قالت له

قالت له: هل تؤمن بأن الأرواح المتقاربة لا تعرف كيف تفترق مهما بدت مختلفة ومتعاكسة وأجبرتها ضرورات الحياة على الفراق وتعرف كيف تلتقي مهما كانت بعيدة وجمعتها صدفة متأخّرة تكفي لوصل زمان حال دون اللقاء.

قال لها: لا أؤمن بأننا نبقى نحن مع الزمن ولذلك أؤمن أن مَن نتفق معهم فجأة وتجذبنا أرواحهم لم يكونوا هم من قبل. ومَن نبقى نشعر بوطأة حضورهم مهما فرّقتنا عنهم الظروف هم إما حنين لذاكرة جميلة أو خط سير يشبه خط سيرنا. فتغير كل منا، وعدنا فالتقينا بعد كل تغيير. أما في علم الاحتمالات فالتلاقي المتواصل رغم الزمن أقرب للمعجزة وإن حدثت فذلك حب كبير صنعته مجموعة صدف يصعب أن تحدث لاثنين معاً ومثلها الصدف التي تجمع بعد مرور زمان النضج والاختمار والاختبار عقولاً وقلوباً لا تحتاج للكثير لتكتشف أنها على موجة واحدة تلاعب الحياة وتعصف بالرياح، لكنها ما كانت لتكون هكذا لو تلاقت قبل زمان.

قالت: إذن أن تقول إن مَن يصيبهم التغيير ويبقون بل يزدادون اقتراباً لا يفعلون ذلك بالذكاء أو الحرص، بل لأنهم مجرد احتمال ضعيف أصاب، لكن ألا تؤمن بأن النضج في التجارب يعلمنا خفض سقف التوقعات والتطلعات، ولذلك يسهل التقبّل عندنا لما لم يكن مقبولاً من قبل سواء خصّ التمسك بقديم أو التلاقي مع جديد؟

قال لها: ليس خفضاً، بل رفع لسقف التوقعات وربما خفض للطلبات والتطلعات، لأنها بعض مراهقة زمن السعي للامتلاك فمع الزمن نصير نحن غير نحن الذي كان ويصير بحثنا عن جوهر الإنسان وليس عن بريق لحظة الانبهار بشكل أو جاه أو وعد رفاه ولا عن التصاق والتزام وحق استعلام واتهام، بل عن سكينة ندرك صعوبة إيجادها بين البشر الا بالثقة التي لا تعني مفهومها القديم أي الثقة بالالتزام بل الثقة بالأهلية والاستحقاق. وهذا يولد التمسك بدلاً من التملك وكي يكون متبادلاً فيعيش يجب أن تكون قد علّمتنا الحياة زوال انبهار الوهلة الأولى وأحلام العيش الرغيد وفارس الأحلام وعروس البحر ومصباح علاء الدين.

قالت له: السكينة عند المرأة أن تجد الرجل الذي يراها أجمل النساء وأذكى النساء ويرى من خلالها كل النساء والسكينة عند الرجل أن يجد عند المرأة التي يراها كذلك تفهماً وتقبّلاً وتسامحاً مع كونه ضعيفاً أمام عالم النساء ولذلك يتحدث الرجال عن الاهتمام وتتحدث النساء عن الالتزام.

قال لها: السكينة هي أن يشعر أحد الطرفين بالقلق مهما كان الظرف الذي عبر وأن يثق كل منهما أن الآخر شيء منه وله ويحتاجه ويتنفس بعضاً من هوائه، لكنه ليس نسخة عنه ولا بعضاً من ممتلكاته يفعل به ما يشاء وأن يجد مع لهفة الشوق والعاطفة الاحترام والتخاطب الراقي بجميل الكلام مهما كان الخلاف أو الظنون والشكوك وأن يملك الطرفان قدرة الافتراق برقي قدرتهما يوم اللقاء وأن يتذكّرا أنهما لا يزالان حاجة لبعضهما فلماذا يسوء أحدنا أجمل ما عنده ويندم إن كان يريده ولم يسئ إليه إن كان لا يريد؟

قالت له: لسنا من حجر كي نمسك شعورنا وكلماتنا تحترق كما قلوبنا، وبدلاً من العتب على الكلام، لم لا يكون المخطئ هو الملام.

قال: الرجل الذي يصيح بوجه حبيبة ليس رجلاً، والمرأة التي توجه كلاماً مؤذياً لحبيبها لم تتعلّم معنى الحب بعد، فمعادلتي هي أن تقييمنا للآخر يجب أن يحضر في كل نفس أو حرف او كلمة. ومتى غاب فما يحضر بدلاً عنه صار هو التقييم وإن أخطأنا مرة وأعدنا وكررنا الإعادة فيصعب التقويم ويصير الاعوجاج مستحكماً ويصير الازدواج محكماً ويبدأ الضياع وأول ما يضيع هو السكينة أما إن عبّر الشكل عن الجوهر فبقي الرقي سيد الكلام. فلنختلف ولنفترق ألسنا أفضل الأصدقاء حتى بعد الخلاف، فلماذا عندما يترك الحبيبان بعضهما يصيران ألد أعداء بعضهما؟

قالت: وهل تراني صديقة؟

قال: ورفيقة عتيقة لكن..

قالت: ولكن ماذا؟

قال: لا تسأليني هل من رفيقة غيري وربما لا يكون لكن السؤال مجنون.

قالت: هو سر المرأة.

قال: كان التملك للرجل.

قالت: وبقيت الغيرة للمرأة.

قال: لذلك أفضل الصداقة.

قالت: وهل يشتاق الأصدقاء؟

قال: جرّبيني وقولي مشتاقة.

قالت: وإن قلت؟

قال: إليك ملت.

قالت: وأنت؟

قال: أشتاق للرفاق وأنت رفيقة عتيقة.

قالت: ألديك دقيقة؟

قال: لسؤال؟

قالت: كي أقول تعال فتميل وأحضنك برفق وشوق فهل من مجال؟

قال لها: هذا هو الكمال في الجمال.

فقالت: ما دمنا صديقين نتبادل الأسرار الصغار فلمرة نسيت السؤال هل هناك رفيقة غيري؟

ضحك وقال: هل لديك دقيقة؟

قالت: لسؤال؟

قال: لا لراحة البال.

فضحكا ومضيا وهما يتبادلان إشارات الصمّ في الكلام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى