ماذا لو نجحت واشنطن بخنق إيران وإضعافها؟

ناصر قنديل

– تؤكد حال اللاحرب واللاتفاهم التي تسود ويرجّح أن تسود العلاقات الأميركية الإيرانية أن واشنطن لا تملك خريطة طريق لما بعد الانسحاب من التفاهم النووي سوى الرهان على الفوز ببلوغ مرحلة تختنق فيها إيران اقتصادياً وتضعف داخلياً، فتضطر لوقف برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي وتوقف دعم حركات المقاومة، لحاجتها للإنفاق بالأولوية على حاجات المجتمع الإيراني، وينشأ ميزان قوى جديد سيكون الأفضل معه لطهران القبول بالتفاوض من موقع مختلف للوصول إلى تفاهمات جديدة، بشأن دورها الإقليمي وبرنامجها النووي وقدرتها الصاروخية، وهي الشروط الأميركية للتفاوض.

– كثيرة هي مراكز الدراسات الأميركية والأوروبية التي تجزم بأن الطريق مسدود أمام الرهان الأميركي، حيث تعيش إيران الاكتفاء الذاتي الزراعي والصناعي في كل المواد الاستهلاكية الأساسية لمواطنيها، بمواد أولية محلية ويد عاملة محلية، ولذلك لا يشكل النفط أكثر من 20 من الناتج المحلي الإيراني. وتقول التقارير الدولية إن إيران التي تملك حدوداً برية بآلاف الكليومترات مع سبع دول وحدوداً مائية مع أكثر من عشر دول تربطها بأغلبها علاقات تجارية تبادلية لا تحتاج المرور بالأقنية المصرفية التي تتحكم بها واشنطن، هي دولة عصية على الحصار، وقد بقيت تتاجر بنفطها في الثمانينيات خلال الحرب مع العراق عندما كان الحصار عليها عسكرياً وليس مالياً فقط.

– تقارير أخرى تتناول المدى الزمني اللازم لنضوج اللحظة الحرجة في كل من الخطتين الأميركية والإيرانية، فتصل إلى استنتاج أن خطة إيران التي يشكل الانسحاب من الاتفاق النووي أحد مفرداتها، وما يعنيه من العودة إلى التخصيب المرتفع لليورانيوم وتخزين الكميات المخصبة يعني بلوغ إيران لحظة امتلاك ما يكفي لإنتاج قنبلة نووية في غضون مدة تتراوح بين ثلاثة شهور وستة شهور، وهي مهلة تبدأ بالسريان من مطلع تموز مع نهاية مهلة الستين يوماً التي أعلنتها إيران مطلع أيار الماضي. وبالتوازي فإن إيران أعدّت نفسها لتحمل العقوبات لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية خريف العام المقبل، بينما خطة واشنطن لخنق إيران لا تطمح ببلوغ نتائجها قبل سنوات، تكون معها اللحظة الحرجة التي مثيلتها امتلاك إيران ما يكفي لإنتاج اول قنبلة نووية قد فات عليها الكثير ولحق بها الكثير من لحظات حرجة أخرى لا تستطيع واشنطن الوقوف مكتوفة الأيدي أمامها، بينما هي لا تملك جواباً على ما يجب فعله ولا ما تستطيع فعله. وما يجري على الجبهة السعودية اليمنية، مثال على المسار التصاعديّ الذي تسلكه أوضاع الخليج في ظل الوجود الأميركي الذي وعدت واشنطن بأنه مخصّص لجعل إيران تدفع ثمن أي استهداف لحلفائها من أي من حلفاء طهران.

– بعض التقارير الأخرى طرحت السؤال، ماذا لو نجحت واشنطن بخنق طهران وإضعافها، لتصل إلى استنتاج مفاده أن بلوغ إيران وحلفائها نصف الطريق الذي يشكل الاختناق نهايته، لن يكون في صالح واشنطن وحلفائها، فالذي سيحدث هو معاكس للتوقعات الأميركية الافتراضية، وأولى النتائج ستكون ضعف قبضة إيران وحلفائها في سورية والعراق بوجه تنظيم داعش الذي يملك من الخلايا النائمة ما يكفي لإعادة امتلاك بنية تحتية وقاعدة ارتكاز للتوسع في الجغرافيا الصحراوية بين سورية والعراق، واستئناف الهجمات في الدول الغربية. والنتيجة الثانية ستكون أن الاحتكاكات ستتصاعد بين زوارق الحرس الثوري والسفن الأميركية ومثلها سيتصاعد الوضع بين السعودية واليمن وبين المقاومة في لبنان وغزة مع «إسرائيل»، وستصل السخونة حد الغليان حيث سيكون على واشنطن أن تختار بين التقدم خطوة إلى الأمام نحو الحرب أو التراجع.

– واشنطن عالقة في نصف البئر الذي ذهبت إليه مختارة، لسبب واحد، لأنها وضعت مصالح «إسرائيل» والحصول على ضمانات لأمنها، فوق المصالح الأميركية، والوساطات التي تجري ما كانت لتتم لو كانت أميركا مرتاحة ومطمئنة إلى أوضاعها، وها هم الوسطاء الكبار يأتون بالمصادفة، بعد لقاءات تجمعهم بكبار المسؤولين الأميركيين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى