نجوم الماضي: رمضان بيجمعنا
ابراهيم وزنه
في شهر التلاقي على الخير، يحلو التلاقي على المحبّة واستذكار الماضي الجميل، فعلى جنبات ملاعب قصقص في منطقة حرش بيروت حيث يشرف اللاعب التاريخي محمود برجاوي «أبو طالب» والكابتن حسن شاتيلا على تنظيم دورات كروية، ولكل منهما فرقه وطاقمه التنظيمي، يحرص رفاقهم من نجوم الكرة في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وصولاً إلى التسعينيات على الحضور والتنقّل بين الملعبين، وفي جعبهم حكايا وخبريات وذكريات ومباريات، فلا يهمّهم من يلعب ولا معرفة نتائج المباريات، حتى أنهم لا يكلّفون انفسهم عناء متابعة المجريات إلا بشكل عابر مع تعليقاتهم الفنية.
يصفّون كراسيهم بشكل دائري قابل للاتساع، يتحلّقون بلهفة لخوض حواراتهم المتشعّبة وهنا لا بدّ من الاصغاء وخصوصاً إلى أدق التفاصيل، ففي استرجاع التاريخ وأحداثه، العبرة واكتساب الخبرة، فجأة، يسرد أبو طالب خبريته ، ليوافقه الزميل يوسف برجاوي على نصف مضمونها، ما يضطر الكابتن حبيب كمونه للتدخّل واضعاً النقاط فوق الحروف بلباقته ولياقته، يأخذ جمال الخطيب الكلام بعد تمريرة متقنة من رفيق دربه حسن شاتيلا الدائم الترحيب والابتسام بزوّاره، وعند أول استفسار من «الغزال» عن اسم أو تاريخ أو سنة، يدخل حسن عبود على الخط مضيفاً بعض البهارات بقصد «التنكيت» مع تسجيل اسمه في سجل العارفين بخبايا الأمور، وعلى طرف آخر من الدائرة العامرة بالنجوم يروي الملك محمد حاطوم خبريته عالبطيء فلا ينهيها إلا بعد ضحكة ناصعة من الكابتن شبل هرموش الذي يمضي السهرة متنقلاً بين الأصحاب آملاً تكرارها بشكل دوري، وبفعل تغيّر ملامح غالبية اللاعبين الذين اجتمعوا بعد طول فراق، يسأل ناصر بختي رضا حسين وخالد بهلوان هل تتذكرون اللاعب عماد مرتضى، وقبل اجابتهم يشير ناصر «ها هو يجلس إلى جانبي» فيقومان نحو «الباش مهندس» لتبادل القبلات والتحيات معه، وفي لحظة هدوء يستذكر الكابتن عدنان بليق أجمل المحطات الانصارية والنزالات الطاحنة بين فريقي الانصار والنجمة، فيكمل عنه مشهور حمود الخبرية بحيادية مع وافر اليقين بالحيثيات، ويتوسط طوني جريج المجموعة حاملاً هاتفه طالباً من زميله جوزيف منصف المجيء إلى حيث العرس الحقيقي للكرة اللبنانية، يقبّل جريج كمونه ولا يشبع، وكلما حضر لاعب إلى وسط اللقاء التاريخي صاح بأعلى صوته «الله أكبر»، يحضر صالح كركي بعد تغيّر كبير في ملامحه، يتذكّره الحاضرون شاباً مقاتلاً على أرض الملعب، ويشارك حسن أيوب في أطراف الحديث المتنقّل برشاقة وخفّة، فيبتسم له أسعد فاعور موافقاً على «مداخلته»، ولاحقاً تتسع الحلقة بوصول الفوج الجديد المؤلّف من محمد بهلوان وسعيد يتيم والمدرب حسين ديب والزميلان علي صفا وفؤاد رسلان، ومع هذه الوجوه الطيّبة يمعن الزميل عامر شميطلي في التنقّل بينهم مستصرحاً، كما يتألق عصام عياد في زرع الابتسامات عبر تعليقاته على الميكروفون من داخل الملعب فينعكس ذلك استياءً من رشيد بيلاني «عديل أبو طالب»، وختاماً يكتمل المشهد مع صورة جامعة يتوسطها العميد محمود الجمل شقيق شهيد الوطن نور الجمل.
في الحقيقة، هي سهرة رمضانية في «وقفة العيد» ضمّت وجوهاً كروية بارزة من كل الطوائف والمذاهب والمناطق، معظمهم لعب مع فريقين وأكثر، جمعهم الملعب لكنهم لم يلعبوا يوماً ولا حتى شوطاً واحداً بدم المواطنين كحال السياسيين في بلادنا، لماذا؟ لأن كرة القدم لغة عالمية مفرداتها صداقة دائمة ومحبّة ناصعة وذكريات عالقة ووجوه باسمة.
بالأمس، كان لي شرف الحضور وسط هذه الوجوه الطيّبة، ولسان حالي يردد «رمضان كريم»، سائلاً الله أن يمنّ على كرتنا في هذا الزمن الصعب ازدهاراً وتطوّراً، ولن يتحقق ذلك إلا عندما يتزوّد القيّمون عليها بأخلاقيات ومناقبية تلك الأجيال الذهبية، وخير كرتنا من وراء السرد، كل عيد وأنتم بخير.