إلامَ يرمي مؤتمر البحرين…؟
محمد شريف الجيوسي
سواء كان ما سيُعقد في البحرين مؤتمراً سياسياً أو اقتصادياً أو ورشة عمل لمناقشة أيّ موضوع أو جدول أعمال فهو مؤتمر لا يُرتجى منه أدنى خير، بل يتوقع منه قرارات وتوجهات وتوصيات ونتائج وتداعيات يؤمل أميركياً أن تحيط بما تبقى لهذه الأمة من كرامة وعزة ومقدرات وعناصر صمود ووجود، ما استطاعت وحلفها إلى ذلك سبيلاً.
لقد أتخذت على مدى القرن المنصرم والعقدين الأخيرين، المئات من القرارات من قبل هيئات ومؤتمرات ومنظمات الدولية والتي على ما بها غالباً من إجحاف واضح لحقوق وحاضر ومستقبل الأمة، لكنها كانت تتضمّن أحياناً بعض الحقوق المجتزأة، لكن ما نفذ منها كان الجانب السلبي المعادي، وكان هناك من الحكام من يرضى ذلك، في مقابل تكريسهم حكاماً على شعوبهم يستمدّون من التبعية والولاء للأجنبي لا من شعوبهم عناصر قوتهم وبقائهم.
لم يتغيّر حال من استهدف الأمة وما يزال، بل اشتدّ حال الاستهداف وتعدّدت أغراضه وأدواته وآلياته ومساحاته الجغرافية والمعنوية، وكثر أنذاله وعبيده من داخل الأمة في زمان الدرك الأسفل الذي بتنا نعيش.
وبعد أن أخذ أحد طرفي الدولة العميقة الأميركية في التنفيذ المضطرد لمشروعه المعلن دون إعلان لفظي أو خطي، بات عليه العبور الى مرحلة جديدة، لا تعتمد على التنفيذ من طرف واحد كنقل السفارة الأميركية الى القدس الفلسطينية المحتلة وإعلانها عاصمة موحدة للمستعمرة الصهيونية، ولا كضمّ الجولان ولا إغلاق مكتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة ووقف المساعدات المقدّمة لـ «الاونروا» والتخلي عن مشروع الدولتين رسمياً ومشروع الدولة الفلسطينية إلخ…
المرحلة التالية تستوحب مشاركة أطراف عربية في المشروع الأميركي الصهيوني الذي يستهدف المنطقة ككلّ وليس القضية الفلسطينية فحسب، فتحقيق هدف المشروع لا بدّ يستوجب بدْرخة وترويض واستقطاب وإجبار أطراف عربية أخرى، كلّ بما يستحق من التعبير من وجهة نظر الدولة العميقة الأميركية بقيادة ترامب.
وعليه يفترض إدراك أنّ مشاريع مرّت أو قد تمرّ أو جرت محاولات لتمريرها تحت يافطات جميلة: الحرية، محاربة الديكتاتورية، القضاء على الفساد، التغيير، تحقيق تداول السلطة والديمقراطية.. لكنها حقيقة تندرج تحت باب فتح الأبواب على مصراعيها أمام الفوضى «الخلاقة» والفتن واستكمال فقرات «الربيع العربي» فلا يطلّ هذا الربيع مثلاً، في بلد كالسودان إلا عندما يزور البشير سورية، على متن طائرة روسية في مسعى لتحقيق مصالحة إقليمية كبرى، بدون تنسيق مع تركيا وقطر الإخوانيتين ومكتب الإرشاد العالمي الإخواني، رغم أنه إخواني أيضاً، لكنه ظنّ أنه بهذا المسعى المتوافق عليه من قبل البعض، يلعب دوراً يمنحه دوراً أكبر ويجعل له مساحة مهمة بين المتنافسين على زعامة المسلمين السنة، ومكانة أكبر لدى الشيعة…
الآن سيندرج الجميع «العرب الأميركان»، تحت العباءة الأميركية كلياً، لا مجال فيه للعزف المنفرد، خوفاً وطمعاً، سراً وعلانية، من فوق الطاولة وتحتها، سلماً وحرباً إنْ اقتضى الأمر، ومن لا يريد، سيريد ولو متأخراً، مع فركة أذن، على الأقلّ، أو حرمان من «الملبّس» أو استبعاد عن المشهد، ولو لبعض وقت أو نهائياً، ليست مشكلة، حيث سيأتي الأميركان الصهاينة بخلق آخرين، فهم يخالون أن الخالق جلّ وعلا، في خدمتهم يشاء ما يشاؤون.
هي مرحلة قاسية قادمة، أشدّ ربما مما سبقها، سيطول فيها الصراع طالما بقي لمفجريها آمل بتحقيق نصر، فالطرف الآخر يدرك أنّ كلفة المقاومة أقلّ من كلفة الاستسلام مهما عظمت كلفة المقاومة، فضلاً عما سيُبنى عليها من عناصر العزة والفخار والشرف والصمود والنضال لمستقبل الأجيال القادمة، بدلاً عن حياة المذلة والاستكانة والخنوع.
المنطقة معنية أميركياً من حوافي الأطلسي حتى اليابان، حصصاً مالية وديمغرافيا وجغرافيا بل ودولا في الاتحاد الأوروبي والأميركتين، كرمال عين المستعمرة الصهيونية، إلا من لا تملك واشنطن زمام أمره، او يقدر على قول لا وثمنها المكلف مؤامرات ضدّ استقرارها السياسي والإقتصادي.
ستكون هناك دول في الجانب الآخر لا تملك قدرات أميركا وحلفها، لكنها تملك تماسك ولحمة شعوبها وتعاطف العديد من الشعوب، كما تمتلك المشروعية للدفاع عن السلم والعدل الدوليين، ولها مزايا اجتراح أساليب نضالية عديدة وإثراء المقاومة وشنّ الحرب خلف الأسوار، وهو ما لا يجيده التحالف الأميركي، ما يعني أنّ الحرب ستكون بين عقيدتين مختلفتين ونهجين سياسيين مختلفين تماماً.
ومن المرجح بل الأكيد أن يكون المحور المناهض للتحالف الأميركي الصهيوني الغربي، هو المنتصر، فقد طال أمد الكابوس الأميركي الغربي الصهيوني منذ تسعينات القرن الماضي بخاصة، وآن وقت إنزياح كابوس الحروب والإستعمار والطغيان والعنصرية والاتجار بالبشر ونهب الأمم والشعوب ثرواتها ومقدراتها، وآن تلاشي تحكم الدولار ومؤسسات رأس المال العالمي بالإقتصاد العالمي والإنتاج الحقيقي، وآن ظهور مؤسسات إنتاجية واستثمارية وإقتصادية وتجارية عادلة ومثمرة لصالح مختلف الأمم والشعوب، وتحقق الأمن والإستقرار السياسي العالمي.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk