أدونيس في مؤتمر الأدب الوجيز: لإبداعٍ ينهض على رؤيةٍ خلّاقةٍ بصراً وبصيرةً في جغرافية المعرفة

وألقى المفكّر الشاعر أدونيس كلمة معبّرة في المؤتمر، تضمّنت دعوة إلى تخطّي الهجو والمدح وضرورة التساند والاتجاه للعبور إلى المستقبل برؤية خلاّقة وبأشكال جديدة من طرق التّعبير، وتنشأ علاقاتٌ جديدةٌ بين الكلمة والكلمة، وبين الكلمة والشّيء، وبين الإنسان والعالم.

نصّ الكلمة:

«الصّديقات والأصدقاء

لا يحتاج الأستاذ أمين الذّيب صاحب هذه المبادرة الّتي تجمعنا الآن إلى المدح. فهو يقوم بها أظنّ، تحقيقاً لنوعٍ من الواجب الثقافيّ. ليس من الثّقافة إذًا أن نسارع أو يسارع بعضنا إلى رفض هذه المبادرة أو التّشكيك فيها أو هجوهاً.

هكذا ينبغي على المعنيّين بالكتابة، شعراً ونثراً أن يساندوا هذه المبادرة، خصوصاً أنّها تجيء في مرحلةٍ زمنيّةٍ مرهَقةٍ ومرهِقةٍ، عدا أنّها تحاول العبور إلى المستقبل على جسورٍ واهنةٍ جدًّا، وملتبسةٍ جدًّا.

لكن لا بدّ من أن تكون هذه المساندة مشروطةً بأمرين:

الأوّل، هو الوعي بأنّ الكتابة الأدبيّة نثراً وشعراً، لا تأخذ قيمتها من الإيجاز لذاته وبحدّ ذاته، أو من الإطالة لذاتها وبحدّ ذاتها. وإنّما تأخذ قيمتها من فرادتها الإبداعيّة، ومن طاقاتها المتنوّعة في الكشف والمعرفة، ومن جماليّة هذا كلّه.

هناك إيجازٌ فارغٌ مبتذل، كما أنّ هناك إطالةً فارغةً مبتذلة.

ومن غير الجائز على نحوٍ أخصّ، أن يتكرّر ما وقعت فيه ما سمّيناه اصطلاحاً بقصيدة النّثر. فقد وصلت في مستواها الكتابيّ إلى درجةٍ امتُهنت فيها الكلمات حتّى لو أنّها تقدر على الغضب والسّخط، لكانت تصرخ في وجوهنا جميعًا: أتركوني وشأني.

أمّا الأمر الثّاني، فيرتبط جذريّاً بالأوّل، وهو الكتابة في أفقٍ يخرج الأدب، شعراً ونثراً من العالم الخيطيّ الخطيّ، ذي البعد الواحد، إلى عالمٍ مركّبٍ متعدّد الأبعاد.

آمل إذًا أن تكون الدّعوة إلى الأدب الوجيز تعني الدّعوة إلى إبداعٍ ينهض على رؤيةٍ خلّاقةٍ بصراً وبصيرةً، عمقاً وعلوّاً، إضافةً إلى الجهات الأربع في جغرافية المعرفة، بحيث تنشأ أشكالٌ جديدةٌ من طرق التّعبير، وتنشأ علاقاتٌ جديدةٌ بين الكلمة والكلمة، وبين الكلمة والشّيء، وبين الإنسان والعالم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى