لافرنتيف إلى بيروت لتفعيل مبادرة عودة النازحين… وتبريد سياسي داخلي لجنة المال أمام تحدّي بدائل واردات الرسوم التي تخفضها والإنفاق الذي تزيده
كتب المحرّر السياسيّ
بلغت العلاقات الأميركية الإيرانية ذروة التدهور والتصعيد، بينما دخل الخليج منطقة الخطر التي يمكن لأي احتكاك فيها أن يتحول حريقاً كبيراً، فعلى الصعيد السياسي أظهرت إيران على مستوى مرشد الجمهورية الإسلامية الإمام علي الخامنئي أنها لن تسمح بتمرير مناورة تبادل الرسائل لكسب الوقت والإيحاء بمناخات تفاوضية، وهي مصرّة على تأكيد مناخ المواجهة ووضع العالم أمام مسؤولياته تجاه خطر الانفجار، وهذا ما فسّرت به مصادر متابعة إصرار الخامنئي على رفض تسلم الرسالة التي حملها رئيس وزراء اليابان من الرئيس الأميركي، باعتبار أن الرئيس الأميركي ليس شخصاً مؤهلاً للثقة، بينما كانت الأنباء تحمل من الخليج خبر تعرّض ناقلتي نفط للاحتراق بفعل هجمات بالصواريخ أو بالألغام.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو بادرا إلى تحميل إيران مسؤولية التصعيد، وتوجّهت واشنطن إلى مجلس الأمن الدولي، في ظل موقف روسي واضح برفض تحميل إيران المسؤولية، ومأزق تواجهه واشنطن سواء قررت استهداف مواقع أو مصالح إيرانية فيزداد التصعيد ويُصاب سوق النفط بالمزيد من الرعب والذعر والهلع، ويفلت زمام الأسعار، أو قرّرت مواصلة التعامل ببرودة فتتثبت معادلة تخدم ما قالته إيران وتجعله قاعدة تحكم سوق النفط، تحت عنوان أن منع إيران من تصدير نفطها سيعرّض سائر الصادرات للخطر.
خيبة الأمل خيّمت على مواقف الدول الخليجية ووسائل الإعلام التي تشغلها، حيث سيطر الترقب لرد فعل أميركي عملي يستهدف إيران بعد تفجير الناقلتين، تحوّل مطالبة وانتهى بخيبة أمل وتحريض على ما وصفه المحللون الذين تستضيفهم الأقنية الفضائية لتوجيه الرسائل السياسية، بالتخاذل الأميركي الذي يتحمل مسؤولية تحكم إيران بسوق النفط وأمن الخليج، مستعيدين تجربة احتلال أميركا للعراق وكيف انتهت بتحقيق المكاسب والأرباح لإيران، والحرب في سورية وكيف كانت الأقوال الأميركية لا تشبه الأفعال.
لبنانياً، يصل الموفد الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتيف إلى بيروت في إطار مسعى روسي لتفعيل مبادرة إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، بينما تشهد الساحة الداخلية تبريداً للملفات الخلافية، حيث بدت كلمة رئيس الحكومة سعد الحريري خاتمة مقبولة من التيار الوطني الحر للسجال الذي سيطر على العلاقة بين الفريقين للأسابيع الماضية. وقال رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل من لندن إنه عندما يعود إلى بيروت سيلتقي الرئيس الحريري بشكل طبيعي كما جرت العادة، وانسحبت التهدئة السياسية حلحلة في بعض الملفات المطلبية كإضراب أساتذة الجامعة الذي تم التوصل إلى تسوية أعلن بختامها تعليق الإضراب.
في المناقشات النيابية التي تشهدها لجنة المال والموازنة لأرقام النفقات والواردات ومشاريع التعديلات المقترحة، بدت القضية الموازية للمناقشات هي التحدي الذي ينتظر النواب في كل مرة يقومون بتخفيض مداخيل متوقعة من أحد الرسوم المقترحة في الموازنة، بتقديم مقترحات بديلة تحقق ما يعوّض هذه المداخيل للحفاظ على نسبة العجز المقترحة في الموازنة، وكذلك في ما يتعلق بإلغاء النواب لبعض بنود تخفيض الإنفاق، وهذا سيكون مطروحاً بقوة في قضيتي الحفاظ على تعويضات المتقاعدين دون تخفيض من جهة، وفي مواجهة نقاش رسم الـ2 على المستوردات وهما البندان اللذان يلقيان نسبة عالية من الاعتراضات النيابية.
باسيل: العلاقة مع الحريري لم تتأثر
أرخت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى بعبدا ولقائه رئيس الجمهورية ميشال عون بظلالها على المشهد الداخلي وعكست ارتياحاً واسترخاءً لدى الأوساط السياسية والشعبية، وشكلت مع اللقاء الرئاسي الثلاثي في محكمة التمييز والمواقف المتمسكة بالتسوية السياسية مظلة رئاسية لإعادة تفعيل عمل المؤسسات.
وفي سياق تحصين التسوية، سُجل موقف جديد يساهم في ترطيب الأجواء بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، إذ شدد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على ان العلاقات مع الرئيس الحريري ليست بحاجة إلى ترميم لأنها لم تتأثر أصلاً، مؤكداً من إيرلندا انه سيلتقي الحريري عندما يلزم الأمر. ورجحت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن يعقد لقاء بين الحريري وباسيل فور عودة الأخير مطلع الأسبوع المقبل قبيل جلسة مجلس الوزراء.
حزب الله: سنواجه ضريبة المستوردات
في غضون ذلك، تابعت لجنة المال والموازنة النيابية اليوم درس مشروع الموازنة في ساحة النجمة. وبعد اجتماعها الصباحي، أكّد رئيسها النائب ابراهيم كنعان «إقرار رفع الرسوم على العمال الأجانب لكن بلا استثناء السوريين والفلسطينيين او أي شخص آخر وأقرينا المادة المرتبطة برسوم المطار»، مضيفاً «علّق البند المرتبط بإعفاء الشركات الوطنية ريثما يتم الاستماع الى وزير الاشغال». واوضح أن «المادة 48 المرتبطة بضريبة الدخل سنناقشها ضمن سلة واحدة مع المادة 22 والمادة 49 لتكون هناك نظرة خاصة لوضع المتقاعدين». وتابع: «جرى التصويت على إسقاط المادة 43 المرتبطة بفرض رسوم على الشقق السكنية والغرف الفندقية بعد نقاش طويل وسنفسح المجال لوزراء السياحة والعمل والأشغال لإبداء وجهات نظرهم». واشار الى ان «أي بند يشطب يرتبط بتأمين إيرادات سيقابله بند آخر لزيادة الإيرادات من خلال اقتراحات عملية يقدمها النواب».
وأقرّت اللجنة في الجلسة المسائية مواد مكافحة التهرّب الضريبي والتصريح عن الضرائب للشركات البترولية ومواد متعلقة بالبلديات. وعدلت اللجنة المادة 60 المتعلقة بالرسم على النرجيلة وباتت على الأماكن المخصصة للتدخين.
ورجّحت مصادر لجنة المال لـ»البناء» أن «تنتهي اللجنة من دراسة الموازنة نهاية الشهر الحالي وأحالتها الى الهيئة العامة»، مشيرة الى أن «المجلس سيدخل تعديلات عدة وهامة على المشروع المحال من مجلس الوزراء تتعلق بالإيرادات والواردات»، وأشارت مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ»البناء» الى أن «الكتلة متسمكة بعدم المس بالرواتب والأجور، لأن هذه الطبقة الفقيرة لم تعد قادرة على تحمل أعباء مالية جديدة»، محذرة من أن «المسّ بهذه الفئات سيشعل غضباً شعبياً عارماً في الشارع»، مشيرة الى «أننا سنواجه حتى النهاية اي اقتطاع للرواتب أو فرض ضرائب جديدة بشكل موارب، لكن في حال عرض على التصويت فلن نقف في وجه مبدأ الديموقراطية، وليتحمّل كل فريق المسؤولية أمام الشارع».
بدوره، أعرب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عن معارضة الحزب لضريبة 2 على كل الواردات التي تأتي من الخارج، معتبراً أنها بمثابة ضريبة على القيمة المضافة بطريقة مغلَفة تحت عنوان الاستيراد، وأنها لا تحمي الصناعة اللبنانية بل الهدف منها زيادة الإيرادات»، وأكد خلال حفل تأبيني أننا «سنعمل بكل جهد من أجل إقناع الكتل النيابية المختلفة والتعاون معها كي لا تفرض ضريبة الـ 2 على الاستيراد وأن تستبدل بمداخيل أخرى يمكن أن تتوفر من هنا ومن هناك».
انفراج في «الجامعة»
وفي وقت اشتدت الأزمة بين عدد من المدارس ووزير التربية أكرم شهيب على خلفية حرمان بعض الطلاب من المشاركة في الامتحانات الرسمية، سُجل انفراج أمس، على خط الأزمة بين الدولة واساتذة الجامعة اللبنانية، حيث أكد وزير المال علي حسن خليل بعد اجتماع مع ممثلين الجامعة ووزير التربية «أننا وصلنا إلى طي صفحة الإضراب وجميع المجتمعين أكدوا أولوية الحفاظ على الجامعة ودعمها إلى أقصى الحدود». وشدّد على ان «الخلاصة ايجابية ولم نكن على الموجة نفسها إنما تبين الكثير من الأمور التي كانت تعيق التوصل الى اتفاق». بدوره رأى شهيّب اننا «توصلنا الى قواسم مشتركة حول بعض النقاط ووعود بشأن النقاط الباقية خصوصاً في ظل مناقشة الموازنة».
