السجال السياسي بين «التيارين» ينتقل الى الأمن والقضاء نقاش الموازنة مقبلات بانتظار الوجبات الدسمة بعد العيد
كتب المحرّر السياسي
في ظل هدوء نسبي على جبهات القتال الإقليمية، مع انصراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو عمدة لندن وطاقمها السياسي، مبتذلاً الخطاب السياسي والأخلاقي بتعابير بذيئة، وبعدما صعّدت «إسرائيل» عدوانها على سورية عبر الغارات التي استهدفت مطار التي فور في حمص وتمكنت الدفاعات الجوية السوريثة من إسقاط معظم صواريخها، استقطب السودان المشهد الإقليمي، مع قيام المجلس العسكري بارتكاب مجرزة موصوفة بحق المدنيين في محاولة فاشلة لفض الاعتصام، اضطر للتراجع عنها بإعلان فتح الطرقات نحو ساحة الاعتصام بعدما نتج عن فتح النار على المعتصمين سقوط العشرات بين قتيل وجريح، وترتب على المجزرة التي أرادت التخلص من الحراك الشعبي كشريك حكمي في أي صيغة سياسية مستقبلية والتفرد بالحكم لحساب المرجعية الإقليمية السعودية التي كشف المجلس العسكري ولاءه لها على حساب المصلحة الوطنية السودانية عبر إعلان بقاء القوات السودانية في اليمن ومشاركته في العدوان السعودي الإماراتي على بلد عربي شقيق يقتضي الحد الأدنى من موجبات التغيير الإعلان عن وقف التورّط في حرب ظالمة لا مصلحة فيها للسودان كي يفقد خيرة شبابه فيها ويرتكب جيشه الجرائم دفاعاً عن عروش حكام الخليج.
في نهاية اليوم الدموي أعلن المجلس العسكري فتح ساحات الاعتصام، ونيته العودة للحوار مع قيادة إعلان الحرية والتغيير، وتبرير المجزرة الدموية بملاحقة عناصر مخلة بالأمن، وهو ما بقي بنظر المرجعيات الإعلامية والحقوقية العالمية فاقداً كل مصداقية.
لبنانياً، تفاقم السجال بين تياري المستقبل والوطني الحر، وصارت العناوين السياسية تفصيلية بعدما تورط الطرفان في نقل السجال والتجاذب إلى الساحتين الأمنية والقضائية، سواء عبر حملات التأييد والتنديد بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي أو عبر الاستئناف القضائي الذي قام به نائب المدعي العام الاستئنافي في المحكمة العسكرية للحكم الصادر في قضية المقدّم سوزان الحاج والمقرصن إيلي غبش.
في شأن الموازنة ومناقشاتها النيابية بدأت لجنة المال والموازنة بحضور نيابي كثيف أول جلسات المناقشة، ورغم الكلام الذي قاله رئيس لجنة المال والموازنة عن الملاحظات المسجلة على نواقص الموازنة، بقي النقاش مؤجلاً إلى ما بعد عطلة العيد، وبدت كل النقاشات مجرد مقبِّلات.
«المستقبل» و«الوطني»: متمسّكون بالتسوية!
على الرغم من الجهود المبذولة لاحتواء مناخات التصعيد ودخول البلاد في عطلة عيد الفطر لدى الطوائف الإسلامية وسفر رئيسي المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري الى الخارج لقضاء إجازة عائلية، إلا أن المشهد السياسي بقي تحت تأثير السجالات الساخنة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وسط تحذيرات من انعكاس ذلك على مسار العمل الحكومي من جهة والتسوية الرئاسية ككل من جهة ثانية، في وقت تقف البلاد على حافة الاستحقاقات المالية المتعلقة تحديداً بإنجاز موازنة 2019 في المجلس النيابي بما يتناسب ومتطلبات مؤتمر سيدر والأزمات المالية والاقتصادية المحلية، والأمنية المتمثلة بالتهديدات الإسرائيلية والوضع الإقليمي الساخن، علماً أن مصادر مطلعة في التيارين البرتقالي والأزرق أكدت لـ»البناء» التسمك بالتسوية الرئاسية وبالاستقرار السياسي والحكومي وعلى أن العلاقة جيدة بين رئيسي الجمهورية والحكومة والتواصل قائم بينهما.
ولم تنجح محاولة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل احتواء ردود الفعل المستقبلية ومن توضيح مواقفه المسرّبة في حفل إفطار البقاع الغربي من مسألة السنية والمارونية السياسية، إذ تجدد السجال أمس، وقد كان لافتاً هجوم تيار المستقبل العنيف وللمرة الأولى منذ التسوية الرئاسية على باسيل، حيث نفى مصدر قيادي في المستقبل أي اتصال من الحريري بباسيل منذ انتهاء مناقشة مشروع الموازنة، قائلاً «هذا لا يعني أن الامور ذاهبة باتجاه التصعيد».
واللافت انكفاء الحريري عن الواجهة ضد باسيل وتولي إبن عمته الامين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري المهمة، وبحسب ما علمت «البناء» فإن رد أحمد الحريري كان بتنسيق مع الرئيس الحريري وكذلك موقف وزيرة الداخلية ريا الحسن، لكن وفق مصادر مستقبلية فإن كلام النائب نهاد المشنوق ينطلق من حسابات شخصية فقط.
إلا ان مصدر في تيار المستقبل أشار لـ»البناء» الى أن «تيار المستقبل كان بحالة ردة فعل وليس الهجوم، ويعتبر أن الأمر انتهى عند هذا الحد، لكن في حال تجدد الهجوم على مواقع التيار وعلى الطائف والدستور فسنعاود الرد»، مشيراً الى أن «رد فعلنا كما موقف رؤساء الحكومة السابقين انطلق من أن الرئيس الحريري ليس معزولاً ولن نسمح بالمسّ بالمواقع والحقوق المكرسة في الدستور لكل الطوائف»، مشيراً الى أن «باسيل يحاول اظهار نفسه على أنه الآمر الناهي في الدولة ولا شيء يمر من دونه، لذلك يضع نصب عينيه تغيير بعض المواقع في التعيينات المقبلة كمدير عام قوى الامن الداخلي، وهو لم يستطع اقناع الشارع المستقبلي والسني عموماً بتصويب موقفه مما قاله في البقاع الغربي»، لكن المصدر أكد أن «الحريري متمسك بالتسوية الرئاسية ولا يريد هز الاستقرار في البلد». مشيراً الى أنه «إذا كان تغيير مدير عام قوى الامن الداخلي لسبب مسلكي أو وفق الدستور فلا مانع لدينا، أما إذا كان تصرفاً كيدياً وشخصياً فلن نسمح بذلك».
بدوره أكد باسيل أن «هناك مَن يسعى إلى تخريب التفاهم الرئاسي»، مشدداً على أن «هؤلاء لن ينجحوا في ذلك».
وخلال مؤتمر صحافي عقده وزراء تكتل لبنان القوي في مقر التيار في ميرنا الشالوحي للحديث عما أنجزوه في المئة يوم الأولى من عمر الحكومة، جدد انتقاده لأداء مدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، مشدداً على أن «لا غطاء فوق رأس أحد، ولا لمد اليد الأمنية على القضاء من قبل الأمن».
وكالعادة عند أي سجال بين الحريري واي طرف آخر، يدخل رؤساء الحكومات السابقون على الخط بهدف تأجيج الخلاف واللعب على الوتر الطائفي والمذهبي، فقد عقدوا أمس اجتماعاً ضم نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام، في دارة سلام، صدر عقبه بيان أهاب برئيس الجمهورية العماد ميشال عون وضع حدّ نهائي للمواقف والممارسات المستفزة والمتمادية التي تنال من هيبة العهد ومكانته»، محذرين من أن إثارة هذه الملفات من جديد تؤدي من تداعيات خطيرة على الوفاق الوطني والسلم الأهلي.
باسيل لا يلعب البلياردو…
واستغربت مصادر تكتل لبنان القوي كلام رؤساء الحكومة، معتبرة «أنهم ملكيون أكثر من الملك ومنزعجون أكثر من رئيس الحكومة»، متساءلة عن سبب الحماسة الذي يبدونها عند كل سجال مع رئيس الحكومة واجتماعهم على الخصومة لباسيل في حين لم يخرج موقف واحد من رئيس الحكومة إلا ما تواتر على مسامعنا من أن الحريري لا يريد الانزلاق الى الحملة الاعلامية التي يسوقها بعض المستقبليين المتضررين من العلاقة بين الحريري وعون وباسيل»، واشارت مصادر التكتل لـ«البناء» الى أن «الحريري اكد بطريقة أو بأخرى لرئيس التيار أنه لا يريد التصعيد والقضية انتهت»، واوضحت أنه «لو كان باسيل أخطأ في مواقفه لكان قدّم اعتذاره بل عاد في بعبدا وأكد مطالب وشروط التيار من الموازنة الى التعيينات والفساد وغيرها، فلماذا لم يردوا عليه؟»، كما وأوضحت أن «اللقاء الذي حصل عقب افطار البقاع الغربي لم يكن في جلسة خاصة مع التيار الوطني الحر بل كان أغلب الحضور من رجال الدين ومواطنين من الطائفة السنية الكريمة، ولو قال باسيل أي كلام مسيء لكان هؤلاء عبروا عن امتعاضهم واعتراضهم، لكن باسيل تحدث عن مرحلة سياسية اسمها المارونية السياسية والسنية السياسية وعبر عن رفضه لإنهاء الطائفية السياسية عند كل الطوائف»، وذكرت المصادر بـ«مطالبة باسيل بقانون انتخاب عاد وبالمناصفة والعيش المشترك وانتخاب الرؤساء الأقوياء في طوائفهم». ونفت المصادر «اي علاقة لموقف باسيل بالتعيينات التي لها اصولها واعرافها وفق القانون والدستور»، ولم تر المصادر «اي خوف على الحكومة او التسوية الرئاسية». كما لفتت الى «أن ليس التيار الوطني الحر من بدأ السجال بل من فسر مواقف رئيس التيار بشكل خاطئ وبنى عليها مواقف سياسية وإعلامية، فالكلام الذي قيل في حفل افطار في البقاع الغربي قيل نفسه امس الاول في بعبدا فلم يلقَ اية ردود من تيار المستقبل؟»، مضيفة أن باسيل «لا يلعب البلياردو، فهو أعلن موقفه من اللواء عثمان وبالتالي مواقفه غير محصورة باعتراضه على أداء عثمان وبالتعيينات المقبلة، بل بمكافحة الفساد وإعادة بناء الدولة».
تمديد الصرف
على الصعيد المالي، عقدت لجنة المال والموازنة أمس، أولى اجتماعاتها برئاسة النائب ابراهيم كنعان وحضور وزير المال علي حسن خليل لمناقشة فذلكة الموازنة وقانون تمديد القاعدة الاثنتي عشرية، وأقرّت تمديد الصرف على القاعدة الاثنتي عشرية الى الخامس عشر من تموز بدلاً من آخر حزيران.
وأوضحت مصادر «البناء» الى أن هناك توافقاً سياسياً على تمرير الموازنة في المجلس بأسرع وقت ممكن، لكنها توقعت أن تمتد الجلسات الى أواخر شهر تموز المقبل.
«التمييز» تطعن بحكم «العسكرية»…
على صعيد آخر، سُجلت قضية الحاج غبش عيتاني تطوراً جديداً، حيث وضعت محكمة التمييز العسكرية بالتنسيق مع النيابة العامة التمييزية يدها على ملف المقدم سوزان الحاج والمقرصن إيلي غبش، حيث تقدم مفوض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية القاضي غسان الخوري بطعن بالحكم الصادر في حق الحاج وغبش على ان تتم اعادة المحاكمة واعتبار الحكم الصادر كأنه لم يكن.
وطلب إدانة الحاج وبطلان الاسباب التخفيفية للمتهم غبش. وكان مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، أحال الى القاضي الخوري، ملف الحاج، لينكبّ على دراسته، تمهيداً لطلب النقض وفقا للصلاحية الممنوحة له في القانون.
ردّ الطعن بالكهرباء
على صعيد قضائي آخر، ردّ المجلس الدستوري الطعن المقدم من عشرة نواب حول قانون الكهرباء رقم 129 الصادر بتاريخ 30 نيسان 2019، وأبطل المقطع الأخير من الفقرة «ب» من المادة الثانية من هذا القانون والتي نصت على ما يلي: «باستثناء تلك التي لا تتفق مع طبيعة التلزيم والعقود موضوعها، في مراحل إتمام المناقصات لجهة عقود شراء الطاقة PPA »، بسبب الغموض الذي يكتنفه».
وفي أول تعليق لها كتبت وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني عبر حسابها على «تويتر» قائلة: «الطعن لم يوقف خطة الكهرباء انما أعادنا الى اعتماد قوانين قديمة تعود للأعوام 1959 و1963 ولا تتماشى مع الأنواع الحديثة من عقود شراء الطاقة PPA. لكننا برغم العراقيل سنكمل التنفيذ بكل شفافية وفقاً لقرارات مجلس الوزراء لأنّ تأمين الكهرباء للبنانيين واجب علينا».
دور أميركا في حرب تموز
على صعيد آخر، برز ما كشفته وثائق أميركية سرية عن ضلوع جهاز مخابراتي أميركي في الحرب على لبنان خلال عام 2006، وتقديمه المساعدة لـ»إسرائيل» عبر المعلومات العسكرية والاستخبارية المختلفة.
ونشر موقع « SID Today» الأميركي وثائق سرية تتعلق بتفاصيل المساعدات العسكرية الأميركية لـ«إسرائيل» خلال حربها على لبنان في تموز 2006.
وتحدثت الوثيقة عن العلاقات الاستخبارية بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» التي نشطت خلال حرب لبنان في تموز 2006، وبدأت الضغوط الإسرائيلية على الولايات المتحدة من خلال طلبات استخبارية وبنوك أهداف بحوزة الأميركيين، وكانت وكالة الأمن القومي الأميركية الباب الأول للإسرائيليين في التنسيق من خلال تقديم معلومات استخبارية بالرغم من أن القانون الأميركي يمنع من تبادل المعلومات الاستخبارية مع الدول الأخرى.