توتر شديد يلفّ عاليه احتجاجاً على زيارة باسيل ومقتل اثنين من مرافقي الغريب وجرح آخرين في البساتين
شهدت منطقة عاليه أمس أحداثاً أمنية وتوتراً شديداً خلال زيارة رئيس «تكتل لبنان القوي» الوزير جبران باسيل للمنطقة ضمن جولة في الجبل. وتطورت هذه الأحداث التي بدأت بقطع مناصرين للحزب التقدمي الاشتراكي بعض الطرق احتجاحاً على الزيّارة، إلى إطلاق النار أدّت إلى مقتل اثنين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب وجرح آخرين. فيما تسارعت الاتصالات السياسية لنطويف ذيول تلك الأحداث.
وكان قد قطع عدد من الشبّان، بأجسادهم وبالسيارات الطرق المؤدية إلى بلدة كفرمتى في قضاء عاليه بالاتجاهين احتجاجاً على زيارة باسيل، إلى البلدة للقاء الشيخ ناصر الدين الغريب في منزله في كفرمتى، ما أدى إلى تدخل الجيش واحتكاكات بين عناصره وبين عدد من المحتجين، في حين بادر الوزير أكرم شهيب ووكيل داخلية الغرب في الحزب التقدمي الاشتراكي بلال جابر، إلى القيام بمساع لإنهاء هذا الوضع.
كما عمد شبان من منطقة قبرشمون إلى قطع الطريق باتجاه بلدتي عبيه وكفرمتى، إضافة إلى قطع طريق عبيه المؤدية الى كفرمتى بالإطارات المشتعلة.
وفي وقت لاحق، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» أنه خلال محاولة موكب الوزير الغريب المرور من قرب صيدلية الحسام بين بلدتي قبر شمون والبساتين، خلال الاحتجاجات على زيارة باسيل، حصل احتكاك تبعه إطلاق نار، أدّى إلى إصابة ثلاثة من مرافقي الغريب هم: سامر أبي فراج ورامي سلمان وكريم الغريب، إضافة إلى إصابة سامر غصن.
وقد نقل الصليب الأحمر أبي فراج وسلمان إلى مستشفى الشحار الحكومي في قبر شمون، حيث وصفت حالتيهما بالحرجة، وما لبث الأول أن توفي متأثراً باصابته، فيما نقل كريم الغريب إلى مستشفى الرسول الأعظم، وسامر غصن إلى مستشفى قلب يسوع، وقد توفي رامي سلمان في وقت لاحق.
ومساءً أعلنت غرفة التحكم المروري «عن قطع أوتوستراد المديرج باتجاه صوفر بالإطارات المشتعلة من قبل بعض المحتجين». كما قطع أقارب أبي فراج طريق بعلشميه ـ بحمدون، وقطع مناصرو النائب طلال أرسلان طريق خلده بالاتجاهين.
من جهته، أكد الوزير الغريب أنّ ما حدث في قبرشمون «كان كميناً مسلحاً ومحاولة اغتيال واضحة، وإطلاق النار على الموكب كان موجهاً الى الرؤوس»، منبّهاً إلى أنّ «شدّ العصب يوقع بالمحظور».
كما أكد «حرصنا على السلم الأهلي ووحدة الدروز وتكاتفهم»، داعياً الى «ضبط النفس بعد الدماء التي سقطت»، وقال «نحن نعتبر أنفسنا بيّ الصبي». أضاف «نحن لا نتقن باستعمال الدم في السياسة».
وأكد رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان أننا «لم نكن يوماً أصحاب فتنة في الجبل، يروحوا يضبوا الزعران والبلد بألف خير»، مشدّداً على أنّ «الجبل ليس كانتوناً لفريق، الجبل للجميع».
وأشار الى انه الآن في مرحلة جمع المعطيات في القرى والبلدات حول الحادثة، على أن يعقد اليوم مؤتمراً صحافياً يتناول فيه تفاصيل ما حدث.
وزار رئيس «حزب التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب أرسلان في خلدة للتشاور بالتطورات التي شهدتها منطقة الجبل.
«التيّار» و«التقدمي»
وأوضح المكتب الإعلامي لـ»التيار الوطني الحر»، في بيان حول الأحداث، أنه بعد ما كان باسيل «قد ألغى الزيارة إلى بلدة كفرمتى من ضمن الجولة التي يقوم بها في قضاء عاليه، وذلك تفادياً لأيّ إشكال أمني بدت بوادر حدوثه بين القوى الأمنية وعناصر الحزب التقدمي الاشتراكي الذين عمدوا إلى قطع الطرقات وحرق الدواليب والقيام بأعمال أمنية مشبوهة منذ يومين على التوالي وهي تؤشر الى نية امنية مريبة، وقع المحظور فعلاً وحصل إطلاق نار على موكب الوزير صالح الغريب، ما أدّى الى سقوط قتلى نعزي باستشهادهم وجرحى نتمنى لهم الشفاء».
أضاف «إنّ رئيس التيار، وهو يزور مناصري التيار والمنتسبين إليه من مسيحيين ومسلمين في قضاء عاليه ويفتتح مكاتب للتيار في مناطق مختلطة، قد دعا في كلماته الى الانفتاح والتلاقي والوحدة ببن اللبنانيين، وقد قوبل بهذه التحركات التي تذكر اللبنانيين بزمن حرب مضت وأنتجت أحزاناً ومآسي وتهجيراً، تهجير لم يقفل ملفه بعد، لا بالوزارة ولا بالنفوس، فيما يعمل التيار الوطني الحر على إقفاله بالكامل وإتمام المصالحة بكلّ أبعادها السياسية والإنمائية والإدارية لتكون العودة إلى الجبل ناجزة بشراكة كاملة».
واعتذر المكتب «من أهلنا ومناصرينا في كفرمتى والقماطية ومنصورية بحمدون وخلدة عن عدم إكمال الزيارة تفادياً للأسوأ، ونعزي المير طلال أرسلان والحزب الديمقراطي بشهدائه ونطلب من أهلنا في عاليه الابتعاد عن ايّ احتكاك من أيّ نوع كان»، مؤكداً «إصرارنا على استكمال مسيرة المصالحة على ما نفهمها من شراكة ومساواة في الجبل ولبنان. وموعدنا المقبل مع أهلنا لن يكون بعيداً».
بدورها، أصدرت وكالة داخلية الغرب في الحزب التقدمي الإشتراكي، بياناً جاء فيه «أثناء الاحتجاج الشعبي في منطقة الشحّار الغربي على زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع ما حملت من استفزاز لمشاعر الناس، خرج موكب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب من منزله في كفرمتى ولدى وصوله إلى مدخل بلدة عبيه حيث كان المحتجون قد قطعوا الطريق بالإطارات المشتعلة، أقدم مرافقو الوزير الغريب على إطلاق النار على المحتجين رغم محاولات هؤلاء لفتح الطريق وإزالة العوائق عنها. وبعد وصوله إلى بلدة شملان حيث تبلغ الوزير الغريب إلغاء زيارة رئيس التيار الوطني الحر الى بلدة كفرمتى سلك طريقاً فرعية وصولاً الى بلدة البساتين حيث عاد مرافقوه إلى إطلاق النار باتجاه المحتجين عشوائياً، وتابع موكبه الطريق صعوداً باتجاه ساحة قبرشمون حيث ترجل مرافقان للوزير الغريب وعمدا إلى إطلاق النار باتجاه المحتجين أيضاً بشكل عشوائي ما أدّى إلى إصابة شاب من بين المحتجين، فردّ بعض من كان يحمل سلاحاً باتجاه مصدر النار دفاعاً عن النفس فسقط مرافقان للوزير الغريب، وهذا أمر موثق بفيديوات باتت بحوزة المراجع الأمنية».
وغرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر تويتر فقال «لن ادخل في أيّ سجال إعلامي حول ما جرى. أطالب بالتحقيق حول ما جرى بعيداً عن الأبواق الإعلامية. وأتمنى على حديثي النعمة في السياسة أن يدركوا الموازين الدقيقة التي تحكم هذا الجبل المنفتح على كلّ التيارات السياسية دون استثناء لكن الذي يرفض لغة نبش الأحقاد وتصفية الحسابات والتحجيم».
اتصالات للتهدئة
وتسارعت الاتصالات لتطويق التوتر، حيث أجرى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اتصالات لضبط الوضع الأمني في منطقة عاليه، ودعا المجلس الأعلى للدفاع الى اجتماع قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا.
كما أجرى رئيس الحكومة سعد الحريري سلسلة اتصالات شملت باسيل والمسؤلين في قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ومدير المخابرات في الجيش، تركزت على ضرورة تطويق الإشكال الحاصل في الجبل وبذل أقصى الجهود الممكنة لتهدئة الأوضاع وإعادة الامور إلى طبيعتها.
وصدرت أمس مواقف استنكرت ما جرى ودعت إلى التهدئة.
جولة باسيل
وكان باسيل استهلّ جولته أول من أمس، بالمتن بدءاً من أحد المقاهي في ضبيه، ثم زار مرفأها وسد بقعاتا، ثم دير سيدة البشارة زرعايا.
واختتمت الجولة بعشاء أقامه النائب ابراهيم كنعان عشاء، حضره وزير الدفاع الياس بو صعب، النائب ادي معلوف، النائب السابق غسان مخيبر وفاعليات وحشد من رؤساء البلديات والمخاتير من كل بلدات المتن، رابطة مختاري المتن الشمالي، هيئة قضاء المتن في «التيار» والهيئات المحلية.
ورجب كنعان بباسيل والحضور وأكد أن «مشروعنا هو الحفاظ على التنوع والحاضرون هنا يؤمنون بالعهد، وعلينا الا نخذلهم بل نجمعهم تحت شمسية لبنان الحر الذي يكافح الفساد».
وقال باسيل «نحن في مجتمع سياسي، يتكلم أكثر مما ينتج، والاسوأ انه مجتمع يكذب على نفسه، وعلى ناسه وبذلك يضيع الحقيقة على الناس، لذلك نحن في «التيار» نعتمد سياسة الحقيقة والعمل بدل «الحكي « والتنظير».
وتابع «نحن لا نريد أن نلغي أحداً أو ننتقم من أي كان، لأنه بذلك نكون قد انتقمنا من انفسنا، والغينا كل فكرنا السياسي، لأننا نحن من ناضل وقاتل من أجل ترسيخ مفاهيم التعاون والمساواة، ومن أبرز المفاهيم التي دافعنا عنها، هي الاحتكام للقرار الشعبي، والبلديات هي خير من يمثل هذا القرار لخدمة الناس».
وانتقل باسيل أمس إلى قضاء عاليه حيث زار قاعة كنسية مار مطانيوس الكحالة، وقال باسيل «نقف على أرض ثابتة من التفاهمات التي تزعج كثيرين فيحاولون أن يهزوها، لكنها أقوى من أن تهتز وهي ضمانة الوحدة الوطنية».
وأضاف «الوضع الاقتصادي صعب لكنه ليس أصعب مما مر علينا، ونحن متمسكون بتفاهماتنا الوطنية وفي كل يوم نطمح الى تعزيزها اكثر من موقعنا ومن تاريخنا الذي نفتخر به ومن أجل مستقبلنا الذي رسمناه ولا نخفيه على أحد عن نظرتنا وخططنا ومشاريعنا للدولة الجامعة وللمحافظة على التنوع».
كما شدّد باسيل على أنّ «تفاهماتنا هي ضمانة العودة الاستراتيجية سياسياً واقتصادياً وإدارياً وإنمائياً وسياحياً وزراعياً وما إلى ذلك، ورسائلنا هي للإنفتاح والمحبة والتعاون مع الجميع ولكن في الوقت نفسه للعودة والصمود والتجذر بالأرض، مع الحفاظ على خصوصيتنا وشخصيتنا ومواقفنا التي تجمع اللبنانيين».
ووصل باسيل ظهراً إلى بلدة صوفر، حيث افتتح مركز التيار الوطني الحر في جرد عاليه، في حضور وزير الدفاع الياس بو صعب، النائب سيزار ابي خليل، ممثل الحزب الديمقراطي نبيه الأحمدية، رؤساء بلديات وفاعليات روحية واجتماعية وحشد من الحضور من أبناء المنطقة.
وألقى باسيل كلمة قال فيها: «اشكركم على هذا اللقاء والمحبة والاحتضان … أشكركم أنكم تؤكدون باحتضانكم للتيار الوطني مناصرين ومكاتب وحضوراً سياسياً، تؤكدون معنى لبنان وتميزه وأهمية الجبل والشراكة بهذا الجبل».
وختم باسيل «سنضع أيدينا بأيدي بعض لإنماء هذه المنطقة ونعيد لها وجهها الجميل، وجهها جميل وأبيض ووجه المنطقة بوجودنا مع بعضنا البعض يكون أجمل، هذه رسالتنا اليوم لأهلنا بهذه المنطقة لكلّ اللبنانيين والعالم، ولا يخرج من هنا إلا الخير الذي يجمعنا على هذه الأرض الطيبة».