الفكفكة للمنطقة وإعادة التركيب والأمركة نكايةً بالروسي والصيني 1
محمد احمد الروسان
انّ الولايات المتحدة الأميركية، وعلى مدى وعمق، خطوط علاقاتها العرضية والرأسية، مع حلفائها المستهدفين لاحقاً من قبلها عبر شطبهم وإعادة تشكيل ورسم الدور الوظيفي الجديد لهم مجتمعين، في صراعها مع الروسي والصيني في المنطقة الشرق الأوسطية الملتهبة والمضطربة بفعل الإرهاب المنتَج والمصنّع والمهرّب الى الداخل السوري واللبناني والعراقي، وملاذاته الآمنة وحواضنه في جلّ دول الجوار السوري والمنطقة ككلّ، وما يُحاك للأردن، كنسق سياسي وجغرافيا وديموغرافيا من سيناريوات جديدة تقترب من الواقع، ويعمل الآخر على طمأنتنا وتهدئة روعنا، والمصيبة الكبرى أنّنا نصدّق قوله ورؤيته، وبفعل نفوذ وضغوط جماعات المحافظين الجدد والـ»إيباك»، في مفاصل صناعة القرارات السياسية والدبلوماسية العدوانية التدخلية والمخابراتية والعسكرية، داخل مؤسسات الدولة الولاياتية الاتحادية الأميركية.
تسعى من أجل اعتماد مذهبية أجندة سياسية خارجية أميركية شرق أوسطية، تدخلية عدوانية تصعيدية، لجهة توظيف فرصة الأحداث الإرهابية ومحاربتها، عبر تحالف الخراب الدولي، بجانب الاحتجاجات الأخرى الجارية في معظم ساحات المنطقة، من أجل بناء مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي أفشلته المقاومة في لبنان في حرب تموز 2006، والمقاومة العراقية، وصمود الدولة الوطنية السورية ونسقها السياسي والجيش العربي السوري، ومجتمع المقاومة في غزّة المحتلة وباقي فلسطين المحتلة، شرق أوسط جديد سوف يحقق استقرار وسلام وأمن في المنطقة من زاويتها ووجهة نظرها، لأنّه سوف يترتب على هذا الشرق الأوسط الجديد، إعادة ترتيب جغرافياته وما عليها من ديموغرافيات سكّانية، وفقاً لمواصفات جيوسياسية تقسيمية مستحدثة جديدة، وإدماج «إسرائيل» في بيئة المنطقة وضمان أمن المصالح الأميركية، لأنّ قوى الشر من زاوية محور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به، والمتمثلة أي قوى الشر في سورية، وحزب الله، وحماس، والجهاد الإسلامي، والمقاومات الشعبية الأخرى، وفي الدولة الإيرانية، وكوريا الشمالية، سوف تذهب… وتبقى قوى الخير.
المحزن المفجع في جلّ ما يجري في المنطقة، أنّ هناك ديناصورات عربية، تمتدّ من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين مروراً بالوسط، وبفعل عمليات التآكل العقلي، وعمليات التعرية الفكرية والدماغية، تحوّلت إلى أساطين حشرات طائفية، عرقية اثنية، تنادي بالوحدة والتحرر والإسلام على مقاسها وما يناسبها، وتروّج لهذه السلّة عبر الفضائيات العربية والعبرية والغربية.
وفي تقديري، أنّ الدبلوماسية الأميركية أصبح يتشكل لها إدراكات جديدة عدوانية، تدّعي أنّها واقعية إزاء الأحداث في الساحات السياسية في الشرق الأوسط وخاصة المنطقة العربية، وتعمل على تقديم الدعم المعنوي والمادي والعسكري الخارجي، لكلّ عمليات التعبئة السلبية الفاعلة، والتي تستهدف ساحات خصوم محور واشنطن تل أبيب، لجهة الساحة السياسية السورية تحديداً، وعبر وسائل الميديا الأممية وذات العلاقات الخفية مع المحافظين الجدد، ونسخهم الجديدة المستحدثة ومع «إيباك» داخل مفاعيل ومؤسسات القرارات الأميركية الشاملة، وعبر غرف عمليات دولية خارجية سوداء من فئة الخمس نجوم، تملك أذرع إعلامية مخابراتية أخرى، تسوّق لإسقاط الدولة السورية الحالية بنظامها ونسقها السياسي البنيوي، ولبعض وسائل الميديا العربية أدوار، بعضها ظاهر والآخر مخفي، حيث جلّها صار يلعب الدور الأكثر خطورة، لجهة إنتاج وإعادة إنتاج مخططات ومصطلحات، حملات بناء الذرائع وتصعيدات لحملات مشبوهة ضدّ سورية ولبنان والأردن والعراق، ولتصفية القضية الفلسطينية عبر سيناريوهات التمييع السياسي والديبلوماسي، من خلال إطلاق المبادرات والاستثمار في الوقت كاستراتيجية لخلق وقائع على الأرض يصعب التفاوض حولها لاحقاً.
المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأميركية على شاكلة: دينس روس، ديفيد ماكوفيسكي، ايليوت ابراهامز، دانيلا بليتكيا وجون ماكين ومعهم بعض العرب بداعشيتهم الحريريّة وغيرهم، يزعمون أنّ مشكلة السلام والمفاوضات في الشرق الأوسط، على المسار الفلسطيني تحديداً، لن يتمّ حلّها إلا إذا انهار النظام الحالي في إيران، وتقليم أظافر أذرعه في المنطقة، وهم بذلك يتقاطعون بل يتساوقون عبر تماثل كامل مع الموقف «الإسرائيلي»، حيث ترفض «إسرائيل» مسألة الفصل بين ملف السلام في الشرق الأوسط وبين ملف البرنامج النووي الإيراني.
العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، ترى انّ حماية الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، يبدأ باستهداف دمشق، حيث استهداف الأخيرة يضعف إيران وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، واستهداف دمشق – الأسد يتيح أميركياً و«إسرائيلياً»، استعادة تركيا إلى مكنونات خط علاقات واشنطن تل أبيب، كواليس العلاقات السرية على خطوط طول وعرض شبكات المخابرات الخاصة، بهذا المحور الفيروسي في المنطقة والعالم.
وترى واشنطن وتل أبيب، أنّ ما جرى ويجري في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، هو مقدمات يجب استنساخها في الجزائر وباقي دول المغرب العربي وفي الجزيرة العربية ولبنان، وآخر شيء الأردن في مرحلة متأخرة لارتباطه بالموضوع الفلسطيني، وإيران وتركيا لإعادتها إلى رشدها الأميركي «الإسرائيلي»، والصين وكوريا الشمالية وروسيّا، وسيصار إلى تطبيقها قريباً في السعودية وقطر وجلّ الساحات العربية الضعيفة والقويّة.
وقد تكون زيارة وزير الدولة لشؤون الدفاع في قطر السيّد العطيه يرافقه مدير المخابرات في قطر، ولقاؤهما هيغل وزير البنتاغون وجون برينان تقع تحت هذا السياق المهندَس لاحقاً، ولبحث ما جرى في قمة الرياض الاستثنائية والتي قد تكون استعادت قطر الى الحضن الخليجي، وهل واشنطن تخلّت عن «الإسلام السياسي» وتحديداً التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين»، وخاصة بعد اعتقال رمز الاعتدال في الجماعة في مصر الدكتور محمد علي بشر، واعتقال رمز الصقور في الجماعة في الأردن الشيخ زكي بني ارشيد على خلفية بضعة أسطر بحق دولة الإمارات وقائمتها للإرهاب على صفحته على «فيسبوك»؟ بالرغم من أنّ هناك معلومة تقول: إنّ اتجاهاً ما في الدولة الأردنية دفع إلى هذا الاعتقال ليخدم ارشيد نفسه ليكون المراقب المقبل للجماعة في الأردن وعبر الانتخابات، إنفاذاً لتفاهمات اشتركت أطراف محلية واقليمية ودولية في صياغتها، وبعد سلسلة تفاهمات عميقة قد يكون محمد مهاتير محمد الماليزي قد ترك أثراً فيها على مدار أشهر سابقة لتجيء زيارة ارشيد الأخيرة إلى ماليزيا، ويخرج منها كأمين عام لمنتدى كوالالمبور برئاسة مهاتير محمد نفسه، وعضوية كل من محمد عثمان طه وياسين أقطاي نائب أردوغان نفسه، كما تجيء زيارة الأمير متعب بن عبدالله إلى واشنطن في هذا الاتجاه أيضاً ولغايات هندرة المُلك بضم الميم في السعودية.
وكلّ ذلك يتمّ من خلال الأدوات والعمليات المخابراتية القذرة، والتي تشمل الأدوات الاقتصادية، عبر تقديم الدعم المالي لأعداء محور الممانعة والمقاومة، وعبر الأدوات العسكرية تلويحاً وتهديداً مستمراً، بتفعيل الوسائط العسكرية مع استخدامات الأدوات الإعلامية، ذات حملات بروباغندا اتصالية ذات مهنية عالية الدقة، كي يؤدّي كلّ ذلك إلى خلق رأي عام عربي وإقليمي ودولي، معاد ومناهض لوجود الممانعة والمقاومة، ولكي تتماهى سورية مع رؤى محور الخراب وسياساته.
المذهبية الدبلوماسية العدوانية الأمنية السوداء الجديدة لواشنطن، ذات الأدوات الآنف ذكرها، ستوظف لخدمة الوسائل السياسية الشاملة، لوضع خارطة طريق متعرّجة لعمليات الاستقطاب، وإعادة الاصطفاف السياسي والعسكري في سورية وفي المنطقة عامةً، كي تتمّ إعادة إنتاج مجتمع تحالفات سياسية واسعة النطاق، لجهة المنطقة والداخل السوري ومحيطه ضدّ المقاومات والممانعات، وضدّ كلّ من سورية وإيران وتركيا بنسختها الجديدة لاحقاً.
انّ «إسرائيل» نجحت حتّى الآن لجهة توظيف وتسخير، كلّ قدرات الديبلوماسية الأميركية والبريطانية والفرنسية وبعض العربية المعروفة لاستهداف سورية، مع دفع واشنطن إلى المشاركة الفعلية في الترتيبات العسكرية الأميركية الجارية في منطقة الخليج وشواطئ إيران الجنوبية.
كما تمّ الاتفاق والتفاهم ضمن محور واشنطن تل أبيب ومن تحالف معه من دول المنطقة، على ربط الرادارات الأميركية الجديدة والقديمة المنصوبة في مناطق الخليج، بالرادارات العبرية رغم بعض التمنّع الخليجي، الاّ أنّ واشنطن ضغطت باتجاه، ما تمّ التوافق عليه ضمن دوائر مؤسسات محور واشنطن تل أبيب، كما تمّ البدء بنشر غوّاصات نووية «إسرائيلية»، ضمن مسار الأساطيل البحرية العسكرية الأميركية، الفاعلة والناشطة قبالة شواطئ جنوب لبنان وشواطئ إيران الجنوبية، ومن هنا نتفهّم تنويه قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي في رسالته إلى العسكريين بمناسبة عيد الاستقلال، بأنّ العدو الصهيوني يسعى الى انشاء منطقة بحرية عازلة على الشواطئ اللبنانية.
انّ ديبلوماسية الولايات المتحدة الأميركية الخارجية، لجهة الشرق الأوسط خاصةً، في ظاهرها ناعمة خلاّقة تعاونية، وفي باطنها تخفي السمّ الزعاف في حية رقطاء، وما يمكن ملاحظته إزاء ديبلوماسية واشنطن التالي:
أنّها في ساحات خصومها تصعّد، وساحات حلفائها، تدفع باتجاه التهدئة والاحتواء، إلى حين نضوج ظروف مصالحها لتصعّد فتنجز، كما أنّ الهدف الأميركي في جانب منه، يهدف إلى إشاعة النموذج الديمقراطي الأميركي، وذلك عبر تنوير الشعوب العربية في ساحات الخصوم وغيرها، ودفع المواطنين العرب، إلى جعل معظمهم موال لسياسات العاصمة الأميركية الخارجية، ومن أجل ذلك عملت أميركا على وضع أكثر من ثلاثمائة برنامج للتثقيف، وتحت شعار دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتنمية المجتمعات، وتعمل على تنفيذها في الساحات العربية، في مجالات التربية والتعليم والثقافة والإعلام، ورصدت الأموال اللازمة لتنفيذ ذلك عبر department of state، فهي المسؤولة عن مثل هكذا برامج خارجية، كما سعت وتسعى واشنطن إلى إنشاء أحزاب سياسية معارضة، تمهّد لصناعة وإنتاج سياسيين جدد على شاكلة الروبوتات، وتشكيل منظمات غير حكومية شبابية «ديمقراطية» موالية لواشنطن.
وتتحدث معلومات ديبلوماسية خارجية أنّ واشنطن تسعى، إلى تشكيل لوبيات عربية خاصة قويّة، ضاغطة على الحكومات ومؤسسات القرار، داخل الدول العربية، من رجال أعمال عرب يؤمنون أنّ ادارة الدولة مثل إدارة الشركات، ورجال قانون وسياسة من الذين تخرّجوا من الجامعات والمدارس والمعاهد الغربية، ودفعهم إلى تغيير القوانين والتشريعات العربية، على أن تكون على طريقة العمّ سام الأميركي الطريقة الأميركية المثلى، وإصلاح التعليم والتربية عن طريق البرامج الأميركية، وفقاً للرؤية الأميركية المتطرفة بسمّ زعافها، مع توزيع ونشر الكتب الأميركية وفتح المدارس الأميركية الخاصة، في مرحلتي التأسيسي، الابتدائي والإعدادي ثم الثانوي، وهذا ما نلاحظه في الأردن مثلاً، مع دخول منظمة وكبيرة للفتيات العربيات كطالبات، ومدرسات في هذه المدارس, والهدف من كلّ ذلك، إنشاء جيل بفكر أميركي صرف موال لواشنطن، وعبر الصداقات الخاصة والعلاقات المخفية عن العامة مع الأنظمة الحاكمة العربية، وعلى وجه التحديد في دول الخليج حيث تسعى أميركا إلى تمهيد الطريق إلى نشوء أحزاب معارضة أو بديلة ومنظمات غير حكومية، ومزيد من نقابات مختلفة تدور على مشارف الرؤية الأميركية إنْ لم تكن في صلبها.
هذا وتشجع واشنطن الشباب العربي على الدخول في مثل هكذا أحزاب ومنظمات، مع وجود خطر كبير لدخول أعضاء إرهابيين ومتطرفين إلى هذه الأحزاب والمنظمات غير الحكومية.
من ناحية ثانية، انّ الكثير من المعارضين العرب تمّ تدريبهم ورعايتهم وتأهيلهم وتوجيههم في الولايات المتحدة الأميركية، من بينهم صحافيون، رجال قانون، مراقبون للانتخابات المحلية في بلدانهم، كلّ ذلك مع سعي حثيث لواشنطن، للتعاون مع النقابات المهنية والحركات العمّالية في البلدان العربية.
هناك برامج أميركية تنفذ عبر الخارجية الأميركية، لتغيير النمط الشرقي التقليدي العربي واستخدام النساء للضغط، على أبائهن وأزواجهن وأقربائهن، من أجل الدخول في اللعبة السياسية المحلية، وجعلها بنمط ليبرالي على الطريقة الأميركية، في ساحات نشوئهن وعيشهن، وهناك اهتمام كبير في تأهيل الفتيات العربيات، من مستويات عائلية حاكمة في المجتمع، ومن النخب المثقفة عالية التعليم والانفتاح على الآخر، وعلى وجه التحديد أيضاً في الخليج، حيث هناك الكثير من النساء تمّ انتخابهن تعينهن، في البرلمانات المحلية والهيئات الأخرى، في كلّ من تركيا، الأردن، مصر، سلطنة عمان، البحرين، الكويت، قطر والإمارات العربية المتحدة.
محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com
mohd ahamd2003 yahoo.com