أسابيع حرجة في واشنطن: بين التعطيل والمواجهة
احتلت المفاوضات النووية الجارية مع ايران مركز الصدارة في اهتمامات وإنتاجات مراكز الأبحاث المختلفة.
سيشهد الاسبوع المقبل دخول المشهد السياسي الاميركي، وكندا ايضاً، فرصة اعياد نهاية السنة رسمياً، يبدأ الاحتفال بعيد الشكر الذي تعود جذوره الى الطقوس البريطانية وكنيستها البروتستانتية، للاحتفال بوفرة الحصاد والدعاء للمزيد. وعليه ستدخل النشاطات الفكرية والبحثية مرحلة انحسار موقت تنتهي مطلع العام الجديد.
سيستعرض قسم التحليل الوضع السياسي الشاذ للكونغرس في الفترة المتبقية من دورته الحالية ولحين بدء الدورة المقبلة منتصف شهر كانون الثاني المقبل، وما تشهده من تجاذبات حادة بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، كلّ يسعى لممارسة صلاحياته «الموسعة،» وفق التفسير الرغائبي لكلّ فريق. من أشدّ المسائل التي يختلف عليها الطرفين اقرار موضوع الميزانية السنوية الذي كان ينبغي المصادقة عليه نهاية شهر تشرين الاول الماضي. بالاضافة إلى معارضة الحزب الجمهوري الشديدة لإبرام الإدارة اتفاقية مع ايران حول الملف النووي ومسائل فرعية تتعلق بتمويل «المعارضة السورية المسلحة»، والتصويت على بند انشاء خط انابيب لنقل النفط الكندي للسواحل الاميركية.
المفاوضات النووية مع ايران
وسط تباين آراء الساسة والمراقبين، على السواء، من التوصل إلى اتفاقية مع ايران، خامر الشك مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من إفلاح الجهود الراهنة والتوصل إلى اتفاق. وقال ان تمديد فترة التفاوض «يعني عزم الغرب المضيّ قدماً دون توفر صورة واضحة حول المكاسب التي حققتها ايران… والفترة الزمنية المطلوبة التي ستستغرقها لبناء قدرة نووية معتبرة.»
واضاف انّ احد اوجه القصور ايضا «المضيّ قدما دون اجراء تقييم جاد في الداخل الاميركي حول جدية برنامج الصواريخ الايراني لامتلاك القدرة على نشر اسلحة نووية او لجانب اهمية تطويرها قوة مسلحة نووياً بغية ردع الغارات الاستباقية والحيلولة دون تنفيذها…»
اعتبر معهد المشروع الاميركي انّ الولايات المتحدة حصدت الفشل في المفاوضات النووية نظراً «لاخفاقها في سبر اغوار ايران واولوياتها،» مستدركاً ان مهمة التعرف على ايران «ليست مسألة مُيسّرة.» وناشد صناع القرار لبذل الجهود للتعرف عن كثب على «العلاقات السائدة بين القادة الكبار، الهيكلية الداخلية لاتخاذ القرار، الثوابت الايديولوجية، والتصريحات الرسمية»، والتي من شأنها رسم صورة اوضح لآلية عمل ايران، «بل الأهم التوصل إلى معرفة تصرف النظام الايراني على الشكل الذي نشهده… بغية استقراء التوقعات لكيفية تفسير النظام للخطوات الاميركية وكذلك آلية تعامله مع الازمات الناشئة والمرتقبة.»
اما مركز مبادرة السياسة الخارجية فقد اعرب عن اعتقاده بفشل نظام العقوبات «اذ بعد مضيّ 20 عاماً ونيف على قرار الكونغرس تنفيذ العقوبات، تستمر ايران في تحدّيها للأسرة الدولية.» واضاف ان نظام العقوبات «ربما ادى إلى تدهور أداء الاقتصاد الايراني، بيد انه لم يضعف عزم ايران في اقتناء القنبلة النووية» وجلّ ما حققه «الفوز بتأييد عدة اطراف دون قدرتها على تنفيذ نظام العقوبات بشكل شامل. الاجراءات اغضبت النظام، بيد انها لم تحدث هزة تدفعه إلى الاستسلام لمشيئة الغرب».
وجه المجلس الاميركي للسياسة الخارجية سهام انتقاداته إلى ادارة الرئيس اوباما «لمنحها روسيا لعب دور كبير في بلورة بنود الاتفاق النووي.» وحذر صناع القرار من «منح الثقة الاميركية لروسيا الذي لا معنى له.» واوضح انه على ضوء السياسات الراهنة لسيد الكرملين جاء «رد فعل الغرب بتطبيق عقوبات خفيفة تواكبها تهديدات عقيمة، اذ ان الرئيس فلاديمير بوتين يتطلع للفوز بالجائزة الاكبر والسيطرة على دول بحر البلطيق… وارسل القاذفات الاستراتيجية الروسية للسواحل الاميركية والكندية متحدياً…»
اعرب مركز الأمن الاميركي الجديد عن اعتقاده بامكانية «تمديد الوضع الراهن» للمفاوضات وما ينطوي عليه من «استمرار حصول ايران على تخفيف طفيف للعقوبات المستهدفة القطاع التجاري.» واضاف ان ذاك السيناريو يشكل «ابسط النتائج لمسار التفاوض لكنه يفسح المجال للانتقادات السياسية.» وحذر المركز من مخاطر عدم التوصل الى صيغة اتفاق الأمر الذي «سيحفز معارضيه في كلّ من ايران والولايات المتحدة ومطالبة الوفدين بالانسحاب… وما سيرافقه من صعوبات لكبح جماح قرارات جديدة من الكونغرس او درء خطوات سيقدم عليها المتشدّدون في طهران والذين من شأنهما تعكير الأجواء وتخريب اتفاق في المستقبل».
أنذر معهد واشنطن صناع القرار من تداعيات توجهات الرئيس اوباما «الساعي لارساء إرثه» السياسي في ما تبقى له من ولايته الرئاسية، اذ «ستتفاقم حدة التوترات في الشرق الاوسط.» واوضح ان التوصل إلى اتفاق مع ايران سيغذي طموحات اوباما السياسية. وزعم المعهد انّ سياسات الرئيس اوباما حيال ايران اسفرت عن «تقديمه تنازلات في قضايا تفاوضية مركزية فضلاً عن جاهزيته للتخلي عن قدر هائل من النفوذ الاقليمي لمصلحة طهران». واردف ان افضل الاحتمالات للحدّ من تدهور المفاوضات يكمن في «تفضيل واشنطن التوصل لتمديد العمل بالاتفاقية الموقتة الراهنة لصون ماء وجهها، بينما خيار انهيار المفاوضات بالكامل من شأنه حفز استمرار دوامة العقوبات والجزاء اللتين يعسّر رؤية ما ستؤدّيان اليه».
يعاني النظام السياسي الاميركي الخاضع لاحتكار حزبين من عقدة تهدّد تجميد عمل الكونغرس في الفترة الواقعة بين إعلان نتائج الانتخابات ويوم تسلم الفائزين مهام مناصبهم مطلع العام الجديد، نتيجة اعادة اصطفاف الحزبين اطلق عليها وصف «البطة الكسيحة او العرجاء،» للدلالة على توقف عمل السلطة التشريعية دون اعلان رسمي بذلك. وهي الفترة القصيرة التي يستغلّها الرئيس، اي رئيس، لاتخاذ اجراءات معينة يخوّله بها الدستور وتعتبر شائكة بالنسبة إلى الطرف السياسي الخصم.
في الحالة الراهنة، الاغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ ستعمد الى المصادقة او سنّ اكبر عدد ممكن من القوانين قبل تراجعها لمنصب الأقلية في كانون2 2015. لا تزال عدد من القضايا أسيرة ادراج الصراع السياسي بين الطرفين، خاصة المصادقة على الموازنة السنوية الرسمية المقدمة من السلطة التنفيذية والتي ينطوي عليها عدد من برامج الانفاق المتعلقة بالسياسة الخارجية، لا سيما تمويل «المعارضة السورية المسلحة» المقترح وداخلياً خط انابيب النفط الكندي، كي ستون اكس ال، الذي تلقّى هزيمة تصويت في مجلس الشيوخ بفارق صوت وحيد، ولعلّ القضية الأبرز والأهمّ، بالنسبة إلى الرئيس اوباما، نيل مصادقة الكونغرس على ايّ اتفاق يتمّ التوصل اليه مع ايران حول برنامجها النووي.
نظرة شاملة إلى آلية عمل مجلس الشيوخ في الايام الاخيرة المتبقية من الدورة الحالية تشير الى وضع بالغ التعقيد: لائحة طويلة من التعيينات والترشيحات الرئاسية لمناصب هامة في السلكين الديبلوماسي والقضائي ومناصب ادارية تتبع السلطة التنفيذية تنتظر مصادقة مجلس الشيوخ. استطاعت الاغلبية الديمقراطية المصادقة على عدد لا بأس به من الترشيحات، بينما اخفق العديد منها ولا يزال ما تبقى من مرشحين قيد الدرس وما يرافقه من تعطيل الاداء الحكومي في الاجهزة المعنية.
في هذا الشأن يدرك الرئيس اوباما صعوبة المهمة التي تنتظره عند تسلم الاغلبية الجمهورية مهامها في مجلس الشيوخ، والتي تكن له عداء مستفحلاً، واعلنت عن توجهاتها المناهضة في العلن. قبيل انتقال الاغلبية للطرف الآخر يلجأ الفريقان الى الاسراع في المصادقة على اكبر عدد ممكن من الاقتراحات قبل انتهاء الدورة الحالية والدخول في موسم اعياد الميلاد المجيد.
الاغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ سخرت موقعها في الفترة السابقة الى اقصاء او تعطيل البت في توصيات مقدمة من مجلس النواب، بزعامة الخصم الجمهوري، الأمر الذي يعفي الرئيس اوباما من استخدام حق الفيتو كما هو منصوص عليه دستوريا وما يتبعه من تجاذبات واتهامات متبادلة. تقاسم السلطة التشريعية فرض على الاغلبية الجمهورية في مجلس النواب التوصل لصيغة عمل توافقية مع الديمقراطيين اثمر اتفاقا موقتا لرفد الخزينة المركزية لغاية منتصف الشهر المقبل.
في المقابل، يستغل الجمهوريون ميزة الاغلبية المقبلة لتأجيل البت في جملة من القضايا «الخلافية» لا سيما المصادقة على الميزانية السنوية ومشاريع القوانين المدرجة على جدول الاعمال. وعليه، يأمل الجمهوريون ابقاء تأجيل البت راهنا والتطلع للمصادقة على حزمة برامج اساسية بالنسبة لهم في الدورة المقبلة.
لا يساور الشك احداً في درجة التعقيد والصعوبات التي تنتظر الرئيس اوباما مطلع العام الجديد، الذي ورغم سلسلة من التنازلات الجوهرية التي قدمها لخصومه، الا ان ذلك لم يسعفه في نظرهم، واستمرت مراهنتهم على التعطيل والتأجيل فما بالك حينما تصبح السلطة التشريعية بكاملها تحت سيطرة الخصوم. الأمر الذي دفع الرئيس اوباما في نهاية المطاف إلى التلويح باستخدام حقه الدستوري لاتخاذ إجراءات لها مفعول القانون، دشنها بقراره لإصلاح نظام الهجرة الراهن الذي يعارضه خصومه بشدة.
لا يشكل الرئيس اوباما حالة استثنائية في اصدار قرارات رئاسية ترضيه، بل يلجأ لاستخدام الصلاحية كافة الرؤساء بصرف النظر عن انتمائهم الحزبي. بيد انّ الأمر ينطوي على مخاطر عدة، في حال اللجوء اليه. الرئيس اوباما امام معضلة نفاذ الميزانية الموقتة المقررة في 11 كانون الثاني المقبل، وتنذر بإغلاق اعمال الحكومة بأكملها انْ لم يتوصل الطرفين لاتفاق قبل نهاية المدة.
اعتبر الخصوم الجمهوريون اجراء الرئيس بتقنين المهاجرين الفاقدين للأوراق الرسمية انه تحدّ للسلطة التشريعية بأكملها، وتوعّدوه بسلسلة اجراءات انتقامية دشنوها بمقاضاته قانونيا مباشرة عقب اعلانه. مسألة المهاجرين ضمن التصنيف السابق شائكة وانْ لم تكن معقدة، ويبلغ تعدادهم الاجمالي ادنى من 4 مليون شخص، نصفهم من المكسيك والباقي من دول اميركا اللاتينية. الرئيس اوباما اوضح انه لا ينوي منح عفو عام لاولئك بل لتسوية اوضاعهم وتسهيل حصولهم على الاقامة الدائمة والجنسية، شريطة دفع غرامات مستحقة وفرز مرتكبي المخالفات والانتهاكات عن الغالبية الحريصة على تسوية اوضاعها وتستحق العفو بضوابط. اولى الآليات المباشرة التي سيلجأ إليها الجمهوريون تسخير سيطرتهم على بنود الميزانية ورفض الإنفاق الحكومي على اصدار تلك الوثائق، والمغامرة بإغلاق المرافق الحكومية وتحمّل المسؤولية لذلك. الخيار الآخر امام الجمهوريين موافقتهم على تمديد عمل القانون الراهن الخاص بالميزانية دون قيود، وترحيل الازمة الى التركيبة الجديدة المقبلة، وعليه يصبح الرئيس اوباما طليق اليدين لغاية نهاية السنة المالية في تشرين الاول 2015. حينئذ باستطاعة السلطة التشريعية تحت سيطرة الجمهوريين بلورة صيغة قرار يلبي شروطها بادخال فقرة تلزم السلطات المعنية بعدم منح العفو لاولئك المهاجرين، مما يستوجب موافقة الرئيس اوباما او ممارسته حق استخدام الفيتو ضده، والدخول من ثم في دوامة تهديد فريق الخصم بإغلاق المرافق الحكومية احتجاجاً.
عند لجوء الجمهوريين لاشتراط بند عدم الصرف على وثائق الهجرة الرسمية يستطيع مجلس الشيوخ بتركيبته الراهنة الاغلبية الديمقراطية تعطيل المقترح المقدم، واطلاق العنان لمواجهة تسفر عن اغلاق المرافق الحكومية وتحميل الخصم الجمهوري تداعيات ذلك او ادخال تعديل على المقترح يزيل القيود المفروضة على مسألة المهاجرين.
المجازفة بإغلاق الحكومة ينطوي على كلفة عالية بالنسبة للحزب الجمهوري، ليس في بعد المعارضة الشعبية فحسب، بل لاعتبارات الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يتوقع ان تشهد منافسة اشدّ من سابقاتها نظراً إلى حالة الاستقطاب الحادة الجارية وتردي الاوضاع الاقتصادية للطبقة الوسطى بشكل اساسي. وقد يلجأ قادة الحزب الى تبني والمصادقة على بنود الميزانية بالتقسيط ولكل وزارة على حدة، تحظى بقبول الرئيس اوباما. في هذا الحالة، ستتضمن ميزانية وزارة الأمن الداخلي بنداً يشترط عدم استخدام اية اموال للصرف على تأهيل المهاجرين فاقدي الاوراق الرسمية او منحهم العفو العام. سيجد الرئيس اوباما نفسه مضطراً اما للموافقة على الاشتراط المذكور او نقض البند بمجمله مما سيهدّد بإغلاق الوزارة ابوابها وضع استثنائي يحظى بدعم الغالبية الشعبية العظمى.
مصير التشريع في الفترة الكسيحة
بعد شعور الحزب الجمهوري محقاً بالزهو عقب الانتخابات كان اول بند على جدول اعماله طرح مشروع انبوب النفط الكندي للتصويت، وفشل بفارق صوت وحيد في مجلس الشيوخ، على ان يتأهب مجدداً لطرحه في الدورة المقبلة. في المقابل حقق انتصارا في اليوم عينه لافشال مشروع الحزب الديمقراطي تقنين عمل وكالة الأمن القومي وادخال بعض الاصلاحات عليها، اذ سقط المشروع بنسبة صوتين.
كشفُ ادوارد سنودن لتجسّس وكالة الأمن القومي على الداخل الاميركي احدث هزة عميقة مناهضة حتى داخل الحزب الديمقراطي نفسه. وشرع رئيس لجنة القضاء في مجلس الشيوخ، باتريك ليهي، العمل الدؤوب على توحيد جهود الحزبين لضرورة تبني إصلاحات تفرض على عمل الوكالة، وحصل على موافقة العضو الجمهوري البارز في مجلس النواب، جيمس سنسنبرينر، لطرح مشروع قرار مشترك. رمى المشروع المقترح الى تقييد حركة الوكالة بشدة للحصول على معلومات الهواتف الشخصية. وعلى الرغم من الهزيمة التي تلقاها المشروع في المرحلة الاولى، فمن المرجح ان يعاد طرحه للتصويت مرة اخرى في الدورة المقبلة للكونغرس، بالتزامن مع انتهاء مفعول العمل ببعض بنود قانون «الباتريوت» سيئ الصيت، في شهر حزيران المقبل، وهو الذي مهد الارضية لعسكرة الولايات المتحدة وبسط سيطرة الاجهزة الأمنية على الحياة اليومية.
التصويت المقبل على القرارين سيترك تداعياته حتما على جولة الانتخابات الرئاسية المقبلة، 2016. ليس خافيا على احد توجه عدد من اعضاء الحزب الجمهوري وقادته الرافض لتقييد حرية حركة وكالة الأمن القومي، مقابل مطالبة فردية لاحد النواب الجمهوريين، راند بول، تبني صيغة تفرض قيوداً متشددة على الوكالة. مما لا شك فيه ان المسألة ستخضع للتجاذبات السياسية والاصطفافات داخل الحزب الجمهوري نفسه، لا سيما ان احد ابرز اعضائه المحافظين، تيد كروز، الطامح لدخول حلبة السباق الرئاسي، يميل لكفة الوكالة واطلاق يديها بأقل قدر ممكن من القيود.
الموقف من هذه المسألة قد يؤدي الى انشقاقات جديدة داخل الحزب الجمهوري، لا سيما ان تيار حزب الشاي المتطرف يؤيد موقف تيد كروز، بينما الجناح «الليبرالي،» الممثل براند بول، يقف على نقيض ذلك. ومن شأن هذا الانقسام المرئي ان يدفع إلى الواجهة احد الاعضاء من غير المنتمين لأي من التيارين، من ابرزهم جيب بوش، شقيق الرئيس الاسبق، وتشجيعه إلى السعي نحو الفوز بترشيح الحزب في الجولة الرئاسية المقبلة.
اين سورية من جدل قرار التمديد؟
استطاع الرئيس اوباما تثبيت بند تمويل «المعارضة السورية المسلحة»، الذي يحظى بدعم الحزب الجمهوري بشكل شبه مطلق كما طالب الكونغرس المصادقة على ميزانية اضافية لمحاربة تنظيم «الدولة الاسلامية ـ داعش» قيمتها 5.6 مليار دولار للعام المالي الراهن، تتضمن ايضا تحمّل كلفة 1500 من الجنود الاميركيين المرسلين إلى العراق، او في طريقهم اليه. كما ثبّتت وزارة الدفاع بند عمليات الطوارئ الخارجية في الميزانية قيمته 58 مليار دولار، للانفاق على العمليات في العراق وافغانستان ومناطق اخرى ملتهبة، ومن المرجح ان يصادق عليه الكونغرس بنسبة مريحة ويخرجه من التداول والتجاذب السياسيين.
اما بند تمويل «الحملة العسكرية» ضدّ «داعش» الذي طالب به الرئيس اوباما فقد دخل دوامة الجدل السياسي حول مسألة قرار التفويض بشن الحرب الذي يرجع إلى الكونغرس دستورياً، ويطالب الرئيس بالتوجه اليه للحصول على تفويض صريح بشنّ الحرب. الحسم لا يلوح في الأفق على الرغم من تصريحات الرئيس اوباما لإشراك الكونغرس في ما يعتبره من ضمن صلاحياته واختصاصه، وما على الكونغرس الا المصادقة على الميزانيات المطلوبة.
يذكر انّ الرئيس اوباما ألحق بند الصرف الموقت المتعلق بكلفة الحرب على «داعش» في القرار «الموقت» الاخير لاستمرارية الصرف لحين يوم 11 كانون الاول المقبل. ومن المرجح ايضاً ان يتمّ التعامل معه بذات الصيغة التي أرست سابقة وارضية مشتركة لبنود الميزانية المتفق عليها بين الطرفين.
صقور الحزب الجمهوري المتوثبين لتبوؤ مواقع المسؤولية في الكونغرس، جون ماكين في لجنة القوات المسلحة، وبوب كوركر في لجنة العلاقات الخارجية، يؤيدان تحديث قرار تفويض الحرب بل وتوسيع صلاحياته.
المسألة المبهمة في كلّ تلك التحركات تتمحور حول دخول القوات الاميركية للقتال في ايّ من ساحات المعارك الدائرة. الرئيس اوباما تعهّد مراراً بعدم «وضع القوات الاميركية في ارض المواجهة،» وناور طويلاً حول دقة التعبير لإفساح المجال لعمل ما يقتضيه القادة العسكريون. في رحلته الآسيوية الأخيرة استنجد بتصريحات رئيس هيئة الاركان المشتركة، مارتن ديمبسي، للتهيئة لمثل تلك الخطوة التي يمقتها غالبيية الشعب الأميركي. وقال: «نعم، سنواجه بعض الظروف التي تستدعي الجنرال ديمبسي للنظر بانتشار القوات الاميركية… تلك هي مهمته، التهيئة والاعداد لمواجهة عدد من حالات الطوارئ. نعم، تواجه الولايات المتحدة دوماً ظروف تقتضي ربما نشر قوات اميركية برية.»
واستدرك اوباما مضمون تصريحاته لطمأنة المتردّدين بالتأكيد على انّ قرار دخول القوات البرية ارض المعركة للقتال يتوقف على ظرف يتيم للتيقن من امتلاك «داعش» السيطرة على قنبلة نووية. واوضح أنه «في حال اكتشفنا وقوع سلاح نووي بأيدي داعش، الامر الذي يستدعي شن عملية لاستعادته، حينئذ نعم سنرسل قواتنا وانا على أتمّ الاستعداد لاتخاذ ذلك القرار.»
المفاوضات النووية مع ايران
التوصل إلى اتفاقية حول البرنامج النووي، رغم إلحاحه، يواجه معارضة شرسة من قوى سياسية تمثل مصالح التيارات الأشدّ تطرفاً في المشهد الاميركي والمقرّبة من الليكود «الاسرائيلي.» من المرجح ان تشهد الايام المقبلة صراعاً قوياً بين الإدارة من جهة وممثلي تلك التيارات في الكونغرس، لا سيما داخل الحزب الجمهوري.
وقد حذر مجلس الشيوخ ممثلاً بالحزبين إدارة الرئيس اوباما من نيته استخدام حق النقض لتعطيل اتفاق نهائي مع ايران، والذي يستدعي مصادقته ليصبح ساري المفعول. بل طالب اعضائه بإنزال المزيد من العقوبات على طهران، في مذكرة وجهوها إلى الرئيس اوباما منتصف الاسبوع الجاري. يذكر ان نحو نصف عدد اعضاء مجلس الشيوخ وقعوا على المذكرة التي تتوعّد برفض «اتفاق رديء وخطير» يجري التداول بشأنه لإنجازه في الموعد المحدد يوم 24 من الشهر الجاري.
تزعم المذكرة، الموقعة من كامل اعضاء الحزب الجمهوري وعددهم 43 ممثلاً، انّ ادارة الرئيس اوباما على قاب قوسين او ادنى للتوقيع النهائي على اتفاقية «تسمح لإيران المضيّ في الجوانب الأكثر اثارة للجدل في برنامجها النووي ويؤهل طهران انتاج سلاح نووي في المستقبل القريب.»
وهاجم اعضاء المجلس الرئيس اوباما بشدة واتهموه بإغفال جهود الكونغرس للعب الدور الرقابي على الاتفاقية. وجاء في المذكرة «يبدو انّ مفاوضيك طرحوا جانباً اعتبارات الكونغرس الواضحة، والتي تشدّد على ضرورة تضمين اتفاقيات تمتدّ لعدة عقود اشتراط ايران وقف جهودها لتخصيب اليورانيوم ونشاطات التحويلات بالكامل، وتفكيك بنيتها التحتية النووية المحاطة بالسرية، وضرورة كشفها عن جهودها الماضية للتسلح بالنووي… لا نلمس اي مؤشرات على قيام مفاوضيك ممارسة ضغط على ايران للتخلي عن جهودها لتطوير صواريخ عابرة للقارات والتي من شأنها وصول مداها الى الاراضي الاميركية.»
تتداخل في هذا الصدد صلاحيات السلطة التشريعية والتنفيذية خلافاً للنص الدستوري الذي يخوّل السلطة التنفيذية حصراً إبرام الاتفاقيات مع الاطراف الاجنبية، ويقتصر دور الكونغرس على توفير الموازنات الضرورية لتفعيل الاتفاقيات.
تسلح الرئيس أوباما بتوصيات دراسة داخلية أجرتها وزارة المالية تخوّله تعليق العمل بمعظم العقوبات المفروضة على ايران دون الحاجة للحصول على موافقة الكونغرس، رغم الضجيج الإعلامي الذي يثيره الأخير. وعليه، يتمّ التغلب على احدى العقبات الرئيسة امام ايران لتوقيع الاتفاق.
نظراً لحصر مسؤولية الموافقة على الموازنات العامة بالسلطة التشريعية يستطيع الكونغرس المقبل تقييد تنفيذ اي اتفاقيات لا تنال رضاه عبر تعليق اقرار الموارد المالية اللازمة كما باستطاعته معاقبة وزارة الخارجية بالأسلوب عينه، خاصة حين تأتي اللحظة المناسبة لافتتاح سفارة أميركية في طهران.