تركيا و«إسرائيل» بين المثالية والدور الكامل

د. فايز الصايغ

«في يقيني وبعض اليقين ثواب»، أنّ من أسباب دعم تركيا للإرهاب في سورية وتسهيل تحرك مجموعة «الدواعش» في المنطقة عموماً، وفي سورية والعراق على وجه الخصوص، هو تقاسم الدور بين المقبول والمرفوض. فالمرفوض هنا، ولو شكلاً أو ظاهراً، أن تكون «إسرائيل» العدو المحتلّ للأرض والمقدسات، هي الدولة التي تساند «داعش» في شكل علني، وهذا ما يجعل الدعم الصهيوني قاصراً ومرفوضاً، موضوعياً على الأقلّ، بالنظر إلى اختلاف الدين واختلاف الدور واختلاف الوظيفة.

لكن أن تكون تركيا هي الداعمة وهي الدولة التي يحكمها حزب ينتمي إلى «الإخوان المسلمين» وقد أصبحت في عرف العالم ودول المنطقة، دولة إرهابية، يصبح أمراً مقبولاً. والمقبول أيضاً أن تكون تركيا التي تقيم علاقات دولية واسعة مع المعسكرين الغربي والشرقي، الأقدر على تقديم المساعدات للإرهاب، بالنظر إلى الحدود المفتوحة مع دول الجوار، الأمر الذي كانت تفتقده «إسرائيل»، لكن عندما أُتيحت لها الفرصة في المنطقة الحدودية بين سورية وفلسطين المحتلة، حيث توجد قوات تابعة للأمم المتحدة «إندوف»، بحكم الاتفاقيات، قامت بتقديم المساعدة والدعم إلى المسلحين الإرهابيين لوجستياً ومعلوماتياً، الأمر نفسه الذي قامت به تركيا على حدودها مع سورية. بين المرفوض والمقبول، تكمن مصالح الطرفين التركي و«الإسرائيلي»، فمن مصلحة تركيا بعد أن تعرّض «الإخوان المسلمون» للسقوط في أكثر من مكان، فكراً وممارسة، أن تبقى على النموذج «البعبع»،

كتنظيم وكأداة ردع مرعبة، بغضّ النظر عن أنّ الأغرب هو أكثر رعباً اليوم ممّن يتعرّض للإرهاب المباشر، وهذا الهدف يصبّ تماماً في مصلحة «إسرائيل» كجسم غريب وكيان همجي هجين، لم يتمكن من الانصهار في المنطقة برغم الدعم العربي المعلن وغير المعلن له.

من مصلحة الطرفين أيضاً، أن يساهما معاً، ولكلٍّ أسلوبه ودوره وإمكاناته وطريقة عمله، في تفتيت المنطقة وتقسيم جغرافيتها على نحو يتيح بسط الهيمنة التركية »الإسرائيلية»، أياً كان حجم الهيمنة لأي من الطرفين، ذلك أنّ المصالح ما تضاربت يوماً منذ قيام «إسرائيل» وأي خلاف لا يفسد في الودّ قضية بين الدولتين. تاريخياً، كانت العلاقات الثنائية بين تركيا و«إسرائيل» متمّمة لبعضها ومتكاملة الدور والأهداف، والقاسم المشترك الوحيد الذي يعيق التواصل الجغرافي المباشر بينهما هو سورية، وتحقيق أيّ شكل من أشكال التواصل الجغرافي الحيّ بين الدولتين لا يستقيم أبداً في وجود سورية القوية، وقد أثبتت سنوات التآمر الأربع الماضية صلابة هذا البلد وقوته الشعبية والاستراتيجية المتعدّدة الوجوه، لهذا فإنّ إضعاف سورية واستباحة جغرافيتها، من خلال دعم تركيا للجماعات الإرهابية بهذه الصورة الفاضحة يصبح الهدف الذي يُمهَّد له عبر التواصل المباشر بين الأتراك والصهاينة، والراعي الأميركي يعرف ذلك تماماً، وهو يعمل على إنجاز المطلوب، وقد رعى المصالحة بين الطرفين خلال فترة العداء الوهمي على خلفية سفينة «مرمرة» التي كانت تحمل مساعدات إلى غزة.

كان يفترض بالمجتمع الدولي وضع وزير خارجية العدو المتطرف أفيغدور ليبرمان على قائمة أبرز الإرهابيين في العالم، نظراً إلى ما يقوم به من تحريض على قتل الفلسطينيين، وإنّ وأد كلّ المحاولات الأميركية لإنشاء دولتين، يتيح تطويب فلسطين كلها تحت الهيمنة «الإسرائيلية».

وذكر الوزير «الإسرائيلي» في تقرير عام 2006، أي قبل حادثة «مرمرة» بسنوات، أنّ العلاقة بين تركيا وإسرائيل «مثالية ومتكاملة»، والتكامل هنا يؤكد أنّ ما تقوم به تركيا ضدّ سورية ودعمها المتواصل للتنظيمات الإرهابية على أراضيها، لإضعافها وتقسيمها وإنهاكها عسكرياً واقتصادياً ونهب ثرواتها وشلّ قدرتها والنيل من صلابتها، إنما يدخل في التكامل الصهيوني ــالتركي.

وقد برزت المثالية والتكامل، من خلال المؤامرة الكونية التي استهدفت سورية، فيما تُعتبر تركيا بالنيابة عن «إسرائيل»، وفي إطار المثالية والتكامل، الحجر الأساس في كل ما يجري حتى الآن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى