قالت له
قالت له
قالت له: أتشاركني القول إن ما يحدث معنا غريب أم هو حال كل من يحب. فكلما التقينا وكنا بشوق للقاء لا نلبث أن نتخاصم وبقسوة وتعلو أصواتنا وما بيننا من قضية لخصام، ولا نكاد نفترق حتى يصيبنا الشوق بالمرارة والألم ويبحث كل منا عن سبب يتذرع به للمبادرة للاتصال، لكنه يضيع الوقت بانتظار أن يسبقه الآخر، ونعود فنلتقي ونتصالح ونتفق على أنها كانت خصومة بلا مبرر، لكننا لا نلبث أن نعيد الشجار ومرة تلو مرة يصدر عنا بحق بعضنا البعض كلام لا يشبه حقيقة ما يشعر به أحدنا نحو الآخر ولا يمثل صدق تقييمه له وتصل الاتهامات التي نتبادلها حدّ الظن أننا أعداء لو وضع بين أيديهم سلاح لقتل أحدهما الآخر، وأن الواحد منا بنظر الآخر ليس إلا عبئاً ومذمة ونقطة نقص ونعتذر لبعضنا ونتراجع عن أقوالنا ثم نعيدها. فهل هي دوّامة لا مفر منها أم أننا نذهب للهاوية، ولا ننتبه وسنخسر ما نظنه أجمل ما فعلناه في حياتنا، لأننا لا نملك القدرة على السيطرة على هذه اللعبة الجهنمية وقد صارت أقوى منا وقادرة على الفتك بكل شيء جميل يجمعنا أم أن باليد حيلة؟
قال لها: المشكلة الأعظم أنها ليست المرة الأولى التي نناقش فيها حالنا ونكتشف خطايانا ونعترف بالحاجة للسيطرة عليها ونكتشف مبالغاتنا ونتفق على ما يجب فعله وما لا يجب قوله، لكن كل ما نقوله لبعضنا البعض في ساعة الاتفاق يتوه في النسيان عندما ينفجر الصراخ وتنفلت العصبية من السيطرة وتندلع الاتهامات.
قالت: وهل مِن طريق غير ما قرّرناه وفشلنا؟
قال: ربما.
قالت: يا ليتنا نجد طريقاً.
قال لها: أظن أن ما نقوله في حال الغضب هو بعض ما في دواخلنا، ولكن ليس بتلك البشاعة التي يخرج فيها بالصوت العالي. فالقلق على الحب ترافقه الشكوك، والشعور بتملك الحبيب تحميه مشاعر احتكار الحبيب، والثقة بصدق الحب تنتعش بالتعالي والغرور في التضحية لأجل الحب وتزهو بادعاء التفوق في الحب والتضحية وما يعنيه من اتهام الحبيب بالتقصير والتخلي والتهاون. وتصير الشكوك والاتهامات والمقارنات والادعاءات مشاعر داخلية بين الحبيبين تخرج بالصوت العالي في لحظة انفجار وخلفيّتها تمسّك أعمى بالحب وأما الانفجار فهو لحظة اشتباه بين الشوق والغضب وصعوبة التمييز بينهما. فالشوق هو احتجاج على الافتراق والابتعاد، ولأن الابتعاد ليس شخصاً فنصبّ الغضب على الشخص الواقف أمامنا، ونفرغ شحنات الشوق غضباً.
قالت: رغم ما تظهره تحليلاتك مقدار كوننا أغبياء، فسؤالي هل من طريقة لتفادي النتائج المؤلمة لما نحن فيه؟
قال لها: إذا قبلنا التفسير يصير علينا أن نبدأ فور اللقاء بتبادل تعابير الغزل والعناق والتعبير عن جماليات ما يراها كل من منا في الحب والحبيب حتى نهدأ من توتر الشوق والابتعاد وأن نتبادل الأدوار. فبلا من أن يتحدث كل منا عن تضحياته فليتحدّث عن تقديره لتضحيات الحبيب وبدلاً من أن يتحدّث عن نواقصه فليتحدّث عن نواقص نفسه.
قالت: موافقة شرط أن تبدأ أنت.
قال: وإن بدأت ستكملين؟
قالت: سأقول لك أليس هذا ما كنت أتّهمك به عن نفسك، وأقوله عن نفسي وترفضه فنختلف؟
قال لها: أدركت الآن معنى قولك إنها متاهة لا مفر منها ولا نهاية لها إلا بالخراب.
فعانقته وضحكا معاً ومضيا.