«نزار زكا».. ذكاء إيراني وإنجاز لبناني
روزانا رمّال
ليس عادياً أن يتم الأفراج عن اي «جاسوس» تعاطى مع الامن الإيراني بخفّة، هذا على الأقل ما وصف به اللبناني الأميركي «نزار زكا» الذي دق أجراس الخطر وتلاعب بالأمن القومي الإيراني، حسب السلطات هناك باعتباره عمل على إرسال معلومات لجهات امنية أميركية ما يتعارض مع إمكانية إيران التساهل في ملف من هذا النوع حكماً!
تم اعتقال زكا عام 2015 لتبدأ قصة سجين، لكنها لم تكن تشبه اياً من السجناء الآخرين المصنفين «جواسيس» فما كان لافتاً بالأساس هو ان ظروف اعتقال زكا كان فيها ما يكفي لينفي أي نوع من التعذيب عاشه لا بل مكوث المعتقل زكا بظروف جيدة سمحت له بالتواصل مع العالم الخارجي، بل وإرسال رسائل مباشرة ولاذعة في بعض الاحيان للإيرانيين إضافة الى مناشدته سلطات بلاده العمل من أجله كل هذا حدث في السجن اثناء قضاء الفترة التي كان من المفترض أن يتممها وهي 15 سنة والتي اصبحت الآن من الماضي بعد القرار الرئاسي الإيراني بإطلاق سراح نزار زكا.
هذه الظروف تؤكد أن إيران تعاطت مع هذه القضية بحذر وبدقة. وفي نهاية المطاف انتهى الامر بقرار مفاجئ، لكنه لم يكن وليد اللحظة. فالسلطات اللبنانية تابعت الملف منذ لحظة الاعتقال الأولى وقد سبق والتقى اللواء ابراهيم بناء على طلب رئاسة الجمهورية اللبنانية قبل سنة نزار زكا وكان الملف قيد الدرس الجدّي حينها من قبل الإيرانيين الذين أبدوا إيجابية واضحة أدت اليوم لختم الملف.
الموقف الإيراني يأتي بعد رفع رئيس الجمهورية ميشال عون المطلب الى أعلى المستويات بعد ان صار قضية رأي عام لفترة غير قليلة، وبدون شك ساهم حزب الله في الملف مساهمة فاعلة، إلا ان هذا لا يخفي ان النزول عند مطلب الرئيس ميشال عون كان واضحاً إيرانياً. فالتعاطي مع ملف نزار زكا في العهد السابق كان مغايراً تماماً عن اليوم. وهذا مرده الى خصوصية واضحة يتمتع بها عون عند الإيرانيين باعتبار أنه حليف حزب الله «الصادق» وتطور من هذا النوع يعطي العهد زخماً كبير.
بكل الاحوال رسالة طيبة ارسلتها إيران الى لبنان والعهد الذي يعتبر انه سجل إنجازاً دبلوماسياً رفيعاً مع سلطات تتعاطى معها المنطقة والعالم بحذر باعتبار أن إيران ذات النظام الاسلامي الإيراني الشيعي تتعاطى بتزمت وتطرف مع ملفات كهذه ليتبين العكس بالكامل في الحالة اللبنانية.
يستحضر هنا ملف موقوفين لبنانيين في دول الخليج الذين لم تشفع بهم أي علاقة طيبة مع الرئيس الحريري او حلفائهم في لبنان. وهذا من شأنه ان يرسم علامات استفهام حول كيفية معاملة الدول الخليجية للمواطن اللبناني وكيفية معاملة إيران للمواطن اللبناني إضافة الى شيء اساسي وهو احترام إيران لحلفائها وتجاهل الخليجيين لحلفائهم المحليين بالكامل عندما يتعلق الامر بملفات من هذا النوع على الرغم من أن عون لم يزر إيران حتى اللحظة منذ انتخابه ولم يقدّم لها ما قدّمه حلفاء الخليج في لبنان لهم.
كل هذا ربما يعيد اللبنانيين الى التفكير بحادثة احتجاز الرئيس الحريري الذي أعلنه رئيس الجمهورية «محتجزاً» لدى السلطات السعودية امام العالم وساهم في إطلاقه.
ربما لإيران حساباتها وكذلك دول الخليج في التعاطي مع المعتقلين الذي يعتبرونهم عناصر خطيرة، لكن اذا كان «نزار زكا» الذي يحمل الجنسية الأميركية متورطاً فعلاً وقد تمّ إخراجه، فان لهذا الملف رسائل تتعدى الحدود اللبنانية تصل لواشنطن التي تشن عملية هي الأكبر على إيران في الضغط وتشويه السمعة ورفع منسوب العقوبات والحشد حيال الملف النووي الإيراني الذي وصل لإعلان السلطات الإيرانية عدم اظهار الاوروبيين اي تعاون مع طهران بوجه الأميركيين أي أن واشنطن نجحت بالتصعيد امام العالم في الوقت الذي أخرجت فيه إيران اللبناني الأميركي زكا في لحظة احتقان دولي ليأتي الانفراج الأكبر من هذه الزاوية وفيه اشارات رئيسية اساسية:
اولا: إن ابواب التفاوض مع إيران ليست مقفلة ولو بعد حين، وإنها على استعداد لتقديم اي تنازل لا يحمل أمنها القومي أي خطر او تبعات.
ثانيا: انه لا مجال للاستخفاف بالأمن الإيراني او إرسال بعثات دولية واجنبية بمهمات اممية او تربوية أو.. ما تلبث ان تتحول الى أمنية.
ثالثا: ان صورة التطرف الديني الذي تصبغ صورة إيران في العالم الغربي وتعاطيها مع غير المسلمين بريبة تسقط اليوم بقضية نزار زكا الذي لقي معاملة جيدة سمحت له بالتواصل مع العالم.
رابعا: إن قضية من هذا النوع كانت لتبقى مسدودة الافق في أي نظام دكتاتوري في المنطقة كما هو معروف إلا ان الليونة الإيرانية التي كشفت عنها اليوم سمحت بالأخذ بعين الاعتبار مدة محكومية زكا وضمانات تبعد أي خطر عن إيران لقاء استخدام «العفو» الخاص الذي حصل عليه زكا.
تقدم إيراني ملحوظ نشر صورة جديدة عن نظامها المهدَّد من قبل الغرب ومن قبل معارضين محليين يجدون فيه دكتاتورية لا تتناسب مع التطور المجاور. هذا النوع من الليونة يؤكد أن الإيرانيين لا يوصدون الأبواب حيال اي ملف وانه من الممكن التوصل لنهايات مقبولة لجميع الأطراف ما من شأنه تخفيف وطأة العزل التي تحكمها منذ سنوات.
لبنانياً، يلفت اعتراض بعض المطالبين بإخراج زكا على مساهمة حزب الله الايجابية في موقف مريب الا ان هذا لا يخفي، إنجازاً واضحاً يحسب للمفاوض الابرز المدير العام للامن العام اللواء عباس إبراهيم ومحطة لافتة لرئيس الجمهورية ميشال عون الذي اثبت وللمرة الثانية بعد احتجاز الرئيس سعد الحريري بالسعودية تعاطي زعماء دوليين أساسيين معه باحترام ملحوظ وبأنهم يضعون المطالب التي يطرحها عند سلم أولوياتهم وأن هناك جهات حريصة فعلاً على علاقة جيدة معه باعتبار انه الرئيس المسيحي القوي الاول منذ زمن وانبثق عن قاعدة شعبية جعلت منه رمزاً لمسيحيي المشرق، وما يعني هذا من خصوصية حظي بها من هذا الموقع.