الحرية الأميركية تسقط في فيرغسون بعد تبرئة قاتل براون
قالت الشرطة الأميركية أمس إن 12 مبنى على الأقل في فيرغسون بولاية ميزوري أحرقت، ومعظمها دمر، في موجة من الاحتجاجات التي أعقبت قرار هيئة المحلفين العليا عدم توجيه اتهام إلى ضابط شرطة أبيض قتل بالرصاص الفتى الأسود مايكل براون في شهر آب الماضي.
وأشارت الشرطة إلى اعتقال 29 شخصاً على الأقل، بعدما أطلقت الغاز المسيل للدموع لإجبار موجات المحتجين الذين أظهروا علامات العنف بعد طلب الابتعاد من مركز الشرطة، أعقبه سماع أصوات أعيرة نارية متقطعة. وارتفعت ألسنة النيران من سيارة محترقة.
واصطفت عشرات من مركبات الشرطة والجيش تحسباً لعمليات اعتقال موسعة غير بعيدة من شوارع فيرغسون، التي شهدت أسوأ أعمال عنف بعد مقتل الشاب، في حين سارعت عائلة الشاب براون إلى حثّ المحتجين على أن يكون ردهم على قرار هيئة المحلفين غير عنيف.
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما وجه نداءً من البيت الأبيض دعا فيه إلى الهدوء، بعد قرار هيئة المحلفين. وقال أوباما «نحن أمة قائمة على احترام القانون»، مضيفاً: «أنضم إلى ذوي مايكل براون القتيل، كي أدعو الذين يحتجون على هذا القرار بأن يحتجوا بطريقة سلمية»، مقراً بأن الغضب هو ردة فعل مفهومة، داعياً قوات الأمن إلى ضبط النفس.
وحذر الرئيس الأميركي من محاولة «إخفاء المشاكل المرتبطة بالعنصرية في الولايات المتحدة»، متحدثاً عن مشكلة «إرث التمييز العنصري».
وكانت هيئة المحلفين العليا المكونة من تسعة أعضاء من البيض وثلاثة سود قد بدأت اجتماعاتها أواخر شهر آب الماضي واستمعت إلى شهادة نحو 60 شاهداً استدعاهم الادعاء من بينهم خبراء الطب الشرعي الذين أجروا ثلاث عمليات تشريح إحداها قام بها طبيب شرعي خاص استأجرته عائلة الفتى القتيل.
وهناك تحقيق اتحادي منفصل جار في واقعة إطلاق النار، وأكد وزير العدل اريك هولدر أن محققي وزارته لم يخلصوا بعد إلى نتائج. وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على مقتل براون في فيرغسون تجددت الاحتجاجات بالولايات المتحدة ضد عنف الشرطة والعنصرية، وشهدت ولايات شيكاغو ونيويورك والعاصمة واشنطن موجات احتجاج مماثلة تضامناً مع سكان فيرغسون، إذ سار المتظاهرون في ولاية شيكاغو حاملين لافتات كتب عليها «العدالة لمايكل براون». ونظمت احتجاجات في سياتل وأوكلاند بسبب القضية التي كشفت عن توتر عرقي قديم في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.
وأصدرت إدارة الطيران الاتحادية الأميركية قراراً بتقييد للرحلات الجوية فوق بلدة فيرغسون بشكل موقت مع تفجر الاحتجاجات العنيفة، في حين قالت إدارة شرطة مقاطعة سانت لويس في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إنها سمعت أصوات إطلاق نار كثيفة من أسلحة آلية قرب المكان الذي أصيب فيه براون برصاص ضابط الشرطة.
وقال قائد شرطة مقاطعة سانت لويس جون بيلمار إنه سمع عيارات نارية أطلقت خلال الليلة التي شهدت عمليات سلب ونهب وإحراق واشتباكات بين المتظاهرين والشرطة.
وكان الشاب الأسود مايكل براون قد قتل في وضح النهار على يد ضابط الشرطة دارين ولسون في فيرغسون بضواحي مدينة سانت لويس في 9 آب الماضي، وذلك بعد خروجه من مخزن للمشروبات الروحية حيث اتهم بسرقة علبة سيجار.
وعلى رغم أن نسبة السود في هذه المدينة، التي يقطنها 21 ألف نسمة، تصل إلى 70 في المئة تقريباً، إلا أن شرطة فيرغسون لا تضم سوى ثلاثة أفراد منهم مقابل 50 فرداً أبيض.
وأشارت نتائج الفحص الأولي حينها إلى عدم العثور على آثار بارود على جثة براون، أي أنه قتل بعد إطلاق النار عليه عن بعد. كما تدل آثار الطلقات النارية على جثته على أنه كان يواجه قاتله ويلسون وجهاً لوجه.
ودفعت الاحتجاجات الإدارة الأميركية إلى التفكير في إعادة النظر في الأسلحة التي تستخدمها الشرطة وسن قوانين فيدرالية من أجل تخفيف تسليح الشرطة الأميركية، وإعادة النظر في القوانين التي سنت بعد أحداث 11 أيلول 2001، ومُنحت الشرطة الأميركية صلاحيات واسعة في مواجهة خطر الإرهاب.
قصة براون، التي فجّرت احتجاجات عنيفة في الولايات المتحدة في الأشهر الماضية، ليست فريدة من نوعها، إذ تكررت حوادث مشابهة قبل وحتى بعد الحادث المأسوي في فيرغسون.
فقد قام عدد كبير من رجال الشرطة البيض في نيويورك في 17 تموز الماضي بطرح الشاب الأسود أريك غارنر أرضاً عندما حاول مقاومتهم أثناء اعتقاله للاشتباه في قيامه ببيع سجائر بصورة غير شرعية.
وفي شريط فيديو صوره أحد الهواة يظهر رجل شرطة يضغط على رقبة غارنر البدين والمصاب بالربو، وقد راح الأخير يشكي أكثر من مرة من أنه لا يستطيع التنفس قبل أن يغيب عن الوعي وتعلن وفاته في المستشفى. وبعد أيام فقط من مقتل براون في فيرغسون قتل شاب أسود آخر على بعد أقل من 7 كيلومترات من المكان الذي قتل فيه براون، حيث أفرج قسم شرطة مدينة سانت لويس عن لقطات من هاتف نقال يظهر فيها وقائع قتل المواطن الأسود كاجيمي باول في 20 آب على يد شرطة المدينة.
وفي 8 تشرين الأول قتل شاب أميركي أسود بولاية ميزوري على يد ضابط شرطة أبيض خارج وقت الخدمة، حيث تلقى الشاب فنودريت مايرز 17 رصاصة من ضابط الشرطة الأبيض، وحدثت الواقعة عندما شاهد ضابط الشرطة ثلاثة شبان، بينهم فنودريت مايرز، يفرون منه داخل الحي، وقام بمطاردة مايرز وإطلاق النار عليه.
وعلى خلفية ذلك قطع أكثر من 200 متظاهر طريقاً رئيسية في حي «سانت لويس شو» بولاية ميسوري احتجاجاً على عنف الشرطة ضد الأميركيين السود.
وعبرت منظمات حقوقية ومؤسسات دولية عن قلقها بشأن عنف الشرطة الأميركية والاستخدام المفرط للقوة من قبل رجال الشرطة ضد المحتجين السلميين وكذلك الاعتقالات، بما فيها اعتقال الصحافيين، ناهيك عن قضية التمييز العنصري.
وكان الأمين العام لمجلس أوروبا ثوربيورن يغلاند قد أكد في آب أن أعمال الشرطة الأميركية هذه «تعد خرقاً لحقوق الإنسان»، داعياً السلطات إلى إيلاء اهتمامها للوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي دفع المحتجين للخروج إلى الشوارع.