النتائج المرتقبة لصفقةِ القرن على قياسِ المضيف!
د. وفيق إبراهيم
حضور عشرات البلدان الغربية والعربية والاسلامية و«إسرائيلـ« برعاية أميركية شاملة لـ «ورشة البحرين» التي تنعقد بعد اثني عشر يوماً لمناقشة الاستثمار الاقتصادي في أراضٍ فلسطينية، لا يكفي للتنبّؤ بإمكانية نجاح هذه الورشة التي تشكل الجزء الاقتصادي من صفقة القرن، بما هي محاولة أميركية لإنهاء القضية الفلسطينية.
قبل عرض الأسباب التي تؤكد السقوط الكبير لهذه المحاولات لا بدّ من عرض أهدافها، وربطها بالتطورات المتسارعة من فلسطين الى سورية وإيران وحتى تركيا للكشف عن المعوقات التي حوّلت ما يسمّى صفقة القرن الى مجرد لقاء بين أفرقاء اجتمعوا منذ أيام عدة في قمم ثلاث في مكة المكرمة، مدبّجين بيانات وخطباً لم تنتج إلا خسارة حبر وأوراق وتكاليف إقامة المؤتمرين وسفرهم مع شيء من المكرمات.
لجهة الأهداف فتبدأ بإنهاء القضية الفلسطينية كضرورة لتشكيل حلف عربي إسلامي إسرائيلي «علني»، المُراد منه دعم الهيمنة الأميركية على العالم العربي والإسلامي لوقف التراجع المستمر في الاحادية الأميركية.
هناك المعوقات تجعل صفقة القرن تبدو وكأنها بيع وشراء لقضية وطن، تُجمع قواه السياسية والعسكرية على رفض الصفقة.
فيصبح البائع الأميركي مزوّراً لصكوك ملكية يبيعها لإرهابي إسرائيلي بشهود عرب ومسلمين يعبثون بالتاريخ والحاضر، لكن لا قدرة لهم على التأثير الفعلي على أصحاب الأرض الفعليّين على مستوى الداخل الفلسطيني وسورية.
أولى المعوقات هو الإجماع الفلسطيني بدءاً من السلطة الفلسطينية التي رفضت حضور القمة على الرغم من ارتباطاتها الخليجية والأميركية، حتى انها دعت الدول العربية الى مقاطعتها، هذا بالإضافة الى منظمات فتح وحماس وكامل المنظمات الأخرى من دون استثناء وهؤلاء هم أصحاب الأرض والقضية.
إنّ هذا الرفض يُربك الدول الخليجية والعربية التي تزعم حتى الآن أنها متمسكة بحلّ الدولتين على أساس حدود الـ 1967 على أن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية.
ومثل هذه المواقف تثير السخرية وإلا لماذا لم تعترض دول الخليج على مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر الذي أكد انّ الفلسطينيين لا يستطيعون حكم أنفسهم؟ وكيف يسكتون عن تصريح السفير الأميركي في «إسرائيلـ« ديفيد فريدمان قال فيه إنه يحق لـ«إسرائيلـ« ضمّ قسم من أراضي الضفة الغربية وليس كلها على حدّ تعبيره؟
ما يؤكد على أنّ الاجماع الفلسطيني على رفض «ورشة المنامة» موقف يُضيّقُ الخناق على الدول المتورّطة والمتلهّفة على حلف «إسرائيلـ«.
أما ثاني المعوقات فهو الصمود السوري الذي يثبت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما يصفه الإعلام الخليجي والغربي بالصراع العربي الإسرائيلي.
ألم يرفض الرئيس الراحل حافظ الأسد مشروع كامب دايفيد الساداتي في 1979 ولو وقع لانتهت قضية فلسطين.
لجهة الموقف الثالث فهو إيران، التي شكل صمودها في وجه مشروع الحرب الأميركية عليها والحصار والمقاطعات التي تستهدفها تمتيناً لحلف المقاومة في سورية وفلسطين والعراق وإيران معزّزاً من وضعية رافضي صفقة القرن.
ومثل هذه المواقف أربكت تركيا التي وجدت نفسها في وضعية الرافض لصفقة القرن، وحتى لو جرت دعوتُها، فإنّها مضطرة الى رفض البحث في أيّ موضوع لا يوافق عليه الفلسطينيون مسبقاً.
إنّ نجاح حلف المقاومة في حصار بعض الأطراف العربية والفلسطينية التوّاقة، إلى حضور ورشة البحرين، أدّى إلى صدور مواقف روسيّة صينيّة وأوروبيّة وهنديّة وإسلاميّة مختلفة تأبى أيّ حلول لا تستند على حلّ الدولتين على اساس 1967.
فكيف يمكن لورشة البحرين ان تسجّل تقدّماً في إنهاء القضية الفلسطينية، إنما يمكنها أن تدعم الاحتلال الإسرائيلي الموجود أصلاً منذ العام 1967 وتفتح صلحاً خليجياً إسرائيلياً هو موجود سرياً منذ أكثر من عقد على الأقلّ، لكن هذا الأمر لن يؤدّي على الإطلاق الى تشريع الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتلّ والأراضي اللبنانية في نقاط عديدة من الحدود البرية مع فلسطين المحتلة ونصف قرية الغجر ومزارع شبعا وكفرشوبا والحدود البحرية والقرى السبع والضفة الغربية وغزة وبعض المواقع الأردنية التي تصرّ «إسرائيلـ« على استئجارها بالقوة.
الدليل الإضافي على فشل صفقة القرن هو أنّ جامعة الدول العربية نفسها الموالية للسياسة الأميركية الإسرائيلية لن تتجرّأ على الاعتراف بورشة البحرين وكذلك الأمم المتحدة المتمسكة بحلّ الدولتين بقوة تغطية روسية صينية أوروبية كاملة داخل مجلس الأمن وخارجه.
لذلك تتجه ورشة البحرين للتحوّل إلى مجرد قمة رابعة وهمية تنتمي الى فئات قمم مكة من دون أن تمتلك القوة لاستحداث معادلة إقليمية جديدة لإنهاء القضية الفلسطينية ولا لوقف التراجع الأميركي في الشرق الأوسط.
فهل تتجرأ دول الخليج على امتطاء حلف مع «إسرائيلـ« يعاكس مسيرة المنطقة؟
المعوقات كثيرة، من إيران الى لبنان، لكن الإحباط الخليجي يدفع الى تبني مواقف تبدو للهواة في السياسة لامعة وبراقة، لكنها قد تختزن بداية انهيار ملكيات القرون الوسطى في جزيرة العرب.
والدليل أنّ جزيرة كالبحرين مساحتها نحو 500 كلم مربع تحتوي على قواعد عسكرية أميركية وبريطانية وفرنسية وأردنية وسعودية وأخرى لمجلس التعاون بالإضافة الى قوات آل خليفة البحرينية.
فإذا كانت البحرين تحتاج الى كلّ هذه القوى الأجنبية لحماية النظام الملكي فيها، فكم تتطلب حماية آل سعود وآل زايد في السعودية والإمارات؟ وتبقى العودة الى فلسطين هي الحماية الطبيعية التي تقي من الانهيار ضدّ ضغط الجماهير الغاضبة.