائها، ولن يكون الأمر بحاجة إلى التدقيق كي نستنتج أنّ المواجهة سرعان ما تصير لها تردّدات في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين، وتتحوّل بصورة مباشرة إلى نوع من حرب باردة بين السنة والشيعة، والمستفيد الرئيسي «داعش» وبدرجة تليه «إسرائيل» التي سترتاح من موجبات التفاهم ونتائجه بمكانة جديدة لإيران في المنطقة وما يعنيه ذلك من تنامٍ لحلف المقاومة.
الفشل ممنوع لهذا الاعتبار، وبقوة هذا المنع للفشل يجري البحث عن مخارج بديلة لأنّ أصل الذهاب إلى التفاوض، هو أنّ الحرب الحاسمة ليست على روزنامة الفريقين فهي فوق طاقتيهما، وإنْ وقعت ستدمّر لإيران منجزات ربع قرن، وستشعل حرباً في المنطقة ربما تنتهي بتدمير «إسرائيل» وتغيير الخارطة الجيوسياسية في المنطقة برمّتها وربما في العالم.
لكن التفاوض صعب لأنّ ثمن التفاهم مكلف، فواشنطن تدرك انّ غضب حلفائها من التفاهم سيعني مرحلة من الفوضى السياسية، في العلاقة معهم، وخصوصاً المثلث «الإسرائيلي» التركي السعودي، الذي يشكل قوائم المنصة الأميركية في المنطقة وإصابته بالارتباك ستخسر واشنطن حلفاء يبدون ضرورة لمواجهة الاستحقاقات القادمة، ولو انهم صاروا بلا حول ولا طول في القدرة على الحرب البرية، لكنهم عامل توازن لوضع حدّ للتمدّد الإيراني وتعاظم مكانة حلفائها وسيطرتهم على مقدرات المنطقة، وبالتالي شريكاً ضرورياً في تسويات إقليمية ومحلية تريدها اميركا.
التفاوض صعب لأنّ سورية بعد التفاهم ستكون غيرها قبله وسيكون الحسم في سورية لصالح الجيش أسرع، وسيصير كلّ كلام عن المعارضة لغو فارغ، وسيتحوّل الحلّ السياسي إلى مجرّد إخراج لتكريس استرداد الدولة السورية لمكانتها وجغرافيتها ومهابة الجيش والرئاسة.
التفاوض صعب لأنّ إلغاء العقوبات سيريح إيران ويعاظم قدراتها في كلّ مجال وينهي توترات ترتبط داخلياً بالقدرات الاقتصادية، وإلغاء العقوبات يشهد تعقيدات تتصل بالتوازنات الداخلية الأميركية في زمن الانتخابات التي حملت مؤشرات ضعف سيطرة البيت الأبيض وحزب الرئيس على الكونغرس، وبالتالي من جهة خوف من عدم القدرة على تنفيذ الاتفاق يرتب التشدّد ومن جهة مقابلة خشية من استفادة الخصوم الداخليين انتخابيا من الاتفاق واتهام الإدارة بالتهاون يرتب تشدّداً موازياً.
بين تفاوض صعب وفشل ممنوع يتقدّم التمديد كخيار، لكنه مفيد لإيران في ملفها النووي الذي شهد كلّ إنجازاته في ظلال التفاوض، فرفعت سقوف التفاوض تدريجاً من جولة إلى جولة للاعتراف بمكتسب جديد لإيران، من تكريس حقها في التخصيب إلى مستوى هذا التخصيب والترسانة الصاروخية، وصولاً إلى العلاقة بالمقاومة، وكلها كانت بنوداً تفاوضية وتلاشت، بما في ذلك مفاعل الماء الثقيل في ناطنز، والتمديد يعني تمدّد جديد لحلفاء إيران، بلا تسويات تعطي أميركا وحلفاءها شراكة في التوازنات كما جرى في اليمن، وكما جرى في لبنان، ويجري في سورية، لكن التمديد سيمنع التعاون الجدي العميق في الحرب على الإرهاب.
قد يكون المخرج اتفاقاً يحتاج إلى مزيد من العمل لترجمته خارطة تنفيذية وجدولاً زمنيأً، فيصير حلاً وسطاً بين التفاهم الكامل والتمديد، فيصير نصف تفاهم ونصف تمديد.
«توب نيوز»