طهران تحرك خط الحوار مع أنقرة حول سورية… وتنتظر مسقط للقاء الرياض حزب الله يقدم نموذجاً لتحرير الرهائن من المسلحين… والعسيري يشجع الحوار
كتب المحرر السياسي:
ليست هناك آفاق مواجهة ولا تجاذبات يخلفها تمديد التفاوض حول الملف النووي الإيراني، فتحرير الوديعة الإيرانية الأولى البالغة سبعمئة مليون دولار تم فوراً، كما يتم تنفيذ الاتفاقات التي ترتبط بها الدول الكبرى، وليس كما يتصرف الخصوم المختلفون، وبالتوالي أعلن الإتحاد ألأوروبي تجميد فرض عقوبات جديدة على إيران، أسوة بما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما عن عدم جدوى التفكير بمثل هذه العقوبات رداً على مساع في الكونغرس لمثلها.
هو اتفاق إذن!
إيران تتوقف عن التخصيب المرتفع على مستوى عشرين في المئة وتبقي على التخصيب بنسبة الخمسة في المئة، وتعدل مفاعلي أراك ونطنز وفقاً لملاحظات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعيد تقييم أجهزة الجيل الرابع من أجهزة الطرد المركزي بالتعاون مع خبراء الوكالة ليتم تحديد العدد اللازم لإنتاج الوقود الكافي لمفاعلاتها.
الغرب يحرر نسبة من أرصدة إيران المجمدة ويفك العقوبات عن عشرات الشركات والمؤسسات الإيرانية، ويمتنع عن فرض عقوبات جديدة
يبدأ حوار إيراني تركي وإيراني سعودي حول الملفات الإقليمية وفي المقدمة الأزمة السورية لدعم مبادرة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا التي تحظى بتأييد روسي أميركي.
تتهيأ مناخات التعاون عبر تسويق فرص هذا التعاون على مستوى حلفاء الفريقين ومكونات الرأي العام لديهما خلال فترة التطبيق الأولى لبنود هذا الاتفاق، الذي تجب حمايته من السقوط بعدم تقديمه كإنجاز كبير يستدرج فتح النار لإسقاطه من كثير من المتربصين المطلوب تحييد بعضهم وإسقاط الذرائع من أيدي بعضهم الآخر.
مع هذا المناخ الآتي من فيينا بدأت طهران توجه الرسائل للعاصمتين الأبرز إقليمياً من حلفاء واشنطن، أنقرة والرياض، فكان كلام نائب وزير الخارجية الإيرانية حسين عبد اللهيان عن قدرة تركيا وإيران الإسهام الجدي في حل الأزمة السورية بتعاونهما، وكانت القناة العمانية بين إيران والسعودية تنقل الرسائل حول فرص التعاون لإطلاق الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، لتلقى الصدى بإعلان السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري عن ترحيب حكومته بهذا الحوار ورهانها على مساعي الرئيس نبيه بري في هذا المجال.
لا تزال مسقط هي الوجهة للحوارات المقبلة، وهي مكلفة بتراض سعودي إيراني أميركي التحضير لحوار له جدول أعمال بين طهران والرياض لملاقاة المناخات الجديدة والبدء بحلحلة المشاكل العالقة، كما قال علناً الرئيس أوباما.
في مسقط ورش عمل لا تهدأ لاستضافة جولات الحوار المنتظر بين إيران والسعودية، التي صرح وزير خارجية عمان يوسف بن علوي أنها ستكون أولوية عمان للمرحلة المقبلة بمباركة من قادة البلدين، ومحورها الأول التعاون في ملف الحرب على الإرهاب الذي تشكل الفتنة المذهبية فرصته الذهبية.
مناخ الحرب على الإرهاب، هو الجامع بين القوى الدولية والإقليمية، التي تتخذ هذه الحرب مناسبة لتذليل ما بينها من خلافات، فالتسويات التي تنتجها عادة الطرق المسدودة أمام فرص النصر الحاسم، تبحث عن مسوغ كبير يعطي التسوية عنواناً قابلاً للتسويق، وهذه هي مهمة الحرب على الإرهاب، على رغم جدية التحدي، إلا أن مهمتها تتعدى الحاجة الموضوعية إليها لتصير حاجة ذاتية لتبرير التسويات.
لبنان الواقف على تقاطعات الانتظارات، بصدد ما يتصل باستحقاقاته التي يعلم أنها تحتاج مناخاً إقليمياً إيجابياً، خصوصاً بين السعودية وإيران، ينتظر ما لدى الرئيس نبيه بري على هذا الصعيد، خصوصاً أنه سيكون عراب الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، وجدول الأعمال حافل وفي رأس الجدول الاستحقاق الرئاسي، وبري لن يكون مستمعاً بل شريكاً كاملاً في هذا الحوار الذي سيستضيفه وينظم محاوره ويبرمج خلاصاته وسبل تطبيقها.
حزب الله المعني بالحوار، معني أيضاً مباشرة بالحرب على الإرهاب التي تهدد لبنان والتي يشترك حزب الله في صفوفها الأمامية في لبنان وسورية، وقدم فيها مثالاً على صناعة الانتصارات على رغم الانتقادات والسجال المفتوح حول دوره، ومثلما ينزف لبنان في قضية العسكريين المخطوفين، كان حزب الله يتكتم على المفاوضات لإطلاق أسيره عماد عياد ليقدم نموذجاً حول مفاوضات يمكن أن تصل لبر الأمان بالتعاون والكتمان بين أهالي المخطوف من جهة والمفاوض من جهة أخرى، واعتماد أسلوب جمع نقاط القوة والصبر والحرب النفسية، بينما ينتقل لبنان من مأزق إلى مأزق في قضية العسكريين المخطوفين، لأن العكس يحصل فيقع لبنان تحت الابتزاز، وينجح الخاطفون بتحويل أهالي العسكريين المخطوفين إلى ورقة ضغط بيدهم، كما تتحول عمليات الضغط والقتل والتلويح بالقتل إلى حرب نفسية معاكسة يخوضها الخاطفون.
على الصعيد الداخلي، وفيما يتأرجح ملف العسكريين المخطوفين بين تعنت الخاطفين وابتزازهم وتباطؤ الوسيط القطري، نجح حزب الله في استعادة أسيره لدى ميليشيا «الجيش السوري الحر»عماد عياد بأقل ثمن، بعد مفاوضات لم تستغرق سوى أسابيع قليلة أبرزت دروساً في فن التفاوض يمكن للحكومة اللبنانية الاستفادة منها لحل قضية العسكريين.
فقد أعلنت العلاقات الإعلامية في «حزب الله»، انه وبعد مفاوضات استمرت لأسابيع مع الجهات الخاطفة، تم تحرير عياد أمس مقابل إطلاق سراح أسيرين كانا لدى الحزب من المسلحين.
وعلمت «البناء» من مصادر واسعة الإطلاع أن أهمية عملية تحرير عياد، هي في التكتم الشديد الذي اعتمده حزب الله في المفاوضات الجارية وحصرها في شخص واحد من داخل الحزب.
واعتبرت المصادر «أن حزب الله نجح في حصر التفاوض في الميدان من دون أن يتعداه إلى أي مكسب آخر، بمعنى أسر مقابل أسر، مشيرة إلى «أن الجيش السوري الحر» كان قد طلب عبر وسيط سوري مقيم في لبنان، المقايضة وأرفقها بشروط تشبه شروط خاطفي العسكريين، إلا أن الحزب رفض ذلك، وبقيت الأمور تراوح مكانها ثلاثة أسابيع، ليوافق بعد ذلك مسلحو «الجيش الحر» على عملية التبادل، لا سيما أن الأسيرين هما ضابطان ومن المسؤولين الرئيسيين في عمليات القلمون.
وسألت المصادر: «هل ستبادر جهات أخرى مسؤولة عن ملف العسكريين المختطفين لدى جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابيين، للعمل كما عمل حزب الله لامتلاك ورقة القوة ثم المقايضة؟».
وخلال استقباله في منزل ذويه في الضاحية نقل نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق إلى عياد التهنئة من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وأشار إلى انه «انجاز لكل الوطن لكل اللبنانيين نتيجة للجهود الهادئة والمتواصلة، والفرحة لا تكتمل طالما بقي العسكريون في الأسر وكل الحرية لا تكتمل إلا بتحرير جميع العسكريين من أسر التكفيريين وبعودة الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية».
وفي الموازاة، أعلن أهالي العسكريين الموقوفين بعد لقائهم الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء محمد خير، أن تنظيم «داعش» يسهل الأمور بينما جبهة «النصرة» تماطل في تقديم أسماء الذين تريد إطلاق سراحهم من سجن رومية مقابل تحريرها العسكريين المحتجزين لديها، داعين إلى تجزئة هذا الملف.
ومساء أمس أفيد عن خطف مسلحين المعاون أول المتقاعد في الجيش اللبناني محمد أحمد الحجيري، من دكانه، في حي رأس السرج، غرب عرسال، ونقلوه إلى مناطق تمركزهم في الجرد – شرق البلدة.
السعودية تعتمد على بري
سياسياً، استقطبت الاهتمام تصريحات السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري حول الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، مظهراً اعتماد بلاده على رئيس المجلس النيابي نبيه بري «الذي أبدى التزامه ببذل كل جهد على إيجاد المخارج»، على ما قال عسيري، مقللاً من تأثير موقف المندوب السعودي في مجلس الأمن حول اتهام حزب الله بالإرهاب على موضوع الحوار.
ورأى السفير السعودي بعد زيارته بري «أن الحوار الوطني هو مسؤولية الأشقاء اللبنانيين دون سواهم، وهو السبيل الأفضل الذي يؤدي إلى تحقيق المصلحة الوطنية العليا».
وفي حديث تلفزيوني، أكد عسيري «الفصل بين مواقف السعودية في نيويورك وما يجري في لبنان»، لافتاً إلى أن «بلاده تتمنى أن يتحاور جميع الأفرقاء وإيجاد حل للأزمة التي يواجهها لبنان وبخاصة أزمة رئاسة الجمهورية».
وأشار إلى أن «الحوار الذي من الممكن أن يبدأ بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» يخص التيار والحزب وإن كان هذا الأمر فيه مصلحة لبنان فإننا نشجعه». وقال: «أي حوار بنّاء بين حزب الله و«المستقبل» أو بين التيار الوطني الحر و«المستقبل» أو بين القوى المسيحية ويصب في مصلحة لبنان نحن معه». وكشف عسيري أن تسليح الجيش اللبناني بات واقعاً ولم تبق سوى «الدليفري».
وأكدت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» «أن زيارة السفير السعودي إلى عين التينة هي لترطيب الأجواء بعد الموقف السعودي من إدراج حزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية»، مشيرة إلى «أن السعودية ترى في الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله مصلحة لها، لجهة التفاهم على انتخاب رئيس توافقي».
بدوره، رأى السفير المصري محمد بدر الدين زايد بعد لقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى أن «الأوضاع في لبنان ستتجه إلى الاستقرار، وإلى ما يجب أن تكون عليه، لأن المهم بالنسبة إلينا هو أن يدخل لبنان في مرحلة جديدة يعود إلى الاستقرار وإلى التوازن المطلوب».
في غضون ذلك، أكدت كتلة «المستقبل» النيابية بعد اجتماعها برئاسة النائب فؤاد السنيورة أن «المسعى الإنقاذي» للاستحقاق الرئاسي «يوجب المبادرة إلى القيام بعمل وطني يسهم به كل الأطراف للتوصل إلى تسوية وطنية يتحقق بموجبها التوافق على رئيس الجمهورية المقبل».
لا بوادر اتفاق حول قانون الانتخاب
نيابياً، لا تزال الهوة بعيدة بين طروحات الكتل النيابية في ما يتعلق بقانون الانتخاب، حيث أن كل فريق يتمسك بمشروعه، فالمداولات في الاجتماع الثالث للجنة المكلفة دراسة قانون الانتخاب أمس أكدت الذهاب بعد انتهاء مهلة الشهر إلى الهيئة العامة من دون أي اتفاق».
وكان اللافت في الجلسة الهجوم الذي شنه النائب سامي الجميل على مشروع المستقبل- الاشتراكي- القوات، مؤكداً «أنه أكثر مشروع استنسابي ومنحاز، وأن ذلك يظهر جلياً في تقسيمات جبل لبنان، إذ إن الاقتراح يعمد إلى تقسيم محافظة جبل لبنان إلى دائرتين، لكن بطريقة غير متساوية أي ثلث بثلثين: الشوف وعاليه دائرة واحدة، وبعبدا والمتن وكسروان وجبيل دائرة واحدة، حفاظاً على التمثيل الجنبلاطي الأمر الذي يضرب كل المعايير».
ودعا عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض الجميع إلى تقديم مشاريع قابلة للتوافق، قائلاً: «نرفض الانزلاق إلى المماحكة، اطرحوا أفكاراً توافقية، وواهم من يعتقد منا أن بإمكانه أن يفرض نظاماً انتخابياً على الآخرين».
حملة مساعدة البيئة الحاضنة للنازحين
على خط آخر، أطلق رئيس الحكومة تمام سلام حملة «دعم صندوق النهوض اللبناني لمساعدة البيئة الحاضنة للنازحين السوريين». واعتبر خلال حفل نظمته وزارة الاقتصاد والتجارة في السراي الحكومي برعايته، وبمشاركة عدد من الوزراء المعنيين والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة روث ماونتن وحشد من السفراء والديبلوماسيين ان هذه الحملة «هي جزء مما نتصدى له في محاولة منا لتخفيف أعباء هذا الملف سواء كان على إخواننا النازحين السوريين أو على لبنان».