هل تخطى اقتصاد قطر الأزمة الخليجية؟
كشف موقع «الجزيرة – نت» أنّ الاقتصاد القطري كان مستعداً تلقائياً إلى حدّ كبير للأزمة الخليجية، لعاملين أساسيين هما ضعف التركيبة البنيوية لاقتصادات دول مجلس التعاون، وبعض الميزات النسبية التي يتمتع بها الاقتصاد القطري.
وقسّم متخصّص السياسة النقدية والاقتصاد السياسي بمركز الاقتصاد الكلي ومعهد الفكر الاقتصادي المستجد بجامعة كامبريدج البريطانية خالد بن راشد الخاطر السياسات الاقتصادية التي تبنّتها قطر إلى نوعين: سياسات اقتصادية سليمة قبل الأزمة، وسياسات اقتصادية سليمة مضادّة للأزمة.
ففيما يتصل بالنوع الأول، يقول الخاطر: تبنّت قطر مبكراً سياسات اقتصادية كلية سليمة لاستغلال الموارد الطبيعية الضخمة وبناء اقتصاد حقيقي قوي وقادر على امتصاص الصدمات خلال عقدين أو أكثر قبل فرض الحصار، وذلك من خلال الاستثمار في:
أ ـ بنى إنتاجية، من خلال تأسيس أكبر بنية تحتية لإنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال في العالم، وهذا شكّل مصدر دخل مستقرّ لقطر إلى حدّ مقبول خلال الأزمات السابقة وخلال هذه الأزمة.
ب ـ بنى تحتية من شبكة اتصالات ومواصلات وموانئ ومطار حديثة ومتطورة، تربط قطر بالعالم الخارجي وتساعدها على تجاوز الحصار، والوصول إلى مصادر الاستيراد الأصلية والبديلة.
ج ـ بنى استثمارية، لضمان التراكم واستثمار عوائد القطاع الهيدروكربوني وتوزيعها جغرافياً عبر العالم، واقتصادياً عبر استخدام الأصول المالية والحقيقية كالنفط والصناعة وغيرهما لإدارة الدورة الاقتصادية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي في أوقات الركود والأزمات، وتنويع مصادر الدخل وحفظ حقوق الأجيال.
د ـ تبني سياسات احترازية كلية متحفظة لتحصين القطاع المالي مبكراً مع بداية ارتفاع أسعار النفط، وتحصين الدورة المالية مع بدايات العقد الماضي عامي 2003 و2004، وهذه شكلت درعاً واقية للقطاع المالي ضدّ الصدمات والأزمات المالية السابقة والحالية.
هذه السياسات والبنى التحتية تؤتي أكلها الآن وتشكل روافد لدعم استقرار واستمرار الاقتصاد القطري خلال هذه الأزمة.
أما فيما يتصل بالسياسات المضادة لهذه الأزمة، فيمكن تقسيمها بحسب الخاطر إلى:
أولاً – سياسات قصيرة الأجل لمواجهة أثر الصدمة وتعزيز استقرار قطاع الاستيراد والقطاع المالي من خلال الدعم والتدخل المباشر وتحويل خطوط ومصادر الإمداد إلى وجهات بديلة.
كما تمّ توسيع الطاقات التخزينية لأغراض الأمن الغذائي والإمداد اللوجستي لضمان تدفق السلع بالأسعار المناسبة، بالإضافة إلى ضخّ سيولة في القطاع المالي للتعويض عن خروج رؤوس أموال معظمها لدول الحصار وتعزيز استقرار العملة والاستقرار المالي.
ثانياً – سياسات متوسطة وطويلة الأجل، وتتركز حول العمل على تنويع الاستيراد والإنتاج، والاعتماد أكثر على الذات، والحدّ من الانكشاف على معظم دول الخليج، وبناء اقتصاد قوي بمعزل عن جيران لا يوثق بهم لتجنّب التعرّض للصدمات وزعزعة الاستقرار الاقتصادي مستقبلاً.
ففي القطاع الحقيقي، تبنّت قطر مجموعة من السياسات لدعم الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعات الخفيفة وجذب السياحة والاستثمار، وتنويع الشركاء التجاريين والماليين، وهي مستمرة في برامج البنى التحتية وكأس العالم، وفي «تركيم» وتنويع الاستثمارات الخارجية اقتصادياً وجيواقتصادياً لبناء علاقات على مصالح مشتركة مع دول مؤثرة على ساحتي الاقتصاد والسياسة العالمية .
كما زادت إنتاج الغاز الطبيعي لدعم الاحتياطات والنمو والثقة في الاقتصاد وتقوية علاقات قطر الجيواقتصادية، من خلال ربط صادراتها بدول مؤثرة اقتصادياً وسياسياً على الساحة العالمية.
ويبقى قطاعا النقل والسياحة الأكثر تضرّراً بالأزمة نظراً لظروف الجغرافيا، وقد تبنّت قطر سياسات لجذب السياحة ودخلت في شراكات مع بعض خطوط الطيران العالمية الأخرى.
وختم الخاطر: تقدّر التوقعات أن يصل معدل النمو السنوي للاقتصاد القطري على المدى المتوسط حتى العام 2020، إلى 3 يدعمه في ذلك ارتفاع إنتاج وأسعار النفط والغاز، والإنفاق الحكومي السخي على برامج البنية التحتية وكأس العالم، وسياسات دعم وتنويع الإنتاج في القطاع الحقيقي، مع فوائض في الميزانية والحساب الجاري تقدر بنحو 4.7 و8.7 على التوالي من الناتج المحلي الإجمالي، ومعدّل تضخم معتدل عند 2 حتى العام المقبل.
ويبقى التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد القطري على المدى الطويل هو التنويع بعيداً عن الموارد الهيدروكربونية الناضبة والمعرّضة لتقلبات أسعار الطاقة ومفاجآت التكنولوجيا وعلل الاقتصاد الريعي الكثيرة. والعنصر الأهمّ والتحدّي الأصعب في تنويع الاقتصاد هو بناء رأس المال البشري.