شباب العراق ينظمون «مهرجان سلام» في بغداد بينما هذا ما تفكر فيه أميركا

يستعدّ آلاف الشباب العراقيين للاحتشاد داخل حديقة على نهر دجلة من أجل الاحتفال بالذكرى الثامنة لمهرجان «بغداد دار السلام» في 21 سبتمبر أيلول المُقبل. لذا أجرت لورا جوتسديينر، الكاتبة والصحافية المستقلة والمنتجة السابقة لبرنامج «الديمقراطية الآن Democracy Now»، مُقابلة مع نوف عاصي وزين محمد، وهما من الذين يُنظمون المهرجان سنوياً. ونشر موقع «لوب لوج» المقال الذي أعدَّته لورا، والتي تُوافق الشباب العراقي الرأي القائل بأنَّ الحرب ليست هي الخيار الوحيد دائماً.

بدأت لورا مقالها بالحديث عن المزحة الحزينة المُنتشرة في بغداد هذه الأيام، والتي روتها لها نوف عبر الهاتف، وهي ناشطة سلام عراقية تبلغ من العمر 30 عاماً وتعمل في مجال المساعدات الإنسانية. وأفادت لورا أنَّ محادثتهما جرت أواخر شهر مايو أيار ، إبان إعلان إدارة ترامب أنَّها ستضيف 1500 جندي أميركي إلى حامياتها في الشرق الأوسط.

وأوردت لورا حديث نوف الذي استهلته قائلةً: «تريد إيران أن تقاتل لإخراج الولايات المتحدة والسعودية من العراق. وتريد الولايات المتحدة أن تقاتل لإخراج إيران من العراق. فماذا لو أنَّنا نحن العراقيين غادرنا جميعاً لكي يتمكنوا هم من القتال هنا بمفردهم؟».

وأوضح المقال أنَّ نوف هي من جيل العراقيين الشباب الذين عاشوا غالبية حياتهم في ظلّ الاحتلال الأميركي لبلدهم، ثم خاضوا العنف الكارثي الذي أطلقه هذا الاحتلال، بما في ذلك صعود «تنظيم الدولة الإسلامية داعش »، وهو الجيل الذي يراقب الآن بقلق تهديد واشنطن بالحرب ضدّ طهران. وهم يدركون تمام الإدراك أنّ نشوب تلك الحرب سيُؤدِّي إلى توريط العراقيين مرةً أخرى في خضمّ هذا الصراع المدمّر على الأرجح.

وفي شهر فبراير شباط أثار الرئيس ترامب الغضب بادِّعائه أنَّ الولايات المتحدة ستحتفظ بتواجدها العسكري وقوامه 5200 جندي وقاعدة عين الأسد الجوية في العراق، بحسب المقال، من أجل أن «تُراقب إيران». وأمَرت وزارة الخارجية جميع الموظفين الحكوميين غير الأساسيين بمغادرة العراق فجأةً في شهر أيار/ مايو، مشيرةً إلى معلوماتٍ استخباراتية غامضة عن وجود تهديدات من «نشاط إيراني».

وأوضحت لورا أنَّ النائب البريطاني لقائد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال داعش ناقض تلك المعلومة الاستخباراتية المزعومة على الفور، حين زعم بأنه «ليس ثمة زيادة في المخاطر من طرف القوى المدعومة من إيران داخل العراق وسورية». وبعد ذلك بأيام قليلة، سقط صاروخ لم يُحدِث أضراراً في المنطقة الخضراء شديدة التحصين داخل بغداد، والتي تضمّ السفارة الأميركية. وبعدها أعلن عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء، أنَّه سوف يُرسِلُ وفوداً إلى واشنطن وطهران في محاولةٍ «لوقف التوترات»، وذلك إبان احتشاد آلاف العراقيين العاديين في بغداد للتظاهر ضدّ احتمالية استدراج بلدهم إلى الصراع مرةً أخرى.

وترى لورا تشابهاً كبيراً بين الكثير من التغطية الإعلامية الأميركية للتوترات الأميركية الإيرانية المتصاعدة في هذه الأسابيع، والمليئة بـ«معلومات استخباراتية» سرّبها مسؤولون من إدارة ترامب دون الكشف عن أسمائهم، وبين الفترة التي سبقت الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وأشارت إلى مقالٍ نُشِرَ مؤخراً في الجزيرة بعنوان: «هل تدق وسائل الإعلام الأميركية طبول الحرب ضدّ إيران؟» إذ قال المقال صراحة: «عام 2003، كانت العراق. أما في عام 2019، فهي إيران».

وتعتقد لورا أنَّه من سوء الحظ أنَّ التغطية الأميركية للعراق لم تتحسَّن كثيراً على مدار 16 سنة بعد الغزو، وتُؤكِّد أنَّ العراقيين أنفسهم غائبون عن هذه التغطية. إذ لم يسمع الجمهور الأميركي مثلاً عن تنظيم الطالبات في مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية التي تعرَّضَت لقصفٍ شديد واستُعيدَت من داعش عام 2017، لإعادة تزويد رفوف مكتبة جامعة الموصل التي كانت شهيرةً في الماضي قبل أن يحرقها مقاتلو داعش أثناء احتلالهم للمدينة.

ولا يعرف الجمهور الأميركي شيئاً عن إحياء بائعي الكتب والناشرين لسوق الكتب الشهير عالمياً في شارع المتنبي، الذي دمَّرَته سيارةٌ مُفخَّخة عام 2007، أو عن اجتماع عشرات الآلاف من الشباب في شهر أيلول/ سبتمبر من كلّ عام في جميع أنحاء العراق للاحتفال باليوم العالمي للسلام، وهو الكرنفال الذي بدأ منذ ثماني سنوات في بغداد على يد نوف عاصي وزين محمد، زميلها وناشط السلام الذي يبلغ من العمر 31 عاماً ويملك مطعماً وساحة لتأدية العروض. وبعبارةٍ أخرى فمن النادر أن يُسمَح للجمهور الأميركي بإلقاء نظرةٍ خاطفة تجعل الحرب على العراق تبدو أقلّ حتمية.

العراقيون غائبون عن الوعي الأميركي

اعتاد كلٌّ من محمد ونوف على هذا التمثيل المشوّه لبلدهم داخل الولايات المتحدة، بحسب المقال، واعتادوا أيضاً على حقيقة أنَّ العراقيين مثلهم غائبون عن الوعي الأميركي. لكنهم ما يزالون مندهشين من قدرة الأميركيين على إحداث هذا القدر من الدمار والألم في بلدٍ ما يزالون لا يعرفون عنه الكثير.

وقالت نوف في حديثها إلى لورا: «منذ سنوات، ذهبت إلى الولايات المتحدة في برنامجٍ للتبادل، واكتشفت أنَّ الناس لا يعرفون أيَّ شيءٍ عنَّا. لدرجة أنَّ أحدهم سألني إذا كنت أستخدم الجَمَل لتنقلي. لذا عدت إلى العراق وأنا أُفكِّر: اللعنة على ذلك! ينبغي أن نخبر العالم بأمرنا».

وتحدَّثت لورا إلى نوف ومحمد، بشكلٍ منفصل عبر الهاتف باللغة الإنكليزية، أواخر شهر أيار/ مايو حول التهديد المتزايد لحربٍ أميركية أخرى في الشرق الأوسط، وحول عملهما الجماعي على مدى عقدين بهدف القضاء على العنف الذي جلبته الحربان الأميركيتان على بلدهما. وفي ما يلي، حرَّرت لورا المقابلتين التي أجرتهما مع صديقيها، حتى يتمكَّن الأميركيون من سماع صوتين من العراق، وهما يخبران قصة حياتهما والتزامهما بالسلام في السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي لبلدهما عام 2003.

ما الذي ألهمك للعمل في مجال السلام في بداية الأمر؟

قال محمد إنَّ تنظيم القاعدة، الذي سبق تنظيم داعش بحسب مقال لورا، في العراق أعدم والده بنهاية عام 2006، في السادس من ديسمبر كانون الأول تحديداً. وأوضح أنَّ أسرته الصغيرة كانت تتألَّف منه هو وأمه وأختين. وكانت خياراته محصورةً في خيارين فقط، إذ كان في التاسعة عشرة من عمره وأنهى دراسته الثانوية للتوّ: إمَّا أن يُهاجر أو أن يُصبح جزءاً من نظام الميليشيات لينتقم.

كان هذا هو نمط الحياة في بغداد آنذاك، لذا هاجر هو وأسرته إلى دمشق. وفجأةً بعد مرور ستة أشهر، حين كانت أوراقهم على وشك أن تصبح جاهزةً لكي يُهاجروا إلى كندا، قال لأمه: «أريد العودة إلى بغداد. لا أريد الهرب».

عاد محمد إلى بغداد بنهاية عام 2007، بحسب مقال «لوب لوج». وحينها قع انفجارٌ ضخم لسيارة في الكرادة، وهي المنطقة التي كان يعيش فيها. لذا قرَّر هو وأصدقاؤه أن يفعلوا شيئاً حيال ذلك الأمر، وأخبروا أصدقاءهم أنَّ عليهم العمل معاً من أجل تعزيز السلام.

ولهذا عقدوا فعاليةً صغيرة في اليوم العالمي للسلام، 21 أيلول/ ديسمبر، في نفس المكان الذي وقع فيه الانفجار. وفي عام 2009، حصل محمد على منحةٍ في الجامعة الأميركية بالسليمانية لحضور ورشة حول السلام، وشاهدوا فيلماً عن يوم السلام. وبنهاية الفيلم، كانت هناك مشاهد خاطفة من جميع أنحاء العالم، ولمدة ثانية واحدة ظهرت الفعالية التي نظموها في الكرادة.

وأوضح محمد أنَّ هذا الفيلم كان مذهلاً بالنسبة له، وكان بمثابة رسالةٍ عاد إثرها إلى بغداد وتحدَّث إلى أحد أصدقائه الذي قُتِلَ والده. وقال محمد لصديقه إنَّ الأمر منهجي: إذ سوف تُجنِّدُه ميليشيا شيعية للانتقام لو كان شيعياً، أو سوف تُجنِّدُه ميليشيا سنية أو تنظيم القاعدة للانتقام لو كان سنياً. وأخبره محمد أنَّه ينبغي عليهم خلق خيارٍ ثالث، وكان يعني بذلك الخيار الثالث أيّ خيار باستثناء القتال أو الهجرة.

وحين تحدَّث محمد إلى نوف، قالت إنَّ عليهم جمع الشباب وتنظيم اجتماع، فسألها: «ما الهدف من الاجتماع؟» إذ لم تكن لديهم فكرةٌ واضحة عن ماهية الخيار الثالث. فأجابت نوف: «ينبغي أن نجمع الشباب ونجتمع لنقرّر ما نفعله».

وأوردت لورا تصريح نوف التي قالت: إنَّ بغداد أُطلِق عليها اسم: مدينة السلام، حين بُنِيَت في المرة الأولى. وأوضحت نوف إنَّ الجميع ضحك عليهم حين بدأوا أول الأمر في الحديث إلى الناس، إذ قالوا لهم: احتفالٌ بمدينة السلام في بغداد؟ هذا لن يحصل أبداً. في ذلك الوقت، لم تكن ثمة فعاليات، ولم يكن أيّ شيءٍ يحدث في الحدائق العامة. في حين أفاد محمد أنَّ الجميع قال لهم: أنتم مجانين، نحن ما نزال في خِضَم الحرب.

وأفادت نوف إنَّهم لم يحصلوا على أيّ تمويل، لذا قرَّروا إشعال الشموع، والوقوف في الشارع ليُخبروا الناس أنَّ بغداد تُسمَّى مدينة السلام. لكنهم قرّروا تنظيم مهرجانٍ صغير حين وصل عدد مجموعتهم إلى 50 شخصاً. ولم تكن لديهم ميزانية، لذا كانوا يسرقون الأدوات المكتبية من مكتبهم ويستخدمون الطابعة هناك. واعتقدوا بعد المهرجان أنَّهم أوضحوا فكرتهم، لكنهم لم يعتقدوا أنَّ الناس سوف ترغب في الاستمرار. لكنَّ الشباب عادوا إليهم وقالوا: «لقد استمتعنا. فلنفعل ذلك مرةً أخرى».

كيف تطوَّر المهرجان؟

ذكرت لورا في مقالها على «لوب لوج» ما أفادت به نوف حول حضور حوالي 500 شخص في العام الأول، وأنَّ غالبيتهم كانوا من عائلاتهم أو أقاربهم. والآن يحضر المهرجان 20 ألف شخص تقريباً. لكنَّ فكرتهم ليست متعلقةً بالمهرجان فحسب، وإنما بالعالم الذي يخلقونه من خلال هذا المهرجان. إذ يبنون كلّ شيء من الصفر حرفياً، لدرجة أنَّ لديهم فريقاً يصنع الزينة يدوياً.

وقال محمد: «إنَّهم شعروا بالنتائج الأولية حين جاءت داعش وحدث ذلك القرف مرةً أخرى عام 2014. لكن النتائج كانت على المستوى المجتمعي هذه المرة، إذ بدأت مجموعاتٌ كثيرة في العمل معاً لجمع الأموال والملابس للنازحين داخلياً. وأوضح في حديثه إلى لورا أنَّ الجميع كانوا يتعاونون معاً، وكأنَّ ثمة بصيص أمل».

في حين قال نوف للورا أنَّ المهرجان يُقام الآن في البصرة والسماوة والديوانية وبغداد، وأنَّهم يأملون أن يمتدّ إلى النجف والسليمانية. وأفادت أنَّهم عملوا على مدار العامين الماضيين من أجل إنشاء أول مركز للشباب في بغداد، مركز «آي كيو بيس سنتر IQ Peace Center»، والذي يستضيف مختلف النوادي ومنها: نادي موسيقى الجاز، ونادي الشطرنج، ونادي الحيوانات الأليفة، ونادي الكتابة، ونادي النساء والفتيات لمناقشة مشكلاتهن داخل المدينة.

وشرح محمد للورا أنَّهم واجهوا الكثير من التحديات المالية لأنهم كانوا حركةً شبابية. ولم يكونوا مُسجَّلين بوصفهم منظمةً غير حكومية، ولم يرغبوا في العمل مثل المنظمات غير الحكومية العادية.

جهود السلام الأخرى في بغداد

قالت نوف: إنهم بدأوا في رؤية الكثير من الحركات المختلفة داخل بغداد على مدار السنوات القليلة الماضية، بحسب مقال «لوب لوج». إذ أراد الشباب رسم صورةٍ أخرى للمدينة، بعد سنوات عديدة من رؤية الفاعلين المسلحين والحروب والجنود. لذا، فلديهم الآن الكثير من الحركات حول التعليم والصحة والترفيه والرياضة والماراثونات وأندية القراءة.

أشارت كذلك إلى حركةٍ تُدعى «أنا عراقي، أنا أقرأ»، وهي الحركة التي تُمثِّل أكبر مهرجانٍ للكتب، حيث يُمكن تبادل الكتب أو الحصول عليها مجاناً للجميع، وتستضيف الحركة مؤلفين وكُتَّاباً للتوقيع على الكتب.

ولكن لورا تعتقد أنَّ هذه ليست الصورة التي تنشأ داخل أذهان الكثير من الأميركيين حين يُفكِّرون في بغداد. ووافقتها نوف الرأي، إذ أخبرتها إنَّها شعرت بالملل في المكتب هي ومُحمد خلال أحد الأيام، لذا بدأوا في البحث على محرك «غوغل» عن صورٍ مختلفة: «لنبحث في غوغل عن العراق»، فوجدوا أنَّ جميع الصور تدور حول الحرب. فبحثوا عن بغداد، ووجدوا الأمر ذاته.

ثم بحثوا بعد ذلك عن شيءٍ شهير في جميع أنحاء العالم، وهو تمثال أسد بابل، ولم يجدوا سوى صورة دبابة روسية طوَّرَتها العراق أثناء حرب نظام صدام حسين، وأطلقوا عليها اسم أسد بابل. وتابعت نوف: «أنا عراقية من بلاد الرافدين، ولديّ تاريخٌ طويل. وقد نشأنا في مدينة قديمة، حيث لكلِّ مكان وكلّ شارع تمرّ عليه تاريخ، لكنَّ وسائل الإعلام العالمية لا تتحدث عما يحدث في تلك الشوارع. وإنما يركزون على ما يقوله السياسيون ويتركون البقية، ولا يُظهرون الصورة الحقيقية للبلاد».

العراق في ظلّ الأوضاع الراهنة

تحدَّثت لورا إلى نوف حول التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، وطريقة استجابة الناس داخل العراق لها في ظلّ مشكلاتهم الداخلية الخاصة. وسألتها عما إذا كانت التغريدات التي يكتبها ترامب على «تويتر» في أيّ يوم من الأيام تحمل أيّ أهميةٍ بالنسبة لهم.

فأجابتها نوف قائلةً: «إنَّ العراقيين مُنشغلون بمشكلاتهم الداخلية الخاصة ولا يهتمّون بتلك التغريدات للأسف.

وأوضحت أنَّ العراقيين ليسوا هم من يتحكَّم في بلادهم منذ عام 2003 على وجه الخصوص. لدرجة أنَّهم لا يُريدون الحكومة الحالية، لكن لا أحد يسألهم عن رأيهم».

أضافت نوف إنَّهم ما يزالون يدفعون الثمن من دمائهم، في حين يُعلِّم بول بريمر التزلُّج على الجليد الآن ويعيش حياةً بسيطة بعد تدمير بلادهم، حسبما قرأت في مقالة عن ذلك الأمر قبل بضعة أشهر. وذكرت لورا أنَّ إدارة بوش عيَّنَت بول بريمر عام 2003 ليكون رئيساً لسلطة الائتلاف المؤقتة، التي أدارت العراق المحتلّ بعد الغزو الأميركي، وكان مسؤولاً عن القرار الكارثي بحلّ جيش صدام حسين المستبدّ.

وسألت لورا محمد عن رأيه في الأخبار التي تُفيد بأنَّ الولايات المتحدة تُخطِّط لنشر 1500 جندي إضافي في الشرق الأوسط. فأعرب محمد عن خشيته من حدوث صِدام، في حال انتهى بهم الحال قادمين إلى العراق، حيث توجد الكثير من الميليشيات المؤيدة لإيران.

وهو لا يُريد صداماً، إذ ربما يموت بعض الجنود في الحرب بين الولايات المتحدة وإيران، ولكنَّ الكثير من المدنيين العراقيين سوف يموتون أيضاً بطريقٍ مباشر أو غير مباشر. ويرى مُحمد غرابةً في كلّ ما حدث منذ عام، لأنَّه لا يفهم ما تفعله الولايات المتحدة، متسائلاً: لماذا غزت الولايات المتحدة العراق؟ ثم قالت إنها تُريد المغادرة، والآن تُريد العودة؟

في حين قالت نوف: «إنَّ ترامب رجل أعمال، لذا فهو يهتمّ بالمال وكيفية إنفاقه، ولن يفعل شيئاً ما لم يكن متأكِّداً من أنه سوف يحصل على شيءٍ في المقابل». وترى لورا أنَّ هذا الكلام ذكَّرها بالطريقة التي استغلَّ بها ترامب التوترات المتزايدة في المنطقة من أجل تجاوز الكونغرس ودفع صفقة أسلحة بقيمة ثمانية مليارات دولار مع السعودية والإمارات. ووافقتها نوف الرأي مُبدِيةً استغرابها من أنَّه كان يطلب من العراق أن تدفع للولايات المتحدة تكاليف الاحتلال العسكري الأميركي في العراق.

رسالة الشباب العراقي

توجَّهت لورا إلى نوف ومحمد بالسؤال عن رسالتهم إلى إدارة ترامب وإلى الجمهور الأميركي، وسط هذه التوتُّرات المتصاعدة. فوجَّه محمد حديثه إلى حكومة الولايات المتحدة قائلاً: «إنَّك تخسر شيئاً ما في كلّ حرب، حتى لو فزت، إذ تخسر أموالاً وأشخاصاً ومدنيين وقصصاً.. يجب أن نرى الجانب الآخر من الحرب». وأكَّد أنَّ بإمكانهم فعل ما يريدون دون حرب. في حين طالب الجمهور الأميركي بمُقاومة الحرب، حتى الحرب الاقتصادية.

وقالت نوف في رسالتها إلى حكومة الولايات المتحدة: «من فضلكم لا تتدخَّلوا في شؤوننا. اتركوا بقية العالم وحده». واعتذرت للشعب الأميركي مُؤكِّدةً أنَّها تُدرِكُ ما يشعرون به نتيجة عيشهم في بلدٍ يحكمه ترامب، إذ كانت تعيش تحت حكم نظام صدام، وما تزال تتذكَّر ذلك. وذكرت أنَّ لديها زميلة أميركية، جاءت باكية إلى المكتب في اليوم الذي فاز فيه ترامب، فقالت لها نوف: «لقد مررنا بذلك من قبل. سوف تتجاوزين ذلك».

واختتمت لورا مقالها بالتأكِّيد على أنَّ الشعب الأميركي سيُواصل العيش تحت التهديدات شبه اليومية من إدارة ترامب بخوض الحرب مع إيران، أو فنزويلا، أو كوريا الشمالية، أو أيّ دولةٍ أخرى لا يعلمها إلَّا الله. وأوردت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته وكالة «رويترز» بالتعاون مع شركة «إبسوس» مؤخراً، والذي أظهر أنَّ الأميركيين يرون على نحو متزايد أنَّ خوض حربٍ أخرى في الشرق الأوسط أصبح أمراً لا مفرّ منه.

إذ يقول أكثر من نصف أولئك الذين استُطلِعَت آراؤهم: إنَّ من «المحتمل للغاية» أو «المحتمل إلى حدٍّ ما» أن تخوض بلادهم حرباً مع إيران «خلال السنوات القليلة المُقبلة». ولكن لورا تُوافق نوف ومحمد الرأي في أنَّه من الممكن دائماً العثور على خيارٍ آخر.

«ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى