التاريخ لا يرحم…
عبير حمدان
يتزايد الإبداع السلطوي في بلد يقف على حافة الانهيار الاجتماعي والبيئي والاقتصادي ولا يحصد أبناؤه سوى الشعارات الرنانة التي باتت مادة للتقاذف بين الأفرقاء حيث كلّ طرف ينسب الإنجازات لنفسه رغم أنها إنجازات وهمية وغير ملموسة على أرض الواقع.
وإذا ما استعرضنا الوقائع نجد أن ما تمّ الإعلان عنه حول «مكافحة الفساد» لم يُترجم بخطوات فعلية ولم يخرج من دائرة المنابر التي يعتيلها أهل السلطة في جولاتهم من مناسبة الى أخرى ومن احتفال هنا وآخر هناك…
ومن ينادي بالإصلاح عليه أن يبدأ مسيرته من هموم الناس التي يصعب حصرها أو تعدادها، ومن أين يجب أن نبدأ؟ ونحن نعيش بين القنابل الموقوتة المتمثلة بجبال النفايات المنتشرة في كافة المناطق وآثارها المؤذية لكلّ ما هو حي، ونخشى من فكرة «البطالة» التي تطال كلّ بيت، ونفكر في إمكانية أن تحصد حوادث السير المميتة المزيد من شبابنا في ظلّ غياب تأهيل الطرقات وإنارتها. وماذا نقول لجيل لا يجد مكاناً لشهادته الجامعية سوى على حائط منزله حيث ممنوع عليه الحلم بوظيفة في القطاع العام إنْ لم يرفد «حلمه» بتوصية وفقاً لمذهبه وطائفته أو إنتمائه السياسي!
عشية العيد اختار الإرهاب ضرب الأمن وسقط شهداء من الجيش والقوى الأمنية والطامة الكبرى أنّ من يُفترض أنهم في موقع المسؤولية برّروا الأمر «بالوضع النفسي الغير مستقرّ» على طريقة الأفلام الأميركية، فمن يحفظ حق أصحاب الدماء في ظلّ المنطق الاستنسابي لأهل السلطة.. وكيف للمواطن أن يشعر بالأمن فيما الفكر الداعشي يتغلل في نسيج المجتمع ويظهر وفق الحسابات المذهبية لحصد المكتسبات؟
من جهة ثانية يستمرّ المسلسل من باب «مكافحة الفساد التربوي» ليدفع جزء كبير من طلاب المرحلة المتوسطة ثمن تجاوزات لا ذنب لهم فيها، والسؤال الأهمّ هو لماذا الآن ومن سمح بهذه التجاوزات من أصحاب المدارس «الوهمية» كما قيل ومن موظفي وزارة التربية على حدّ سواء؟ وهل يجوز تحطيم الأمل في نفوس جيل وحرمانه من فرصة النجاح ولا من يصغي إلى صرخته الاحتجاجية التي لا يملك سواها في وجه «الإبداع السلطوي» القائم؟
لعلّ هذه الأسئلة ستبقى معلقة في فضاء فارغ ذلك لأنّ الضجيج الإعلامي سيخبو مع الوقت حين يتصل الأمر بالجانب الواقعي والإنساني، ومن هنا لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة التركيز على كيفية الحدّ من «فساد» جزء كبير من الجسم الاعلامي الذي يعتمد الاستعراض أسلوباً ويصل به الأمر أن يجعل من «إرهابي» بطل دون أن يرفّ له جفن أمام تضحيات الشهداء الذين ارتقوا في مواجهة من شرعوا قتل الأبرياء وتدمير بلادهم باسم «الثورة»! وفي مكان آخر يفتح الهواء «لعميل برتبة أميركية» لم ينكر مواقفه المعادية للمقاومة محورها، ولعله تمهيد لفكرة «حقهم يرجعوا» التي تزامنت مع ذكرى عيد التحرير…
فهل هناك من يقرأ بين سطور هذه الوقائع المتنقلة إلى أيّ دِرك وصل بنا الأمر في زمن تحكمه سلطة جزء كبير منها مرتهن لجهات خارجية ماضية في التفتيت والتدمير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الممنهج، وجزء آخر يلتزم المهادنة حيناً والصمت أحياناً خشية على بدعة «التعايش» غافلاً عن قاعدة أنّ التاريخ لا يرحم من لا يستثمر انتصاراته في خدمة مجتمع احتضنه وآمن به…