حلب «صفقة الصفقات» أم أمّ المعارك؟
طاهر محي الدين
إلى أهلي في سورية وفي حلب تحديداً، في ظلّ مختلف أنواع التحريض الإعلامي والمذهبي والمناطقي والطائفي، التي عُمل ولا يزال يُعمل عليها يومياً لإثارة الشحناء والكراهية وإذكاء الشعور لدى أهالي مدينة حلب الشهداء بأن الدولة تركتهم لمصيرهم المظلم والمؤلم، وأنها ستستعملهم في صفقة ما لبقاء النظام، وإن الدولة أنكرت وجحدت صمودهم الأسطوري الكبير الذي سيسطر له التاريخ ويكتب له موسوعات ومجلدات، وأن هذا النظام يصب اهتمامه فحسب على دمشق والساحل، ذاك الساحل الذي معظم قاطنيه من «طائفة معينة». وأن حلب هذه التي كانت ذات يوم تلبس السوريين وتصنع معظم حوائجهم، باتت آخر اهتمامات الدولة والقيادة… والكثير الكثير من تلك المعاني الفتنوية الطائفية المذهبية البغيضة.
أما تبين لكم اليوم يا أهالي حلب الشرفاء أن حلب هي عين الدولة وقلبها، وأن القيادة ما كانت لتترككم وحيدين، وأن هذا النظام فيه من الوفاء ما يكفي لتكونوا في قلبه وقبلة اهتمامه، وأن هذا النظام الذي أركع عتاة الاستكبار العالمي هو أذكى من أن يفرط بحلب التي تعد بوابة العبور وصلة الوصل بينه وبين أوروبا والعالم الغربي كلّه؟ أما ظهر لكم أن هذا النظام أدخر لمعركة حلب «أم المعارك» أخبر وأمهر وأشجع قادة جيشه ليطهر حلب من رجس الإرهاب والإرهابيين وبأقل خسارة ممكنة. وأنّه استخدم جميع الوسائل لإيصال المعونات الغذائية والدوائية عبر طريق فتحه بأجساد شهدائه من أبناء جيش الوطن الجيش العربي السوري. فليعلم أهلي في حلب الشهباء أن هذه الأيام القليلة المقبلة ستشهد من حلب انتصارات متتالية عند طلوع فجر كل صباح وعند أفول شمس كل مغيب.
آلمتني مثلما آلمت الكثير من السوريين صور الدمار والخراب والإرهاب التي لحقت بحلب أم التاريخ. ولكن يؤلم أكثر أن يصدر كلام من أهلي في مدينة حلب، أهل الصمود والوفاء والشموخ، كلام لا يرقى حتى إلى الجنون أو فقدان العقل وفحواه أن القيادة السورية تترك حلب تحت ضربات الإرهاب والتدمير ووطأة الذل والمهانة وتتركها ورقة أخيرة للبيع ضمن مفاوضات في حال وجد النظام نفسه في زاوية ضيقة أو قاب قوسين من الانهزام، وعندئذ يقدم حلب ورقة تفاوض ليضمن بقاءه.
يا أيها السادة، يا أيها العقلاء، يا أيها الشرفاء، يا أهالي حلب الأوفياء، يا أمهات وآباء الشهداء، يا من رسمتم أكبر وأروع وأغلى لوحات التضحية والفداء، إن كان الأمر مثلما يقول الواهمون والمتخاذلون والمشتبهون، والذين عجزوا عن إلحاق الهزيمة بكم خلال سنوات ثلاث وأفشلتم تآمرهم كله بجعلكم سكيناً في ظهر سورية، لِمَ ينتظر هذا النظام كما يدعي الأدعياء كي تدك الشام والساحل السوري، مثلما يدعي مجرمو التضليل الإعلامي؟ ولِمَ لا يولي اهتماماً إلا لهاتين المنطقتين ويتعرض يومياً لقذائف الإرهاب فيهما، ويسقط فيهما من الشهداء ما يسقط، ويحمل ما يحمل، وضحى بخيرة ضباطه من ذوي العقل والحكمة؟ هل ليسلّم حلب بصفقة لتبقى، ولقيم دولته في تينك المنطقتين؟! هل يعقل أن يقيم دولته على أنقاض مدن؟!
هذا من ناحية، ومن جهة ثانية، لِمَ لم يَبِعْ هذا النظام ببيع البلد كله وليس حلب فحسب عند أول فتيل مشبوه ويسلم البلد إلى الإرهاب يعصف به وترك الشعب يقتل بعضه بعضاً، مثلما يحدث في ليبيا واليمن، وفر مثل الخونة في العالم، وأصر على البقاء صامداً، صائناً قسمه وعرضه وأرض بلاده التي ائتمنه عليها السوريون.
هذه الأسئلة كلّها أجوبتها متروكة لكم، لضمائركم، ولعقولكم التي أركعت العثماني الطوراني، في التجارة فكنتم أشهر تجار العالم فزرعت فيه حقداً دفيناً عليكم وقرر أن تحطيم صناعاتكم التي كانت وستظل فخر الصناعة السورية والعربية والمنافسة الأولى لما يصنع في بلده، فسرق منشآتكم وحطم اقتصادكم، فقط لأنكم لن تركعوا، ولإنكم اخترتم العز والوفاء والشرف منذ بداية الحرب على سورية، وصمدتم ثلاثة أعوام خلف قائد الوطن وجيش الوطن، لأنكم أهل الوطن وأبناؤه.
لذلك أنتم المطالبون اليوم بإخراج هؤلاء المنافقين الأفاقين الخونة المأجورين العملاء من بين ظهرانيكم، لتئدوا الفتنة في أرضها، وتجتثوا دابر الإرهاب والتآمر على وطنكم أولاً ومدينتنا الأغلى ثانية، وأن تكونوا دوماً على العهد مثلما كنتم أهل الوفاء وأهل العهد، وتؤكدوا الولاء المطلق للوطن وقائد الوطن وجيش الوطن، وليكن في علمكم وفي إيمانكم اليقين أن جيش الوطن وقائد الوطن لا يعتبرون حلب إلا قبلة وقلباً، ولا يحيا الجسد إذا فقد قلبه.
كنا نقول دوماً إن معركة حلب هي أم المعارك، وفيها سيدحر الإرهاب ويدفن إلى أبد الآبدين، ومنها سيعلن الانتصار المؤزر لمعشوقتنا سورية، فصبراً، فما نصرنا إلاّ صبر ساعة، وما هزائم الإرهابيين إلاّ في كل ساعة.