ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.
إعداد: لبيب ناصيف
سيرة ومسيرة الامين لبيب ناصيف 10
في الربع الاول من السبعينات كانت بدأت «مقدمات» الأزمة الحزبية، ليس فقط عبر مقالات، راح البعض ينشرها في مجلة الحزب «البناء»، أو في مناقشات فكرية في الندوة الثقافية، كانت تستثير الخلافات في الرأي، إنما عبر لقاءات راحت تعقد في كثير من المناطق، وبيانات توزع في الصف الحزبي، كان أولها تلك التي صدرت في منفذية «الضاحية الشرقية» تتهم قيادة الحزب في فترة رئاسة الامين يوسف الاشقر، بأنها بورجوازية تقيم مركزها في منطقة غنية، رأس بيروت، لا حيث الكادحين ممزقي الثياب، برج حمود او الضاحية.
الى ذلك كان مؤتمر ملكارت قد أنتج خلافاً عميقاً في جسم الحزب، خاصة بعد أن أصدر الأمينان محمد بعلبكي وعبدالله محسن بيانهما الذي أدى إلى فصلهما لأجل غير مسمى، وإلى تعاطف قوميين اجتماعيين معهما، قلّوا هنا أو كثروا هناك، ومع ما طرحاه في مواجهة أراء تتكلم في الاشتراكية، والديمقراطية التمثيلية واليسار وغير ذلك من أفكار شكلت إطاراً للنقاش وللخلاف.
ومعها راحت التصنيفات غير القومية الاجتماعية تمزّق الصف الحزبي وتجعل الرفقاء مصنفين خارج الاطر النظامية، مما جعل عميد الداخلية رئيس مجلس العمد في آن الأمين كامل حسان يصدر بيانه الداخلي بعنوان «لا تصنيفات بعد اليوم»، ويتبعه ببيانات توجيهية تنبه الرفقاء إلى أصول وقواعد حزبهم، كذلك أصدرتُ، بصفتي رئيساً لمكتب الشؤون الطلابية، ووكيلاً لعميد الداخلية عام 1972، بيانات توجيهية الغرض منها منع تفشي آفات الطعن غير المسؤول، والتجريح والتصنيف والخروج على أسس وقواعد النظام.
الرفيق وسيم زين الدين
عرفت الرفيق وسيم طالباً في ثانوية الأشرفية ومعه الرفيق عصام زهر الدين الأمين لاحقاً ، وكان يتابعهما حزبياً الرفيق الجامعي جان نادر. كان الرفيق وسيم متفوقاً في دراسته، وهو نال المرتبة الأولى في لبنان في امتحانات القسم الثاني، فلسفة، فقدمت له الحكومة اللبنانية منحة لمتابعة دراسته الجامعية في فرنسا. عندما تسلمت مسؤولية رئيس مكتب عبر الحدود، اتصلت بالرفيق وسيم، كاتصالي بجميع الرفقاء الذين كنت تعرفت إليهم، و أو عملت معهم في الستينات، فكان أن تعين مفوضاً مركزياً للحزب في فرنسا، بعد أن كان تولاها قبله الرفيق نجيب الحلو الذي، أشهد، كان مجلياً في إيمانه وإدارته للعمل، ومتابعته الحزبية .
رفيق آخر كان حفر في نفسي مودة وتقديراً هو الرفيق الدكتور منير سكاف الذي كان يتولى مسؤولية مفوض بلجيكا المركزي، ويتابع مسؤوليته بكفاءة مميزة. الرفيق الدكتور منير سقط اغتيالاً في عيادته في الكرك في ك2 عام 1987 .
اذكرهما معاً دائماً إذ كانا متلازمان حزبياً في تلك الفترة من السبعينات، وكان كلف الرفيق وسيم أكثر من مرة بالتوجه إلى بروكسل لتغطية عمل إذاعي فيها .
بعد تخرجه ونيله شهادة الدكتوراه عاد الرفيق وسيم زين الدين إلى الوطن يسبقه اسمه وشهادته، فانخرط في العمل الحزبي، خاصة في حقل الأشبال وقدم للرفقاء العاملين في هذا المجال الكثير من كفاءته. الامينة صفية ناصيف ايوب كانت من أكثر الرفقاء والرفيقات تعاطياً مع الرفيق وسيم في تلك الفترة.
اتخذ الرفيق وسيم موقفاً حاسماً إزاء الطروحات الفكرية التي كان يعتبرها خارجة على مفاهيم سعاده. وبعد أن اصدر كتابه «مفاهيم قومية اجتماعية بين النقد والرد: رد على النقد الماركسي»، تابع نشاطه وحضوره الحزبي المتقدم حتى إذا ما انفجرت حركة المنفذين العامين، ومعها تحرّك الرفقاء في جل الديب حيث كان مركز الحزب – أعلن حركته، مصدراً للبيان الأول والثاني، ومشكلاً مع أمناء ورفقاء لجنة ضمّت في البدء الأمين الياس جرجي، والرفقاء جان عازار، لبيب ناصيف، ودريد أبو شقرا .
تلك مرحلة، غنية جداً بالأحداث لا يصح أن أقيّمها، ولا أن يقيّمها أي رفيق عايش تلك السنوات المندرجة تحت عنوان «الأزمة الحزبية» بكل ما رافقها من تحركات، وبيانات وصراعات. أكتفي بالإشارة إليها، وإلى نشر ما يمكن من وثائق تفيد لاحقاً في درس المرحلة موضوعياً وبهدف واحد: الحرص على الحزب.
كنت شاركتُ في الحشد الذي رافق تشييع الرفيق الشهيد وسيم أبو واجب في بلدته قبيع، وسرت مع زوجته الفرنسية، التي كنت أعرف، والتي كتبت رثاء بالفرنسية موجهاً إلى زوجها الشهيد.
قبل ذلك كنت رافقت الرفيق وسيم إلى بلدة الخيام وسرت معه في مقدمة صفوف القوميين الاجتماعيين، متوجهين إلى منزل الرفيق الشهيد سلمان أبو العباس الذي كان سقط في بلدة مشيخا، المجاورة لبلدة المتين المتن الشمالي .
راحت الأزمة الحزبية تكبر وتمتد، لا أريد أن أخوض في غمارها، عنها يمكن أن يتكلم الذين تولوا القيادة، رئاسة ومجلس أعلى، ولها أن تشكل لجنة للنقد الذاتي تدرس تلك المرحلة بموضوعية وبرغبة الاستفادة من التجارب والاتعاظ بها، خاصة أنها مرحلة غنية بالأحداث، حزبياً وقومياً، وتقلّب عليها أكثر من رئيس ومجلس أعلى. أكتفي بالقول أني كنت دائماً أختار الاستمرار في العمل المركزي، بالرغم مما أسجله من أراء وملاحظات، ذلك أني أؤمن أن العمل ضمن الحزب يبقى أفضل من عدمه، وإن الاستمرار في الانتظام، وفي تولي المسؤوليات، يمكن أن يقدم فائدة، مهما كانت طفيفة، عكس التنحي والقعود إلى جانب، والإكثار من النقد دون طائل .
في تلك الفترة كان البحث جارياً حول ضرورة شراء مركز للحزب، بعد أن كان شهد انتقالاً، بعد العفو، من الزلقا إلى سد البوشرية إلى رأس بيروت. وكان أن تمكن الحزب بفضل تقدم بعض ميسوريه بقرض مالي بمبلغ كاف، لشراء العقار في جل الديب وفيه بناية من أربع طوابق، استقر المركز في البدء في الطابق تحت الطريق بانتظار أن يخلي الطوابق الأخرى من شاغليها. للأمين مسعد حجل دور اساسي في عملية شراء العقار، وقد تحدث عن ذلك في مذكراته «لم ابدل … ولن» .
كان هناك اقتراحاً بأن يُبقي الحزب على المكاتب في مركزه السابق في رأس بيروت، فالإيجار السنوي البالغ 25000 ل.ل. كان يمكن أن يؤمنه الرفقاء الطلبة إذ يتخذون منه شققاً للإقامة، خاصة أن المكاتب مخصصة في الأصل لاستعمال مماثل. لست أدري سبباً لعدم الأخذ بهذا الاقتراح، ربما الناحية القانونية، مستأجر يؤجر، أو هي الرغبة في أن لا يأخذ الطرح المتصاعد من الضاحية الشرقية عن بورجوازية المنطقة حيث مركز الحزب، مدى أوسع. إنما شعر الرفقاء بخسارة أليمة بفقدانهم هذا المكان، وكانوا يرونه مثالياً لموقعه، فإن لم يؤجر لطلبة، فليبقى لمجلة البناء، لمنفذية بيروت، أو لأية مؤسسات حزبية أو رديفة .
في هذه الأثناء كانت المشاكل الحزبية تطفو على السطح أكثر: التنظيمات غير الدستورية. البيانات. اللقاءات، والتحرك في الصف، قياديون تاريخيون هنا. آخرون هناك. الحزب في حالة انقسام. لعل قبول استقالة الأمين يوسف الأشقر التي أتت بمثابة إقالة بعد رفض المجلس الأعلى طلبه بسحب الاستقالة بعد تقديمها، هي من الأسباب التي فتحت باب الأزمة الحزبية على مصراعيها، فاستمرت مع رئيس مجلس العمد الأمين مسعد حجل، مع اللجنة التنفيذية العليا المكونة، على مرحلتين، من الأمناء منير خوري، مصطفى عز الدين، الياس جرجي، حافظ قبيسي، وفؤاد صعب، مع الأمين أسد الأشقر رئيساً، ثم مع الأمين يوسف الأشقر عندما تولى مقاليد الرئاسة مرة ثانية، ومع الأمين الدكتور عبدالله سعاده وقد انفجرت في وجهه حركة المنفذين العامين من أبرزهم حسن عز الدين طرابلس، نبيل العلم جبيل، أنطون أبو سليمان بيروت، عبد المجيد محيو المتن الجنوبي، حنا الناشف صيدا ، وحركة الرفيق وسيم زين الدين «أبو واجب» الذي سقط شهيداً أمام مكاتب مجلة «البناء، وقد تضاربت الاتهامات في الجهة التي أقدمت على اغتياله .
ويشهد الحزب الكثير من «الخضات» ومن تبدلات في قيادة الحزب، رئيساً، ومجلس اعلى وعمداً، وتولت لجان رئاسية قيادة الحزب، وظهر تنظيم «منظمة الزوبعة» في الجنوب، وامتداداً الى تجمع للرفقاء في مركز الحزب في «جل الديب»، عنوانه الامينان اسعد حردان وانطون خليل وعديد من الرفقاء من بينهم الرفيق الامين لاحقاً فارس ذبيان وائل كما حركات اخرى مضادة ابرزها «التنظيم السري» الذي كان عنوانه الامين د. عبدالله سعاده، ومعه عدد كبير من الامناء والرفقاء في مختلف المناطق اللبنانية.
تلك المرحلة الغنية جداً بالاحداث لا يستطيع فرد واحد ان يحيط بها، بل هي تحتاج الى لجنة تعود الى البيانات الصادرة، والى المراسيم والقرارات، والى مذكرات، او مرويات من كان في قيادة الحزب. اني في «سيرتي ومسيرتي» اكتفي بالاشارة إليها على امل ان اتمكن لاحقاً من نشر الكثير مما املك من معلومات ووثائق.
الا ان ما اود ان اؤكد عليه اني، وقد شاركت او رافقت، كل ازمات الحزب، فلقد حرصت على ان ابقى على مشاعر المودة مع جميع الرفقاء، فما حللتُ مساوئ الضغينة او الحقد مكان ما يجدر ان يتحلى به كل قومي اجتماعي تجاه جميع رفقائه، ثم اني وصلت الى قناعة ان كل الخلافات وتنافر الاراء، يجب ان تبقى في حدود ابداء الرأي والبحث عن الافضل فلا تخرج الى العلنية، او الى انقسامات فانشقاقات. لقد دفع الحزب الكثير من عافيته النظامية المناقبية في خلافاته الداخلية فانهكت فروعه، وحلّت الشخصانية مكان المبدئيات والمصالح الفردية، والانتهازية، مكان فضائل الترفع، وتقديم مصلحة الحزب على اي شأن آخر.
كنت والرفيقة اخلاص في منزل خالها الامين جورج معلوف في «مرجعيون»، يوم الثالث عشر من نيسان 1975 عندما راحت الإذاعات تتحدث عن مجزرة بوسطة عين الرمانة. مع ابن عمها الرفيق اسعد حردان عدنا الى بيروت، لست ادري اذا كان الامين اسعد ساق سيارته مرة ثانية بتلك السرعة الجنونية التي جعلته يصل في اقل من ساعة الى بيروت، لتبدأ احداث العاصفة اللبنانية، ومعها الكثير من الاحداث على الاصعدة الحزبية اللبنانية والاقليمية.
لا تصنيفات في الحزب
حضرة الرفقاء المحترمين
تحية سورية قومية اجتماعية
مرّت فترة في الحزب وقد حملت بعض ذيولها حتى الانتخابات الحزبية الاخيرة، اخذ بعض القوميين الاجتماعيين يصنّفون بعضهم تصنيفات خارجة كل الخروج عن مفاهيمنا القومية الاجتماعية، وفيها كل الجهل لفلسفة حركتنا وقواعد فكرنا ونظامنا ومواقع نهضتنا القومية الاجتماعية.
هناك من يتهم الآخر باليسارية وهناك من يتهمه باليمينية . هناك من يخاف على الحزب من الجنوح الماركسي ، وآخرون يخافون من الرجعية المتزمتة التجمدة.
انها اوهام في اذهان بعض الرفقاء، انها عدم قدرة على التعبير الصحيح عن رسالة سعاده وشك بعقل النهضة المبدع الخلاق وقدرته على التطور والتكوين المتصاعد وعلى الانطلاق الزخم في الريادة الفكرية والسياسية.
كل هذا قد انتهى، وقد انهاه المجلس القومي بانتخاباته الواعية الراقية التي كانت بالفعل ارقى صورة لانتخابات حضارية تجري، تجلى فيها الوعي والادراك والاخلاق بأرفع سوية مناقبية مسؤولة تجاه الحزب والامة.
والقيادة الجديدة، المجلس الاعلى وما ينبثق عنه من مؤسسات ومسؤولين، ترى في تلك الظاهرة، دليل حس مسؤول برسالة سعاده والحفاظ الحي على رسالة سعاده واطلاق الطاقة المخزونة في رسالة سعاده، ولكنها ترى ايضاً ان ما رافق ذلك الحسّ المسؤول من جهل في التعبير ونزوع الى الشك بالخير، هو امر خطير وخطر يجب القضاء عليه.
لهذا، تعلن عمدة الداخلية، لجميع القوميين الاجتماعيين، ان كل من يحاول تصنيف رفقائه بأي شكل من الاشكال، او يتهم رفقاءه بأية تهمة كانت سيحاسب فوراً ويعاقب.
المجلس الاعلى سيوضح ويقرر ويفصل في كل الامور، وعلى كل القوميين الاجتماعيين ان يلتزموا بقرارات سلطاتهم العليا التي اولاها القوميون الاجتماعيون ثقتهم وانتخبوها بملء ارادتهم وادراكهم.
كل شاك او متهم او ظانٍّ او مشاهد للمخالفة او الانحراف او الانزلاق، عليه، حسب الاصول الدستورية ان يرفع شكواه الى الجهات المسؤولة ويطالب معاقبة المخالفين. اما ان يسمح لنفسه بزرع شكوكه وتوزيع اتهاماته في الصفوف هنا وهناك بحجة الغيرة على الحزب، الا فليعرف انه بعمله هذا يهدم ولا يبني ويخرّب ولا يعمّر ولن تقف السلطات الحزبية مكتوفة الايدي تجاهه وتجاه من لا يعرف واجباته بالضبط ولا يعي حدود حقّه في الحزب.
ايها الرفقاء،
لا تصنيف بعد اليوم، لقد عبرتم بإرادتكم الناخبة، عن وحدتكم ووحدة فكركم القومي الاجتماعي، ووحدة مفاهيمكم ونظرتكم، واصالة مواقعكم الصحيحة الاصيلة، فكلنا على ثقة بأن القلّة القليلة التي تجنح للتصنيف ستعي وتدرك خطورة عملها، وبإمكاننا ان نعلن ان هذه القلّة قد ادركت ذلك بالفعل، واذ كابر افراد لا يتجاوز عددهم اصابع اليدين فعمدة الداخلية تنقل إليهم تحذير السلطات العليا من مغبة هذه المكابرة.
ولتحي سورية وليحي سعاده
المركز في: 09/11/1970 عميد الداخلية
كامل حسان
مع هذه الحلقة اتوقف عن متابعة الحلقات الجديدة من «سيرتي ومسيرتي» ريثما أعيد قراءة الحلقات السابقة، تصحيحاً و او اضافات.
لذا آمل من جميع الاحباء، رفقاء واصدقاء، الذين كنت ذكرت اسماءهم في الحلقات، ويملكون ما يصححونه او يضيفونه من معلومات، ان يكتبوا الى لجنة تاريخ الحزب، وجيد ان كانوا يملكون صوراً مناسبة، فنعيدها إليهم بعد حفظها لدينا على جهاز «السكانر».
اني لا ادعي اني املك كل ما يغطي سنوات الستينات وما بعدها، او ان الذاكرة قد لا تخطىء في اي من المحطات او الاحداث. لذا اعتذر من اي رفيق او صديق قد يكون سقط اسمه سهواً، او اخطأت في اي عرض لاي موضوع، وادعوه الى ان يكتب مصححاً او مضيفاً، وله شكري ومحبتي.