ثلاثة ملفات يحملها الوفد الروسي!
على صعيد آخر، يزور لبنان الأسبوع المقبل وفد روسي يضم ألكسندر لافرنتييف المبعوث الرئاسي الخاص إلى سورية وسيرغي فرشينين نائب وزير الخارجية الروسي، ويلتقي الرئيس عون ورئيسي المجلس والحكومة نبيه بري وسعد الحريري ووزير الخارجية، وكشفت مصادر عاملة على خط العلاقة الروسية اللبنانية لـ»البناء» أن «الوفد الروسي يحمل معه ثلاثة ملفات: الأول إعادة النازحين الى بلدهم ، والثاني إعادة الإعمار في سورية والثالث بحث الأوضاع السياسية العامة».
وأشارت المصادر الى أن «الوفد سيمنح المبادرة الروسية قوة دفع باتجاه تنفيذها بالتعاون مع الحكومتين اللبنانية والروسية وبالتنسيق مع الأمم المتحدة»، وأبدت المصادر استغرابها لإثارة بعض المسؤولين اللبنانيين ملف النازحين بطريقة سلبية تعرقل إعادتهم، كالحديث عن ترحيل إجباري أو اقتلاع لنازحين، موضحة أن «ما حصل في مخيم دير الأحمر حادث استثنائي وجاء كردة فعل على بعض الممارسات من قبل النازحين كإعمار بعض المباني داخل المخيم والاعتداء على آليات عسكرية»، كما أوضحت أن «هؤلاء لم يُرحَّلوا الى سورية بل الى أماكن أخرى بواسطة جمعيات وليس من قبل الأمن العام أو الأجهزة الأمنية اللبنانية»، داعية النازحين الى «التقيد بالقوانين اللبنانية».
وكانت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن، بحسب ما نقل عنها وفد من نقابة الصحافة تحذيرها من أن «الهجوم على النازحين واقتلاع 700 شخص من منطقة او قرية، سيسبب انعكاساً وتأثيراً سلبياً وخطيراً».
وخلال إلقاء وزير العمل كميل أبو سليمان كلمة لبنان في الدورة 108 لمؤتمر العمل الدولي لعام 2019 المنعقد في جنيف، انسحب الوفد السوري من القاعة.
وكان باسيل أكد من العاصمة البريطانية «ان لدينا 200 نازح سوري في الكلم المربع الواحد، كما أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين والسوريين باتت أكثر من نصف عدد اللبنانيين، ويأتي من يقول لنا إن لا حل إلا في انتظار الحل السياسي في سورية، وهذا ما نرفضه». وقال: «لم نعد قادرين على تحمل عبء النازحين. فالمساعدات التي تذهب لهم تسهم في إبقائهم عوض إعادتهم. وهذا ما يؤدي الى توتير الأجواء. واليوم بالذات أوقف جيشنا نازحين يحاولون العبور عبر البحر الى اوروبا، فالى أين يذهبون إذا لم يعودوا الى بلادهم؟».
وأكد انه «لم يستشرنا أحد في ما يسمى خطة سلام، ولا معلومات رسمية لدينا عنها، لكن ما نسمعه غير مشجّع، وحل الدولتين وفقا للقرارات الدولية هو الأنسب». واشار الى وجود قرار دولي يتحدث عن حق العودة للفلسطينيين «ونحن مع هذا الحق ونرفض التوطين وفق دستورنا، وعودة النازحين السوريين ممكنة لكن الغرب لا يشجعها، ونحن نطالبه بذلك».
ودعا السوريين الى «تحديد مستقبلهم وهوية قادتهم»، معتبراً أن «حل أزمتهم يكون وفق إرادة الشعب السوري وان إتمام المصالحة يجب ان يحصل عبر عودتهم الى سورية لحفظ التنوع، ثم إجراء الانتخابات وإعادة الاعمار».
وأكد «أننا لا ننحاز في سياستنا الخارجية لأي تحالف في المنطقة، بل ننأى بأنفسنا وبلبنان عن الصراعات، ولا أعني طبعاً الصراع العربي – الاسرائيلي. نحن نعمل لسياسة خارجية فاعلة وإيجابية ومستقلة وغير منحازة بشكل تلقائي لأي جهة أساسها المصلحة الوطنية».