نقولا الأسطا يغرّد مع الكبار بصوت قادر وأداء مقتدر!
جهاد أيوب
لا يهدأ، ولا يتعب، ولا يكنّ… تجده يسعى للتميّز الغنائي اليوم كما الأمس، لم تتغير الظروف رغم قسوة الحظوظ، ولم يتغير هو مع أن المشوار طال، ولم يتعب من جحود هذا، وتقصير ذاك، وخيانة العديد واستمرّ بالسير في فنّ يعشقه ويجد حياته فيه، ويعتبره الأيقونة من دون أن يلتفت إلى الخلف أقصد المطرب الفنان نقولا الأسطا.
همّه شبابه الفنّي، وحضوره أينما تطلب صوته أن يكون، ولا يعقد التواصل معه، ولا يعيش المرض النفسي حتى تصادقه وهو خير الأصدقاء… أقصد هو المطرب المقتدر، والمغني الواثق والفنان الطبيعي نقولا الأسطا، والحديث عنه اليوم لكونه يستحق، ولمناسبة تقديمه مع كل إشراقة شمس جميلة تجربة لا يجرؤ عليها من يغني اليوم في ساحة تضمّ الهشّك بشّك، تضمّ الكثير من أدعياء الغناء، تضمّ العديد ممن يعتقدون بأنهم من المطربين وفي الحقيقة أصوات لا تملك الموهبة، أو حضور وشهرة من دون صوت، أو أصحاب أغنية يتيمة والسلام، أو يشتغلون سياسة وغناء فيسيطر التنظير والثرثرات معتقدين أن كلاً منهم تشي غيفارا العصر فيتوه الصوت، وتغيب الموهبة وتبقى سجالاتهم ومشاكلهم وعداواتهم والسمعة السيئة، ونجد شهرتهم بسبب لسانهم الفضائحي وليس لصوتهم!
نقولا الأسطا منذ البداية امتطى الغناء الصعب، قرر أن يكون هو بما حمل من صوت هادر، واليوم بعد المشوار الطويل والشائك المتعب والمحب، ورغم الورد والشوك لا يزال ذاك الفارس المؤمن بالمغامرة لا المغادرة، فأخذ على عاتقه تأدية أعمال الكبار وعلى طريقته مع المحافظة على قيمة العمل، وجوهر الأداء، وبإحساس صافٍ وصادق ومتمكّن دون تصنّع أو ممارسة عُرب المعقدين من أجل فرض العضلات المزعجة والتي ليست في مكانها!
واحتراماً للصوت، وللإذن وتاريخ الكبار ولتلك الحقبة التأسيسية الحاضرة غنى «يا مسافر وحدك وسايبني» لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ليضيف عذوبة على عذوبة، ويترجم المعاني بنهر من الأشواق، ويسبح بأداء السهل الممتنع بلهجة مصرية لا شائبة فيها مع نطق سليم لمخارج حروفه.
وتفوّق مع المبدع زكي ناصيف في لبننة البيزنطي «اشتقنا كثير يا حبايب»، وأصبحنا وفجر العيد، و»نقيلك أحلا زهرة».. وكأن هذه الحديقة الغناء خلقت له وخلق لها، غنى والابتسامة لم تفارقه، وأدى هذا اللون بشطارة من دون أن يشعرنا بالتعدّي على مرحلة ذهبية ليلبسنا الماضي الجميل، ويُشعل فينا الحنين.
ومن أجل اكتمال عذوبة إيصال الصوت والنغم والأداء كان «شفتك مرة»، وموال «شو صار بحالهم حبايبنا» للكبير نصري شمس الدين، وهنا بيت القصيد حيث قدّم السهل الممتنع بتفوق، وجال يلعب بتصرف مع المحافظة على أصول العمل دون تشويه أو ارتجال يعيق السمع وأصل الأغنية.
وبذكاء غنى «قارئة الفنجان» للراحل عبد الحليم حافظ لتنساب من صوته القوي عذوبة فائقة، وكأن هذا اللون يمارسه منذ الصغر، بهدوء غنى ليذكرنا بعمل خالد فيه الوصف والتلوين.
ومن أجل إثبات مقدرته الصوتية، وتنقله من نغم إلى آخر بسلاسة غنّى للمذهل وديع الصافي «رح حلفك بالغصن يا عصفور» دون التطاول على المقام وحدود الأداء الصعب ليشير إلى تمكنه حتى اليوم من غناء الأصعب!
وأيضاً في أكثر من سهرة تلفزيونية غنى للسيدة الأسطورة صباح «يا مسافر وقف على الدرب، وتعلا وتتعمر يا دار» ليرفع راية التحية بمحبة الكبار للكبار، وهو بصدد تسجيل عمل عربون وفاء للصبوحة…
هذا نقولا الأسطا المغامر من دون أن يخاف من المقارنة الظالمة وبالعادة تكون لصالح كبارنا، ولكنه غامر وتفوّق، والاستماع أكبر برهان على صحة ما نقول…