الحسنية: سنبقى على ما نحن عليه متمسكين بحقنا مدافعين عن أرضنا نقدّم الدماء الزكية على مذبح الحرية من أجل نصرة أمتنا وعزتها

اعتدال صادق شومان

لجارة وادي التيم مشغرة و»قمرها» مكانة عظيمة في ذاكرتنا الحزبية، لفيف صداها لما يزل مُمتداً في وجداننا القومي العميق، ففوق هاتيك الربى رهيف دم توهّج على حفافيها ذات ثورة.. أصابها الضيم.. غير أنه ضيم أنجب من علياء شموخه رجالات نهضة كبار.. دوي صوتهم كلّ ما فينا هو من الأمة، وكلّ ما فينا هو للأمة.. ومن هذه السلالة الجليلة في تاريخ الحزب رنا «طيب المحيا» الراحل اليوم الأمين محمود غزالي أحد الشخصيات المناضلة والبارزة ممن أرتبط اسمهم بتاريخ الحزب وبنيانه العريق بحضوره الرافد لمسيرة النهضه في مضمار الفكر والثقافة والإعلام على تعداد وتنوّع سعيه الدوؤب نضالاً في زمن التحوّلات الهامة طيلة عقود من الزمن، وبرحيله تتسع وتكبر مساحة الإحساس بالوطأة لفقدان آخر من رعيل حزبي نحتار كيف نقتفي أثره وقد حفر عميقاً على الزاويا القائمة للحزب، حاصداً إجماعاَ جماً في قلوب القوميين الاجتماعيين للمنفذ العام الذي انبرى لأكثر من موقع في زمن علا فيه أزيز الرصاص فوق كلّ صوت.

ومحمود غزالي «ذاك المفتون بـ»مواسم الزنبق» المقبل على صهوة «حوافي العمر» متقلدا شرف النضال حزبياً، وسياسياً، وإعلامياً، خصوصاً مساهمته الكبيرة الى جانب رعيل من مجايليه في الإعلام الحزبي على مختلف دورياته الصحافية.

ومن هنا تحفظ «البناء» التقدير الكبير لمديرها المسؤول، ومديرها العام الأسبق لذات مواسم من إصداراتها صباح الخير البناء ، يوم شهدت مكاتبها عدداً كبيراً من الصحافيين تتلمذوا في أصول المهنة على يديه، ومنهم من صار علماً في عالم الصحافة المكتوبة .

على هذ النحو النضالي على شغاف الكلمة والموقف تماهى عمره اكتمالاً وثباتاً ، باراً بـ «القسم» نهجاً وقدوة قوامهما عائلة سورية قومية اجتماعية أبناء وأحفاداً.

مشغرة البلدة العزيزة على قلوب القوميين الاجتماعيين، لطالما سارت خلف مواكب الحزن في وداع أبناء لها أحبّة قيّدت لهم «الصدارة وخطوة العز» في رحاب الوطن.. أعطوا لوطنهم فيضاً من خير وجمال فتتوقد ذكراهم في الخاطر عند كلّ رحيل.

تودع اليوم الأمين محمود غزالي بوطأة الحزن عينها التي ودعت فيها ذات غياب ابنها العذب زكي ناصيف وصفوة من رفقاء العز، لهم في ذاكرة الحزب مرتبة الإكبار ومنهم الرئيس الأسبق عبدالله محسن، ورفقاء كان لهم الفضل في دكّ المدماك الأول على مسار الحزب في البقاع الغربي ومشغرة تحديداً، ومن مصافي تلك النخبة الأمناء والرفقاء عساف أبو مراد، إميل رفول، شفيق ناصيف، عبد الله مزاحم، ومحمد أمين منصور، من غير ان ننسى الرفيقة دعد مزاحم… وأيضاً شهداء وأبطال كتموا الجرح صوْناً لمصلحة وطنية وذوْداً عن «قمر مشغرة» كي «لا يصيب وجه ضيم».

بهذا الوجد الجليل شيّعت بالأمس بلدة مشغرة وجموع القوميين الاجتماعيين المناضل الأمين محمود غزالي الى مثواه الأخير.

مشغرة ـ شبلي أبو عاصي

شيّع الحزب السوري القومي الحزب السوري القومي الإجتماعي وأهالي مشغرة المناضل القومي والصحافي محمود علي غزالي في مأتم مهيب وحاشد، حضره إلى جانب العائلة وأبناء الراحل، الأمين وسام، ورؤيا وهلا وهشام وطارق، وفد مركزي تقدّمه نائب رئيس الحزب وائل الحسنية، وضمّ ناموس مجلس العمد نزيه روحانا، عميد الإعلام معن حمية، عميد الاقتصاد حبيب دفوني، عميد العمل والشؤون الاجتماعية بطرس سعادة، عميد التربية والشباب رامي قمر، العميد د. خليل بعجور، أعضاء المجلس الأعلى: قاسم صالح، عبدالله وهاب، أحمد سيف الدين، بشارة باروكي وسماح مهدي. الرئيس الأسبق للحزب مسعد حجل، إضافة إلى منفذ عام البقاع الغربي د. نضال منعم وهيئة المنفذية، منفذ عام راشيا خالد ريدان، منفذ عام زحلة إيلي جرجس، منفذ عام بيروت فادي داغر، منفذ عام صيدا الزهراني وأعضاء الهيئة، منفذ عام الطلبة الجامعيين في بيروت رمزي معلوف وأعضاء الهيئة، مدير إدارة «البناء» زياد الحاج، رئيسة مؤسسة رعاية أسر الشهداء نهلا رياشي على رأس وفد، الأمناء: د. ربيع الدبس، جرجي الغريب، نور غازي، مارون غنام، مفيد القنطار، ناديا حجل، ناظم أيوب، سليم الأعور، علي عسيران، إميل غزالي، وجمع كبير من القوميين والمواطنين.

كما حضر نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، النائب السابق ناصر نصرالله، نقيب المحررين جوزيف القصيفي ممثلاً بوفد ضمّ رمزي عبد الخالق وشبلي أبو عاصي، مسؤول حركة أمل في البقاع الغربي الشيخ حسن أسعد، مسؤول حزب الله في البقاع الغربي الشيخ محمد حمادي، إمام بلدة مشغرة الشيخ عباس ذيبة، وجمع من فاعليات وأهالي مشغرة.

المنفذية

ألقى ناظر الإذاعة في منفذية البقاع الغربي أنطون سلوان كلمة تعريفية جاء فيها: في حضرة الموت والرحيل، في حضرة الغياب الطويل، في حضرة الألم والفراق، نقف وقفة تأمل وتفكّر وتبصّر.

هل هناك في الموت ما يخيف أكثر من عجز الإنسان عن رؤية من يحب حين يشتاق إليهم وحين يكويه الحنين لملقاهم؟

إنه لمن الصعب أن يفارقنا أشخاص نحبّهم، أشخاص اعتدنا وجودهم بيننا، أشخاص نلجأ إليهم طلباً لرأي سديد، ونصيحة صادقة وحكمة رزينة.

حضرة الأمين الجزيل الاحترام، قد تعجز عن رؤيتك العيون، وحتماً ستشتاق إليك وتفتقدك القلوب ولكن رأيك السديد، ونصائحك الصادقة وحكمتك الرزينة ستبقى حاضرة بيننا أبداً، تتفتح مع مواسم الزنبق، تتنهّدها حواشي العمر وتتناقلها الأجيال وريقات خط عليها قلمك عبارات تسدّد الخطى وتحدّد المسار وتفعل فعلها قوة تغيّر وجه التاريخ.

حضرة الأمين، لطالما أفرحك أن ترى الهلال والصليب يتعانقان، ورأيت القيم في الإنجيل تتلاقى مع القيم في القرآن الكريم من أجل خير المجتمع وخير الإنسان، فالصادق الأمين قال، «حسن الخلق وحسن الجوار يعمّران الديار ويزيدان في الأعمار». والناصري قال، «كلّ ما تريدون أن يفعل بكم الناس إفعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم. ولا تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحاً لِلْبُنْيَان». وأنطون سعاده قال، «الدين يجمع الإنسان الى الإنسان بممارسة المثل والقيم التي تعلم العطاء وتلقن أخلاق البناء والتقدم».

كان همّك الأول خير المجتمع وخير الإنسان، وكان هدفك الأساس من خلال عملك الحزبي والصحافي بناء إنسان يتحلّى بالأخلاق فيكون الصادق الصدوق، والدمث الخلوق، والحكيم الحليم، والعالم العليم، فيصبح المجتمع عصياً على الصعوبات والفتن وعلى كلّ ما قد يتهدّده من محن.

يقول أنطون سعاده، «إنّ سورية تمثّل لنا شخصيتنا الاجتماعية ومواهبنا وحياتنا المثلى ونظرتنا إلى الحياة والكون والفن، وشرفنا وعزنا ومصيرنا».

لذلك فإنّ لسورية الأمة ولسورية الوطن مكانة كبيرة في قلب وعقل ووجدان كلّ قومي إجتماعي. ترابها، أنهارها، جبالها وديانها، وأشجارها أغلى من كنوز الأرض كلها. من أجلها نقدّم الغالي والنفيس، نحيا من أجل أن تحيا، ونموت من أجل أن تحيا. هذا ما تمثله سورية لنا وهذه ما لطالما مثلته سورية لحضرة الأمين الراحل.

من أجل سورية، ما ترك يوماً حلبة الصراع، وكان حاضراً في كلّ ساحات الجهاد، مقاوماً، مدافعاً عن كلّ حبة تراب في وجه كلّ مستعمر ومحتلّ وطامع. قاوم بالرصاص وقاوم بالكلمة، قاوم بالموقف وقاوم بالحكمة وكانت عيناه دوماً ترنو نحو فلسطين، فلسطين جرح الأمة النازف.

حضرة الأمين، إنّ بزور الصراع التي غرست ورفقاؤك على مدى السنين قد كبرت وأصبحت شجرة وارفة الأغصان، وإنّ رصاصات خالد علوان التي أطلقها على صدور المحتلين في الويمبي ذات أيلول مبارك حاضرة دوماً لتطلَق على صدر كلّ محتلّ وإرهابي وطامع.

وها هي دماء الشهداء التي روت أرض الشام بدأت تزهر نصراً كبيراً في وجه أكبر مؤامرة استهدفت الأمة كلّ الأمة. وها هو الجولان ينتفض على المحتلّ مؤكداً بأنّ أرضه لن تكون يوماً إلا أرضاً سورية مهما حاول الأعداء سلخه عن الوطن، وها هي فلسطين تواجه الصفقات والمؤامرات القادمة كما واجهت ما سبقها من صفقات ومؤامرات.

حضرة الأمين، نم قرير العين، فوسام وهشام ورؤيا وهلا وطارق والأحفاد وكلّ القوميين الإجتماعيين سيواصلون المسير عاملين لحياة عزيزة كريمة للأمة كلّ الأمة، لن يتركوا ساحات الجهاد الى أن يتحقق النصر وتتحرر الأرض كلّ الأرض وتفشل المؤامرات كلّ المؤامرات مهما غلت التضحيات، مردّدين مع الشاعر القومي، «إن قطعوا عني يميني أسرعت لتعيد ملحمة النضال يساري».

كلمة القوميين

والقى الدكتور رائد محسن كلمة القوميين الاجتماعيين في مشغرة ومما جاء فيها: محزن ومؤلم أن نودّع أيّ رفيق فكيف إذا كان وداع الأمين محمود غزالي؟ هو الأمين عن حق وجدارة والذي بذل حياته في سبيل نهضة أقسم أنها تساوي وجوده.

هو الرفيق والمدير والأمين والناظر والمنفذ العام والعميد وهو الصحافي المناقبي ورئيس تحرير البناء في عز الصراع والشحّ.

هو من وقف وقفة عز في وجه رصاص الغدر ورفض أن يكون مسؤولاً يدافع عنه فكانت حياة رفقائه أهمّ من أن يضحى بها لأجله. هو الوفي لقسمه، فأبى إلا أن يبني مع رفيقة حياته رباب عائلة قومية إجتماعية، فكان أبناؤه وبناته وحفدته رفقاء ورفيقات في درب النهضة القومية الإجتماعية.

في خضمّ أوقاتنا هذه، نفتقد لحكمة أمثاله وإيمانهم الصلب وفهمهم المعمق وممارستهم الصحيحة لعقيدة نهضوية ريادية.

نودع اليوم قامة معنوية وأخلاقية من حزبنا، رفيقاً وأميناً نفتخر بمعرفته ومجالسته، إنساناً حفر مكاناً له في قلوب أهالي مشغرة والبقاع الغربي وكلّ من عرفه.

في نهاية سبعينيات القرن الماضي، خاطب القوميين الإجتماعيين المغتربين حاثاً إياهم على العودة الى الوطن قبل أن يفوتهم التحريرعلى ما قال. كان التحرير بالنسبة إليه في لبنان وفلسطين حاصلاً مؤكداً وهو الذي صارع في كلّ يوم بالفكر والجسد من أجل تحقيق هذا التحرير.

سيبقى الأمين محمود غزالي ممراً إجبارياً لكلّ من يدرس الصحافة القومية الإجتماعية وتاريخ الحزب في إحدى أكثر المراحل نزفاً وبناء. لك محبتنا والزوايا القائمة.

كلمة مركز الحزب

وألقى نائب رئيس الحزب وائل الحسنية كلمة مركز الحزب، فأشار إلى أنّ الأمين الراحل قامة كبيرة، ومنذ انتمائه الى الحزب السوري القومي الاجتماعي كرّس حياته للنضال في المديرية، في المنفذية وفي مركز الحزب.

آمن بفكر أنطون سعاده، فأنشأ وأسّس مع رفيقة نضاله وشريكة حياته عائلة قومية إجتماعية نعتزّ بها ونفتخر، تعمل من أجل عز النهضة وانتصارها.

آمن بوحدة الشعب والوطن، وواجه المذهبية والطائفية بوصفها عوامل تفتيت وفتنة، كيف لا وهو من مدرسة أنطون سعاده، مدرسة تحمل رسالة الوحدة والأخاء القوميين، وتنبذ كلّ ما يقسّم ويفرّق.

وتابع الحسنية: حضرة الأمين، نعاهدك بأن نبقى على ما نحن عليه، متمسكين بحقنا، مدافعين عن أرضنا، نقدّم الدماء الزكية على مذبح الحرية، من أجل نصرة أمتنا وعزتها.

رحلت يا حضرة الأمين، وفلسطين التي في قلبك وعقلك، تتآمر عليها أنظمة الذلّ، وتبيعها لليهود بثلاثين من الفضة، من خلال صفقة قرن مشؤومة، ولكن، عهدنا يا حضرة الأمين بأنّ فلسطين التي ناضلت من أجلها، ستبقى جوهر قضيتنا، واننا لمستمرّون في الصراع من أجل فلسطين، لأنها أرضنا وحقنا.

وقال الحسنية: مع خالد علوان وكوكبة الاستشهاديين سطرنا ملاحم مجد وبطولة في مقاومة العدو اليهودي، وبالمقاومة مستمرون حتى زوال الكيان الصهيوني العنصري الغاصب عن أرضنا.

وتابع: إننا مستمرون في المقاومة، ومتمسكون ببندقية المقاومة لحماية الوطن، وعلى الذين يراهنون على هيمنة أميركية وغزوات صهيونية، على هؤلاء أن يفهموا بأنّ خيار المقاومة هو المنتصر، وأنّ كلّ الرهانات الأخرى هي رهانات خاسرة.

وأشار الحسنية في كلمته، إلى أنّ قتالنا ضدّ اليهود وضدّ الإرهاب لن يمنعنا من الوقوف إلى جانب شعبنا بمواجهة الأوضاع والأزمات الاقتصادية والمعيشية، فنحن معنيون بالعمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، وحصول الشعب على حقوقه المشروعة. ومعنيون بمحاربة الفساد والفاسدين والجشع وكلّ السياسات القاصرة التي تفقر الناس وتثقلهم بالأعباء.

وختم الحسنية بالقول: حضرة الأمين، رحلت جسداً ولكن طيفك لا يزال حاضراً بيننا. ستبقى أكبر من الغياب. ونقول لعائلتك خسرتم الوالد ونحن خسرنا الأمين والرفيق والموجه.

وختاماً كان لإمام بلدة مشغرة الشيخ عباس ذيبة كلمة تحدث فيها عن صفات الراحل وعن القيم التي تختزنها المسيحية والمحمدية.

بعد ذلك، رفع جثمان الراحل على الأكفّ وسار الجمع باتجاه جبانة البلدة يتقدّمهم حمَلة الأعلام والأكاليل من الطلبة والأشبال حيث ووري الراحل في الثرى بعد أن أدّى له القومييون الاجتماعيون التحية الحزبية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى