أنقرة… خطط المواجهة وسياسة المراوغة!
فاديا مطر
تتشابك السياسة التركية في الموضوع الإقليمي والدولي ما بين خطط المواجهة التي تعتمدها تركيا في دخولها المباشر في خط الحرب على سورية، والتنسيقيات الدولية التي تحاول فيها أنقرة تحصيل ما يمكن تحصيله في العناوين العريضة التي ترسم المنطقة، فتركيا التي تقف أمام استحقاقات ضخمة داخلية وخارجية ما زالت في طور التلاعب المخفي الذي تأمل منه تشكيل صفقات مكسبية تقيها الدخول في عمق الحرب العسكرية الجارية في منطقة الريف الشمالي لحماة وإدلب من جهة المحور الروسي الإيراني، ومحافظتها على مضامين سياسية واقتصادية في سياق حلف الناتو تكسبها البقاء في الحلف الأميركي كشريك، لكن الجمع بين السياستين بدأت تفقدها مكاسب كانت تعتبرها أنقرة جلية في وقت ما، وهو ما كان رهاناً خاسراً لحزب العدالة والتنمية الإخواني منذ بدء الحرب على سورية.
فتركيا التي توسع ساحات الإشتباك في الداخل السوري ما بين الدعم اللوجستي لفصائل النصرة ومكوّناتها، وما بين ما تعتبره حربها على امتداد حزب العمال الكردستاني، تقف في نفس الخط مع ما تربطه في سياستها التي تولج فيها ابتزازاً واضحاً لمحور واشنطن في المنطقة، على خلفية الجمع ما بين محور الدعم للدولة السورية ومحور الحرب عليها، وهي الدولة التي دخلت حلف الناتو بعد الحرب العالمية الثانية بطلب تركي، تقع الآن في مواجهات مع الدول التي تشكله في مراوغة باتت واشنطن تعتبرها آخر السياق لموقع تركيا كحليف استراتيجي لها في المنطقة، فمن التباين التركي ـ الأميركي في موضوع الدعم لميليشيات قسد الإرهابية، وصولاً الى الشراكة مع روسيا وإيران في الحلف الضامن للموضوع السوري، تسعى تركيا الإخوانية لفرض عروضها في المواجهة على كلّ من أوروبا وواشنطن في قضايا باتت تحاكيها واشنطن بمنطق الضغينة مؤخراً، خصوصاً بعد قبول تركيا شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية أس 400 والتي هدّدت تركيا بنشرها على الحدود الساحلية الجنوبية الغربية للبحر المتوسط كنطاق ردعي أمام المصالح الأميركية في البحر المتوسط، وإبقاء الصفقة الأميركية لطائرات أف 35 قيد التباحث والتلاعب بالوقت، وهي صيغة لا تقبلها واشنطن للجمع بين منظومة الدفاع الجوي الروسي والقوة الجوية الأميركية الحديثة في بلد واحد، ترى فيه واشنطن شريكاً غير نزيه في التحالفات الحالية، وهنا سيكون البحث جارياً لإلغاء إحدى الصفقتين بمنطق التسويات حالياً، قبل إقدام واشنطن ربما على فتح الباب باتجاه العقوبات الاقتصادية التي لوّحت بها مراراً كخيار يغيّر المؤشرات التركية، فتركيا التي تعتبر واشنطن داعماً لـ قسد ، تراها في نفس الوقت مخبأً مضاداً للمعارض فتح الله غولن الذي اتهمته أنقرة بقيادة الإنقلاب عام 2016، وهو ما تعتبره تركيا محرّضاً ذا أهمية للتخريب في داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، خصوصاً بعد الإنتخابات البلدية الأخيرة التي خسر فيها الحزب الحاكم مدينتي أنقرة واسطنبول الاستراتيجيتين وفرض إعادة الانتخابات في اسطنبول بعد اعتقال عدد من المشرفين على الانتخابات الماضية، في تحرك اعتبرته بعض الأوساط المعارضة الداخلية خطوة تعسّفية ، وهو أحد خطوات المواجهة التي تديرها أنقرة في وجه بعض من تعتبرهم في الضفة المقابلة التي تحاربها، فقراءة التطورات في السياسة التركية تنبئ بخروجها من تحت قبة التفاهمات إنْ كان مع واشنطن، أو حتى مع مكرّسات سوتشي وأستانة اللذين فرضا على تركيا ضمانات تحاول فيهما أنقرة الخروج منهما في لهجة مصالح وابتزاز عروض، وهي التي تعلم أنّ أيّ دخول علني في خط المواجهة أمام تقدّم الجيش السوري سيغيّر المشهد برمّته، لكن ما تزال نقاط المراقبة التركية في طور الدعم للمجموعات الإرهابية في ريف حماة وإدلب، كحاضر يطبّق خطط المواجهة بلغة المراوغة، رغم عدم قدرة أنقرة على تحجيم تقدّم الجيش السوري وحلفائه على خطوط الميدان المقترب من حدود إرهابيّيها، وهو موقف بات يربك كلّ الخطوات التركية التي تضعها أنقرة في سياق المواجهة أو التراجع، والتي عززت فيها أنقرة حضورها في الحرب على سورية بعد عملية غصن الزيتون وتبنّي إرهابيّي ما سمّي درع الفرات ، وهو سياق حذرت منه موسكو أنقرة في جعله عاملاً يحاول تغيير الميدان، فالرهان الضمني التركي على قدرة المراوغة لكسب خطوات الحرب أصبح وراء الزمن، وأصبحت خطوات تشريع التواجد التركي في المعادلات الإقليمية والدولية على محك الوقت، خصوصاً أمام واشنطن الممتعضة وموسكو المراقبة، وهو ما تقول فيه الوقائع على الأرض إنه سيغيّر خريطة الرهانات التركية في المحور السوري إنْ كان لجهة خطط المواجهة أو السياسة المراوغة، وهو سيخسر فرض الشروط كمتواجد إقليمي بعد فشل تركيا لقيادة المجموعات النصراوية في شمال حماة وريف إدلب في وجه الجيش السوري وحلفائه، أو كخصم في وجه قسد الذين دقوا آخر مسمار في نعش عودتهم الى الدولة السورية، فالتماشي التركي مع معاكسات الداخل الهائج، والخارج المتربّص بالأدوار، سيفرض طيّ رغبات كثيرة تتراجع في الواقع، وربما يحمل أنقرة ما يلزمها دفع أثمان كبيرة في سياسة المراوغة والدخول في العنجهية العثمانية، وربما لا تجد أنقرة مفتاح الباب للخروج من الموقف في سورية أمام كلّ من طهران وموسكو، وهو ما ينسحب على أبواب واشنطن التي قال عنها وزير الدفاع بالوكالة باتريك شانهان بعد الاتصالات مع وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إنّ العلاقات الأميركية ـ التركية قيد التشاور والتباحث الذي تقف أمامه صفقة أس 400 كنقطة مركزية، فالجناح السياسي والعسكري التركي يقف في وجه امتحانات كبيرة في سورية وليبيا والتصدي لمحور الرياض وأبو ظبي والقاهرة في عدة ملفات إقليمية ربما تجرّ أنقرة إما لمواجهة ساخنة، أو للبحث عن تنازلات تطيح الرغبات السياسية وتأخذ بطريقها خطط المواجهة، فهل ستقدر أنقرة على تحمل تبعات العثمنة الإرهابية؟ أم ستقف خاسرة أمام توتر المشهد الذي سيضعها وسط الفوضى؟ هي الخطوات التي ستحدّدها أنقرة في خسارة خطط المواجهة وسياسات الكذب الذي بدأ ينعكس عليها…!