أوباما والكونغرس وإيران: التعايش مع الأمر الواقع
عامر نعيم الياس
تتواصل المحادثات المكثّفة في شأن برنامج إيران النووي في فيينا، بعد إلغاء وزير الخارجية الإيراني خطّته للعودة إلى طهران للتشاور.
وكان من المقرّر أن يغادر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف فيينا متوجّهاً إلى طهران للتشاور، لكن وكالة أنباء الطلبة شبه الرسمية الإيرانية قالت إنه ألغى خطّته للسفر.
يأتي ذلك في الوقت الذي سرّبت فيه قناة الميادين نقلاً عن مصادر مطّلعة في العاصمة النمسوية فيينا، أن «إطاراً مبدئياً جرى الاتفاق عليه في المفاوضات في شأن النووي الإيراني، وهذا الإطار يخصّ البند المتعلّق بتخصيب اليورانيوم، مع بروز تفاصيل تقنية بحاجة إلى البحث على مستوى الخبراء والتقنيين».
ومن جهته، أطلع وزير الخارجية الأميركي نظراءه الكويتي والقطري والبحريني والإماراتي على محادثات فيينا في لقاء جمعه والوزراء عبر الهاتف. متحدّثاً عن ثغرات وصفها بالجدّية في المحادثات الجارية. فإلى أين تتّجه المفاوضات التي بقي لانتهاء مهلتها سويعات قليلة؟
تحاول التصريحات الصادرة عن وزراء خارجية مجموعة 5+1 رسم خط دقيق بين التفاؤل والتشاؤم. ففي الوقت الذي دعا فيه وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند إيران إلى التوقيع على الاتفاق، فإن نظيره الأميركي تحدّث عن ثغرات واضحة، فيما بدا وزير الخارجية الألماني متحفّظاً، شأنه شأن الإيرانيين الذين تكتّموا على مضمون المحادثات. لكن إلغاء وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خطته للعودة إلى طهران يمكن وضعها في سياق وجود معطيات جديدة وإيجابية في العملية التفاوضية تتطلب بقاءه في فيينا.
إن الحذر في التعاطي مع نتائج المفاوضات النووية مع إيران، مردّه إلى الأميركيين وحدهم. فالكونغرس الذي سيطر الجمهوريون على مجلسيه، لن يوافق على أيّ اتفاق مع طهران لا يحقّق الرضوخ الكامل لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرّية ومجموعة الدول الكبرى المعنية بالتفاوض مع طهران، من التفتيش المفاجئ لكافة المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية، إلى التفاصيل المتعلّقة بمنع إيران من إنتاج الوقود النووي، فضلاً عن المماطلة في رفع العقوبات وعدم اعتماد مبدأ التدرّج، أو بالأحرى التوازي في الخطوات التي يُتّفَق عليها بين الطرفين. فيما الإدارة الأميركية التي تتعرّض لضغوط من الرياض و«تل أبيب»، تريد التوصل إلى اتفاق تاريخيّ ترفع بموجبه العقوبات عن طهران. وهنا تبرز عقدة استخدام الرئيس والكونغرس صلاحياتهما. فالرئيس يستطيع وضع الفيتو على أيّ قانون صادر عن الكونغرس يتعلّق بفرض المزيد من العقوبات على إيران. لكن الصلاحيات التشريعية تمنح مجلس الشيوخ صلاحية الانقلاب على فيتو الرئيس عبر التصويت على بطلان قراره بغالبية الثلثين، وهو أمر غير مستبعد في ظلّ نزوع عددٍ من الديمقراطيين إلى معارضة سياسة الرئيس أوباما في الملف النوويّ الإيرانيّ لأغراض داخلية وأخرى تتعلّق بتأثير اللوبيّ «الإسرائيلي» في دوائر صنع القرار. ولذلك، لاحظنا في هذه النقطة أنّ الرئيس أوباما، وفور الإعلان عن نتائج انتخابات التجديد النصفيّ للكونغرس، قال إنه «يفضّل عدم التوصّل إلى أيّ اتفاق مع طهران بدلاً من اتفاق سيء». وفي ضوء ذلك، وعطفاً على التسريبات الإعلامية وأجواء التفاوض الحذر، فإن المفاوضات تواجه واحداً من سيناريوين:
السيناريو الأول: تمديد المفاوضات النووية مع إيران لمناقشة المسائل العالقة بين الطرفين. وهو سيناريو مرجّح في ظلّ التوازنات الأميركية الداخلية، إن أراد الرئيس أوباما عدم إثارة المشاكل مع الجمهوريين. بحيث يفرض التعايش بين الكونغرس والرئيس نفسه على شكل التفاوض مع إيران، ويشلّ قدرة الطرفين على تنفيذ توجّهاتهما المتعارضة في هذا الملف، وفقاً لمبدأ لا عقوبات ولا اتفاق.
السيناريو الثاني: توقيع اتفاق إطار بين الدول الست الكبرى وإيران يدفع بالعلاقات بين الجانبين إلى مستوى جديد يرسّخ ما تم خلال السنة الماضية بينهما باعتباره مسلّمات لا عودة عنها، بما يمهّد لاستخدام هذه الورقة كأداة ضغط على كافة الأطراف التي تعارض أيّ اتفاق مع إيران. وبالتالي تمديد المفاوضات على أسس جديدة تعيد صوغ العلاقة بين الأطراف المتفاوضة على الصعيد الثنائي وعلى الصعيدين الدولي والإقليمي، بانتظار بعض المتغيّرات على مستوى نقاط للاشتباك داخل كل دولة على حدة، وعلى المستوى الإقليمي في ما يتعلق بالوضعين في العراق وسورية.
كاتب سوري