الإغراءات والضغوطات في «مكيدة» صفقة القرن…!
كمال حميدة
كانت التوقعات توحي أنّ المغرب والأردن لن يشاركا في «مؤتمر المنامة»، لكن في الساعات الأخيرة يبدو أنّ موقفهما قد تغيّر. مسؤولو البيت الأبيض أعلنوا أنّ حكومتي الرباط وعمّان ستحضران «الورشة» الاقتصادية في عاصمة البحرين، على الرغم أنّ السلطة الفلسطينية المعنية أكثر من غيرها بهذا الملف قد حذرت الدول العربية من المشاركة في هذا «التجمع» الاقتصادي ومخاطره على مستقبل وحدة القضية الفلسطينية، دون أن تخفي تخوينها لكلّ فلسطيني موجود في الداخل أو الخارج يخرج عن قرارها، مع أنه لأول مرة يلقى هذا القرار إجماعاً فلسطينياً سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً.
المغرب بحكم أنه يرأس لجنة القدس منذ عام 1975، كان وجهة في زيارة مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر إلى المنطقة العربية، برفقة كلّ جايسون غرينبلات، الممثل الخاص لترامب للمفاوضات الدولية، وكذلك الممثل الأميركي الخاص لشؤون إيران في وزارة الخارجية براين هوك، وهو ما أثار تساؤلات عن طبيعة الوفد الثلاثي في مهامه الوسطية لإقناع المسؤولين المغاربة من أجل العدول عن تحفظهم في المشاركة، كما أنّ اللافت أكثر أنّ الأمور تتخطى قضية مساعي التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى ملف التوتر الأميركي والإيراني في المنطقة الإقليمية، والمحاولات الأميركية للبحث عن حشد أكبر عدد من الدول في دعمها لفرضها عقوبات اقتصادية على إيران ومحاصرتها، بهدف إذعان طهران على التنازل عن الاتفاق النووي الذي أبرمته هذه الأخيرة مع الدول الكبرى الست عام 2015 والدخول في مفاوضات مع واشنطن بشروط جديدة، دون تجاهل أنّ ممثلي الإدارة الأميركية لا يمكنهم حث المغرب أو دولة أخرى على الانضمام في أيّ ملف إقليمي خارج تقديم تنازلات سياسية مقابل إغراءات المساعدات المادية لتمرير مشاريعها التوسعية وأطماعها لمصلحة امبراطوريتها وحلفائها، لا سيما في هذا الظرف الدقيق والحساس.
فالمملكة المغربية تحفظت بتمثيلها في عضوية المشاركة في هذا «الملتقى» المزمع عقده في أواخر الشهر الحالي، غير أنّ زيارة كوشنر كانت لها تداعياتها على تحريك مياه الموقف المغربي من مجراه الطبيعي الثابت، إلى منحى قد يساعد المغرب في التغلب على خلافات معينة من بوابة البحرين، كالبحث في إعادة الدفء في العلاقات مع السعودية والإمارات العربية بعدما سادت بينهم سحابة باردة، بسبب الاتهامات والشكوك في التعاطي في حرب اليمن، ما طفا على السطح بسحب القوات المغربية من دائرة التحالف العسكري «عاصفة الحزم»، فضلاً عن التصريحات المتبادلة بين الرباط وأبوظبي التي ألقت بظلالها على التأزّم الحاصل بين البلدين. وفي ضوء هذه التطورات البينية لم يكن الشارع الشعبي غائباً عنها، لا سيما إذا تعلق الأمر بمصير وهوية حقوق الشعب الفلسطيني، وذلك بإبداء موقفه الصريح من «الورشة» البحرينية، من خلال الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها الدار البضاء أمام القنصلية الأميركية والعاصمة الرباط ومدينة أغادير قبيل استضافة كوشنر وبعدها، حيث بعثت نداءاتها رسائل قوية موجهة ضدّ انخراط التمثيل الرسمي في اجتماع مشبوه بنوايا مبيّتة لا يعكس الصورة الحقيقية لتسوية شأن الوضع الفلسطيني، وإنما في أبعاده يرسم مخططاً مدروساً إضافياً لالتهام حقوق الفلسطينيين المشروعة وأبرزها إلغاء عودة اللاجئين، عبر إغراءات مالية استثمارية باهظة الأثمان أو وعود مسبقة تقوم حكومة الكيان العبري في ما بعد بتجميدها أو تحويلها إلى حساباتها بالخزينة بمبرّرات مصطنعة وواهية، وذلك على غرار اتفاقيات مبرمة سالفة.
وفي ظلّ أجواء التحضير لـ «منتدى المنامة» كان الملك العاهل المغربي محمد السادس استقبل نظيره العاهل الأردني عبد الله بن الحسين، وكلاهما معنيان بالمشاركة تحت الرعاية الأميركية والترحيب السعودي والإماراتي، وكلاهما يعترفان أن لهما صلة مؤثرة في الدفاع عن مدينة القدس. فالمغرب يترأس لجنة القدس منذ أكثر من أربعين عاما، إذ انه يقوم بالاطلاع على جميع التقارير المتعلقة بالاختراقات والتجاوزات بشأن الأوقاف ومواقع المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وحرصه ببذل الجهود في حمايتها في إطار القوانين والبنود المنصوص عليها. أما الأردن فهو لا يزال يحتفظ بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس منذ عام 1924، وهو من يشرف على مراقبة أعمال الترميم وتمويل رواتب الموظفين الإداريين. لكنه في الآونة الأخيرة خطت السعودية نحو سحب الصفة الأردنية في هذا الملف، وكان موقفها قد برز خلال الاجتماع البرلماني العربي في المغرب عام 2017، عندما اعترض الوفد السعودي عن حديث النواب الأردنيين عن تأكيدهم على وصايتهم الهاشمية على القدس، واقترح منح الوصاية بعداً إسلامياً أوسع، وقد فسّر هذا الاعتراض أنّ ثمة خلافات بين الرياض وعمّان في مسألة الوصاية، لكن تبيّن لاحقاً أنّ الولايات المتحدة تقف إلى جانب دعم السعودية، بل وتدفعها نحو تقاسم الإرث الأردني في الحرم القدسي، وعدم استبعاد واشنطن ممارسة الضغوط على الأردن بالتنازل عن حقه، وهو يتلقى مساعدة اقتصادية تصنّف قيمتها من بين الأوائل في الدول العربية التي تحظى بالعون المالي الأميركي سنوياً.
وعلى صعيد الإغراءات مقابل التنازلات، فالضغوطات الأميركية ستكون الوسيلة التي تلجأ إليها واشنطن لنجاح «ورشة البحرين»، اعتماداً على المساعدة الاقتصادية التي تحصلت عليها المغرب مؤخراً من الأميركيين وهو لم يكن نبأ عابراً أو حدثاً مألوفاً لدى المغاربة على شاكلة السنوات المنصرمة، بعدما كانوا يشككون في الحصول عليها بعد ترقب مديد، جراء جهود مفاوضات الصحراء وفتور العلاقة مع بعض دول الخليج. أما المملكة الأردنية التي تواجه تحديات اقتصادية صعبة، فالديون البالغة بأربعين مليار دولار تشكل عبئاً مالياً وكلفة باهظة لتسديد أرقام حجمها، وبسببها قد يتخذها المسؤولون الأميركيون ورقة ضاغطة على الأردنيين مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين، ناهيك عن الحرص مستقبلاً بضمان تحسين العلاقات وتمتينها مع الرياض، خصوصاً أنّ هذه الأخيرة قد قلصت مساعداتها المادية إلى حكومة عمّان إثر وعد قطعته السعودية في اجتماع الدول المانحة للأردن بلندن خلال شهر شباط الماضي، على خلفية محاولتها للمشاركة بالمناصفة في إدارة الحرم الشريف في القدس.
والحاصل ذكره، أنّ المغاربة الذين أعلنوا تضامنهم اللامتناهي مع الشعب الفلسطيني في مسيرة نضاله وتحرّره في بيان تأسيس لجنة القدس في القمة الإسلامية بالمغرب عام 1975 فهو على وشك الوقوع في «مكيدة» صفقة القرن، عبر الضغوطات الأميركية ـ الصهيونية بالاعتماد على المخزن الملكي باللعب الدور الوسيط في حث الأردن على التنازل على الوصاية الهاشمية في العاصمة الفلسطينية المحتلة. ومن جهة أخرى أنّ قبول المملكة الهاشمية التي تضمّ نصف مواطنيها من أصول فلسطينية وتأوي على أراضيها قرابة مليون لاجئ فلسطيني بالتنازل جزئياً عن التركة التاريخية للأسرة المالكة لصالح حكم آل السعود، وهو ما يضعف مركزيتها المحورية في الإشراف على إدارة الأماكن المقدسة مستقبلاً، وفي آن واحد يضع النخبة المالكة الحاكمة أمام موقف يصعب تحديد تقييمه، خاصة أنّ الأمر له بعد عميق في الأوساط الشعبية والصلة التاريخية بالمدينة المقدسة.