ترامب يقود حرب الناقلات في بحر عُمان وحرب الغاز في أوروبا خوفاً من صعود عمالقة آسيا الثلاثة…!
محمد صادق الحسيني
لقد سمعتموه في آخر تغريدة يحذر حلفاءه من انعدام الأمن في مضيق هرمز، فما هي حكاية الكاوبوي الأميركي؟ وما هي حقيقة حربه التي لا تتوقف ضدّ إيران!؟
على الرغم من كثرة التقارير والتحليلات السياسية والعسكرية والأمنية، حول الهجمات التي تعرّضت لها ستّ ناقلات نفط في الخليج وبحر العرب خلال الشهرين الماضيين، إلا أنّ أياً من هذه التحليلات لم يتطرّق الى احتمالية قيام جهات أميركية بعينها، بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» والسعودية والاماراتية، بتنفيذ تلك الهجمات التي لا مصلحة فيها لأيّ من دول المنطقه على وجه الإطلاق.
اما عن علامات السؤال والتعجّب التي قد يطرحها الكثيرون حول دقة هذا السيناريو او المعلومات او عن السبب، الذي دفع هذه الجهات الأميركية لتنفيذ هذه الهجمات، فكما يقول المثل الشائع:
اذا عُرف السبب بطُلَ العجب.
ذلك السبب الذي يكمن في الحرب التجارية الشاملة، التي يشنّها ترامب ضدّ حوالى ثلاثين دولة في العالم، على رأسها الصين وروسيا وإيران، ولا تستثني دولاً او قطاعات أوروبية من إجراءات العقوبات والخطوات الحمائية للسوق الأميركية او للمنتجات الأميركية. تلك الإجراءات التي تتعارض مع كلّ أسس التجارة الدولية الحرة كما أنها تتعارض مع أنظمة وقوانين منظمة التجارة العالمية التابعة للأمم المتحدة.
ولكن كيف ذلك وما هي الوسائل وما الدوافع الاستراتيجية، التي تقف وراء هذه الاعتداءات الأميركية، على ناقلات النفط في بحر عُمان؟
وبما انّ كلّ عمل عسكري او أمني يجب ان يكون قاعدة لتحقيق هدف سياسي فإننا نؤكد انّ الهدف الأميركي، من وراء ضرب الناقلات وخطوط النقل البحري، يتمثل في خلق صدام عسكري واسع النطاق، ليشمل كلّ منطقة «الشرق الأوسط» وليس إيران فقط، وذلك بهدف وقف حركة تصدير النفط من جميع الدول المصدرة للنفط في هذه البقعة من العالم، وصولاً الى ما يلي:
1 ـ خنق الاقتصاد الصيني والهندي والياباني الذي يعتمد بشكل كبير على الإمدادات النفطية من الدول العربيه وإيران المنتجة للنفط والتي تمرّ معظم صادراتها الى الخارج عبر الممرات البحرية في خليج فارس وبحر عُمان وبحر العرب. الأمر الذي سيؤدّي الى تباطؤ في معدلات النمو الصينية وزيادات كبيرة في تكاليف الإنتاج وبالتالي انخفاض كبير في القدرة التنافسية التجارية لبضائع هذه الدول، ما يقابله حسب اعتقاد الجهات الأميركية صاحبة هذه النظرية تحسّن في فرص المنافسة للبضائع الأميركية على الصعيد الدولي.
2 ـ السيطره او تعزيز السيطرة الأميركية على أسواق الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي، التي تعتمد بشكل أساسي على إمدادات النفط «الشرق أوسطي» والغاز الطبيعي الروسي، والذي يصل هذه الدول عبر شبكة من انابيب الغاز.
وهذا يعني، في حقيقة الأمر فرض حصار نفطي أميركي، عبر تعطيل خطوط النقل البحري للنفط «الشرق أوسطي» الى أوروبا وآسيا، وبالتالي تركيع دول الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وإرغامها على شراء الغاز الأميركي المُسال، على الرغم من انّ أسعاره أعلى بكثير من أسعار النفط او الغاز الطبيعي الروسي، وذلك لأسباب عديدة ليس اقلها ضرورة إعادة المادة المُسالة الغاز المُسال الى شكلها الطبيعي كي يمكن استخدامها في المجالات الصناعية توليد الطاقة والحضرية استهلاك المنازل .
3 ـ توجيه ضربة كبيرة لأسواق النفط والغاز الروسية، بما في ذلك سوق الغاز المُسال، على الصعيد الأوروبي، وبالتالي إلحاق الضرر الكبير والفعّال بالاقتصاد الروسي والتأثير سلباً على دخل الدولة الروسية، مما سينجم عنه تخفيض في النفقات المخصصة للعلوم والأبحاث والشؤون الدفاعية في روسيا، خاصة بعد النجاحات الفائقة التي حققتها روسيا في مجال الثورة الرقمية وتأثيراتها على نوعية الأسلحة الروسية الحديثة، بما في ذلك منظومات الحرب الالكترونية ومنظومات الأسلحة الكهرومغناطيسية، التي لا نظير لها في العالم، والتي تقضّ مضاجع دعاة الحروب مجمع الصناعات العسكريه والنفطية .
4 ـ لذا فمن الأهمية بمكان ان ينظر المرء الى خلفيات الهستيريا التي يعيشها ترامب، ليس تجاه إيران فقط وإنما ضدّ الصين وروسيا والهند أيضاً، يجب ان ينظر الى ذلك على ضوء الحقائق المهمة التالية:
ـ بالإضافة الى خطوط الغاز الطبيعي الروسية، الى دول الاتحاد الأوروبي، فإنّ إنتاج روسيا من الغاز المُسال ينقل في ناقلات تشبه ناقلات النفط قد وصل الى حوالى تسعة عشر مليون طن عام 2018، بينما أنتجت الولايات المتحدة أقلّ بقليل من واحدٍ وعشرين مليون طن من هذه المادة.
ـ بلغت صادرات روسيا من الغاز المُسال، الى دول الاتحاد الأوروبي، في عام 2018 ما مجموعه أربعة ملايين ونصف المليون طن، في الوقت الذي وصلت الصادرات الأميركية إلى أوروبا من هذه المادة إلى مليونين وسبعمائة ألف طن فقط في عام 2018.
ـ الأهميه المتزايدة للغاز، سواء الطبيعي او المُسال، في أسواق الطاقة الدولية، حيث سيزداد الطلب عليه، حتى سنة 2040، بمعدل 7.1 ، بينما لن يزداد الطلب على النفط، في نفس هذه الفتره إلا بنسبة 0.5 أيّ نصف في المئة ، ما يوضح زيادة أهمية وتأثير الغاز في الأسواق الدولية.
ـ انّ 80 من هذه الزيادة، من الآن حتى سنة 2040، سيتجه الى الأسواق الصينية والهندية، الأمر الذي سيمهّد لطفرة اقتصادية، لهذين البلدين العملاقين، أكثر اتساعاً وأكثر تأثيراً على أسواق التجارة الدولية.
ـ واستشرافاً منها للمستقبل، ولأهداف هذه التحركات الأميركية الخطيرة، تجارياً وعسكرياً، فقد قامت كلا من الصين وروسيا وإيران بوضع استراتيجية مواجهة استباقية، حيث وضعت هذه الدول استراتيجية طويلة الأمد ترتكز الى إقامة تعاون، عبر شبكات أنابيب للغاز، من شرق سيبيريا الروسية الى الصين، بحجم 38 مليار متر مكعب سنوياً، وبقيمة تجارية تصل الى 400 مليار دولار، بينما تجري إيران سلسلة من الاتصالات والترتيبات لبناء خط أنابيب غاز، عبر باكستان، لتزويد الهند بهذه المادة الاستراتيجية.
ـ كما يجب ان لا تغيب، عن بال المحللين، حقيقة مشاركة السعودية للولايات المتحدة حربها التجارية ضدّ مجموعة الاربعة، أيّ الصين والهند وروسيا وإيران. إذ انّ الرياض قد رفضت التعاون مع شركة «نوفاتيك» الروسية او مشاركتها، في استثمار حقول الغاز العملاقة في شبه جزيرة يامال Yamal peninsula ، الواقعه في منطقة القطب المتجمّد الشمالي، في أقصى شمال غرب سيبيريا، الذي بدأ الإنتاج فيه سنة 2018، بينما قامت شركة أرامكو السعودية الحكومية بشراء 25 من أسهم شركة «بورت آرثَر ديفيلوبمنت Port Arthur Development الأميركية في تكساس والتي ستنتج ما مجموعه أحد عشر مليون طن من الغاز المُسال، عند اكتمال تطوير المشروع. علماً انّ كلّ إنتاج هذه الشركة سيكون موجهاً الى الأسواق الأوروبية، حسب مخططات الشركة نفسها، التي بدأت بالفعل في توريد كميات من هذا الغاز المُسال الى أوروبا، حيث وصلت الدفعة الأولى منه الى بولندا في شهر آب عام 2018.
إذن فالسعودية شريك عضوي للولايات المتحدة في حروبها العسكرية، في كلّ أنحاء منطقة «الشرق الأوسط» وفي حروبها التجارية والاقتصادية على صعيد العالم، ومع ذلك فإنّ انكسارهم بدأ يلوح في الأفق…
وما النصر إلا صبر ساعة، وأن تصبروا وتتقوا لا يضرّكم كيدهم شيئاً.
بعدنا طيبين قولوا الله…