إن لم تستح فاصنع ما شئت…
د. شهناز صبحي فاكوش
وصل دي ميستورا إلى الساحة السورية يحمل مصطلح التجميد، رحبت سورية به كعادتها مع زائريها، كما ترحيبها بالدابي من قبل… الذي لم تقبل تقريره الهيئة العربية المدعوة بالجامعة العربية، فمارست دورها الحقيقي المفرّقة العربية .
كما رحبت بالأخضر الإبراهيمي مبعوثاً أممياً لكنه انحرف إلى ألوان كثيرة لصالح من يدفع أكثر.
قبلت سورية دراسة مبادرة دي ميستورا، دلالة قناعتها الراسخة بأنّ الحلّ لا بدّ يكون فيه شقّ حواري سياسي توافقي. ولأنها ترفض لو كان السوريون هم المختلفون في ما بينهم نظرية غالب ومغلوب… تنتظر من الرجل ردّ الآخرين. فهل له من قبولٍ واستماعٍ لديهم؟
سورية اليوم تقاوم حرباً ينبري لها رعاعٌ ولقطاء من أكثر من ثمانين دولة، تدعمهم عصابة كبرى، من دول سمّت نفسها عظمى، استمرأت الإجرام والقتل، عبر سياساتها على مدى قرون من الزمن. بدءاً من السلاجقة العثمانيين، إلى دول الاستعمار الأوروبي، ثم القاتل الأكبر أميركا.
أنشبت الأخيرة أظافرها في العراق، ولأنها تقلّمت بفعل المقاومة، تريد اليوم العودة عبر ما تشكله من غيمة فوقها والجوار، والحجة ضرب صنيعتها المتمرّدة «داعش» بطيرانها. وتدريب القوة العسكرية المشكلة بعد حلّ الجيش العراقي وتشتيته وشرذمته…
وقفت سورية عارية من أشقائها، لم يبق لها إلا الأصدقاء. تناثر العرب من حولها وجمّعوا بعضهم أعداء في تنفيذ مخطط، أسموه ثورة… لبست سيف القتل والحرق والشنق وتحطيم الوطن…
لو كانت ثورة لما حطمت مقدرات الشعب ومخدّماته من الأصول. ولما سرقت اقتصاده لتبيعه في سوق النخاسة بأبخس الأثمان.
منذ اللحظات الأولى، لو كان من حمل شعار المعارضة عقلانياً، لتنبّه لما يحدث. فالمؤامرة كانت مركبة ما بين الداخل والخارج، بدءاً من الهيئات الأممية، ومن أسمت نفسها بالعربية، وانتهاءً بأصغر مغرّر، حمّلوه السلاح إلى صدر أخيه…
لم يكن في كلّ ما حدث في الشارع السوري ما يدلّ على أنها ثورة… بالمفهوم الطبيعي للثورة… هذا الذي حمله كلّ السوريين في وجدانهم فثاروا لأجل الحفاظ على وطنهم، ومكوّناته التي لم تطلها الجماعات الإرهابية…
استكثروا على سورية عضيدها من الأصدقاء، فنشط الملف النووي الإيراني، ليُرفع له الكرت بألوان مختلفة، في كلّ مرحلة يكون فيها الجيش العربي السوري متفوّقاً على الأرض.
أشعلوا أوكرانيا بأحداث دموية مسلحة مفتعلة، ليلهبوا روسيا في محاولة إلهاء عن الأزمة السورية. لتعرية ظهرها من الأصدقاء. وكلٌّ له مصالحه.
حاولوا مدّ أذرعهم الإرهابية إلى الصين، والسبب واضح وجليّ، لمن لم يجمّد عينيه… فقد أغاظهم الفيتو المزدوج الذي حمى سورية، من أن تكون ساحة انزلاق كما العراق عندما غزوها…
خرج الشيطان من تلافيفهم، لينفث ما دعوه بالفتنة الطائفية، لكن الله أبى إلا أن يتمّ نوره في قلوب السوريين، الذين استعاذوا من شياطينهم وغيلانهم…
عمّموا الكذب والوهم عبر ما سخروه من إعلام فتّوا عليه من المال ما ينهي البطالة بين الشباب العربي قاطبةً… في تأدية لطقوسٍ همّها تحقيق حلم الصهاينة بتدمير الإنسان العربي والتراث والحضارة… تدمير التاريخ والآثار والأوابد.
نفوس غرقت في الوحل، في نكوص إلى العالم السفلي.. وسط خَرَس عالمي، وحرب هدفها النيل من وحدة إيماننا، وحياتنا المتجانسة عبر آلاف السنين… خدّروا العالم بترويج ما دعوه ثورة، لنشر ديمقراطية زائفة مدّعاة في الوطن العربي.
تكالبوا على سورية لضرب جلواتها الوطنية، وما تجذّر فيها من قيم وسلوكيات، وتحطيم للمفاهيم والثقافات خاصة منها المقاومة، ففيها هزيمة «إسرائيل».
تيبّست العقول وتصحّرت القلوب إزاء سورية، ولم تجد في درء ما حدث إلا من أرادوا ردّ الجميل لها، إزاء ثورة حبلى بالمؤامرات والتدمير المنظم، والإرهاب المدعوم، من أقرب الجوار والأشقاء.
وكما تخلع العاهرة ما يلفها، ألقى الكثيرون أقنعة الزيف التي تغطيهم، لتظهر أنيابهم تقطر من دم أبنائنا. وينبري متحدثوهم وممثلوهم في الهيئات الدولية، في رضوخ للمشيئة الأمييية، التي يخنعون أمامها كالتلميذ البليد، ليسوّقوا ما دعوه قرينة في تجيير إرهابهم إلى من يساند سورية ويقف معها رداً للجميل…
في خلافية كامنة ومتجاهرة يتحدث إعلاميوهم وبعض ساستهم، ليعلنوا أنّ «إسرائيل» ليست في موقع العدو الآن، وأنّ حزب الله منظمة إرهابية، في صفاقة متناهية، ليسرقوا بريق عيون الشهداء وبسملة فاتحة الكتاب على أرواحهم، في كسر للأقمار والنجوم التي أضاءت يوم انتصروا على الصهاينة في الجنوب.
حملوا مطرقة التواصل الاجتماعي والسلاح لتقطيع أوصال سورية، واليوم يتبارون على المنابر ليهشموا معاقل مقاومة صهيون، آتين بموجات الظلام على ألسنتهم، في تضليل مغر ومثير أمام عالم أصمّ أبكم… يتراقصون على ضربات الرق الأميركي فترنّ خلاخيلهم لتملأ جلبتها أروقة الأمم المتحدة.
مأساة العصر العربي يشهدها العالم اليوم، لأنّ سفهاء الأرض يعملون في نشر الحقائق الكاذبة، يختطفون ظلال الزيتون والنخيل… يستمهلون الزمن، ويزيدون من شقوق الأرض لتمتلئ دماً.
لكن منافذ النور تأبى إلا أن تخترق شبكاتهم العنكبوتية. فتمزق شرانقها وتكشف أسماءهم المستعارة، ومعلوماتهم المزيّفة، التمويه والتخفي حولهم حيوانات ناطقة.
ما زال الجرح السوري مفتوحاً يدلّ على عهرهم… لا خيار أمامهم وسط الجحيم الذي نشروه إلا أن يتجرّعوا الموت الزؤام، هم ينفّذون الهدم المبرمج عبر الأسماء المهولة التي تشظّوا بها لإيهام العالم أنهم كثر، وأن لا قدرة للجيش العربي السوري على مواجهتهم، وأنه لا بدّ من النيل من رأس البلاد.
نسوا أنّ الشعب السوري حطم أيديهم الباطشة… لذلك كمن يعافر سكرات الموت، يرشقون الأحرار بالكلام الثقيل، وغوغائية تتوجّس الرماد في الموقد.
يحاولون اليوم حرف التفكير عن «داعش» الإرهابية، وبلادهم متخمة بالمغالطات وكذا سياساتهم الخارجية، مسفهين سجايا قوى المقاومة التي تعاضد سورية في وجه قواهم الإرهابية، بمواجهة مزيفة حامضية، بحجة أنهم صدّروا القوانين ضدّ من أسموهم مجاهدين .
يسهّلون تسللهم إلى سورية، مشرّعين لهم بواباتهم الجهنمية على مداها، مساهمين في أنشطتهم المحمومة، لا تسترها ترهاتهم، أو تنصيب محاكمهم، أمراضهم النفسية تروي ضياعهم في متاهات التعليمات الأميركية والغربية… كجارية في يد نخاسها.
يعيدون على المسرح العربي، الفرز الطائفي ويقدمونه هدية مجانية لشركائهم بني صهيون، الذين يبدون ارتياحهم مهللين لهم… إنه اخطر التحديات الراهنة، فقد سقط معطف العاهرة لينتهي المشهد السياسي ويسدل الستار على عاصمة الحكمة في بلاد الرمال…
أَبعد كلّ هذه الرسائل المنشورة علناً… يمكن لأحد أن يتلمّس حسن النوايا؟
إنّ تحديد مسارات الحدث اليوم، أبرزت الخنجر المسموم الذي يحاول طعن الخاصرة، وإنْ كان واضحاً منذ اللحظات الأولى، لكنه اليوم أصبح أكثر جلاءً، لفضح زناة ليل شريعة الغاب… للعيان أجمع.
الكرامة الوطنية السورية تحتم على هذا الشعب العظيم الحفاظ عليها، بكلّ مكوناته من أصغر رضيع فيه إلى ممسك زمام مقاليده… الرجل الأشمّ الذي لم يساوم على قطرة من دم أبناء هذا الشعب الأسطورة، وجيشه البطل…
الجميع يفدي سورية الوطن ويحميها، في المقابل أصبح لزاماً على المتآمرين أن يرضخوا للإرادة الشعبية السورية. وليكن دي ميستورا شاهداً وموثقاً، فهل يعينه الآخرون كما أعانته سورية…؟
أما أرباب النار والدخان فلا يليق بهم إلا… إنْ لم تستح فاصنع ما شئت.