حياء أنثويّ
نظرَتْ إلى وجهها في المرآة، وبدقّةٍ مختلفةٍ هذه المرّة.. تحسّست عينيها بيديها، ثمّ تلمّست وجنتيها حتّى أخذت تتحسّس تفاصيل وجهها، شفتيها، حاجبيها، أحسّت بملْء الفرح، عاودت يداها تتلمّس شعرها، وكأنّها لأوّل وهلة تشعر بفيض أنوثتها!!
شابّة جاء بها التّشاؤم واليأس قطار الزّمن، فاستقرّ بها إلى المحطّة الرّابعة من عقدها العمريّ الورديّ!
إنّه فتى الأحلام الذي طالما انتظرته وبشغفٍ، تقدّم يطلب يدها من أبويها، حاملًا بيده تشكيلة ورد بنفسجيّ حالم..
لم تصدّق نفسها، تخرج من غرفتها متوجّهة إلى صالون الاستقبال الذي انغلق بابه من أجل حديث شبْهِ سرّي دار بين فارس الأحلام وأهلها، فتحاول التنصّت تارةً، واختلاس النّظر من عين مفتاح الباب، ولكنْ لترى عَبْرَهُ مفتاح الأمل داخل الصالون، مشيراً بحديثه اللبق، جالساً ينتظر ردّاً لمستقبل حياته بلهفةٍ!!
يخفق قلبها بنبضات ناعمة، فتضع يدها عليه لئلّا يسمعها أحد، فتعاود الرّجوع إلى غرفتها، وبحركةٍ لا شعوريّة سريعة تمسك مرآتها اليدوية الصغيرة ثانية لترى نفسها حالة أخرى، كلّ ما فيها تغيّر إلى الأجمل.
جلست تنتظر الوقت البطيء..
– أخذتها لحظات الشّرود السّعيد إلى حلمٍ بعيدٍ، فيبرق ضباب حلمها صوت أبيها: ابنتي.. أريدك في موضوع مصيريّ!!
-أحسّت بقبضةٍ عجيبةٍ تمسك بروحها التي تصاعدت مع سؤاله إلى سماء الفرح..
– أراه شابّاً جادّاً لا يعيبه مكروه، وأنا رجلٌ عصريّ، أتقبلين؟!!
– كان ردّها أنْ قبّلت يديه ووجنتيه.. فقد سار بها قطار العمر، وإنّها ترى أنّ الله أذن لباب الخير في حياتها أنْ يفتح حظّها، فهي تعلم جيداً أنّ كلّ الأشياء تعمل للخير للذين يحبّون الله، وما صبرها وانتظارها لفتى أحلامها، وقد سبَقْنَها صديقاتُهَا وعانت ما عانته من طول الانتظار والتّعب النفسيّ من كلام النّاس المضطرب، لم يكن إلاّ خيراً ويقيناً، وأيّ خير وحظ،ّ وقد رأته من سرب الباب شابّاً أنيقاً وسيماً لا يعيبه الخَلْق والخُلْق!!
-فإذاً.. هلمّي يا ابنتي، واستقبليه، وليكن قبولك المسبق هذا على بركة الله!!
– مشت بخطوات هادئة لتفتح باب الصالون بيدها المهتزّة.. تقدّمت بأحفى سلامها وترحابها ترفقها ابتسامة خجولة، فبدَتْ وكأنّها عروس سهلة ممتنعة طلّتها تبدو بين نسمة بحريّة وجبليّة وبريّة، عيناها ضجّت حياة ونشوة سعادة، ووجنتاها صخبت باحمرار الحياء، شعرها وقد أسدل على حافّة وجنتيها وكأنّه ستار طبيعيّ يحجب ويميل إلى حياء أنثويّ بارع!!
استرقوا النّظرات بين الجالسين، لم يكن أقلّ منها حبّاً وإعجاباً وحياءً..
في تلك اللحظات الخاطفة، خرست الكلمات أمام كلمةٍ واحدةٍ، تشير بالرّضا والقناعة، وأيّ قبول وأيّ كلمة تلك التي ملأت فراغ القلب بهجةً وسروراً بعد ألم قطار الانتظار وزَوْبَعةِ مرارةِ الإعصار!!
د. سحر أحمد علي الحارة