إيران تربح الجولة الثالثة بدقة الحسابات

ناصر قنديل

– عندما قررت واشنطن الحزمة الأخيرة من الحرب الاقتصادية على إيران وأعلنت إلغاء الاستثناءات على العقوبات التي فرضتها على كل مَن يطبق قرار مجلس الأمن الدولي الذي صادق على الاتفاق النووي مع إيران، بما يتضمنه من إعلان إنهاء للمقاطعة الاقتصادية والتجارية والمصرفية لإيران، وقامت واشنطن بحشد قواتها في الخليج تحت شعار أنها ستجعل إيران تدفع الثمن غالياً إذا قام اي من حلفاء إيران باستهداف أي من حلفاء أميركا، ظن الكثيرون أن المنطقة بين خيارين لا ثالث لهما، إما استسلام إيران ولو تحت عنوان قبول التفاوض وفق شروط جديدة، أو الحرب التي لا يريدها الطرفان، لكن طهران قالت إن هناك خياراً ثالثاً، هو قلب قواعد الاشتباك بالتلويح بحرب لا تريدها، لكنها لا تخشاها مقابل خصم لا يريدها لكنه يخشاها. وبدأت الجولة الأولى بقيام أنصار الله باستهداف خطوط أنابيب النفط الأميركية في السعودية، ونجاحها بذلك رغم الحماية المكثفة والمكلفة التي توفرها شبكات الباتريوت الأميركية، ونجاحها الأهم بفرض قواعد اشتباك جديدة تربط أي عمل عسكري أميركي بإصابة أهداف أميركية فقط، وإعلان التخلي الكامل عن الشرط الذي لأجله القوات الأميركية هو حماية أنظمة الخليج.

– الجولة الثانية كانت مع استهداف إيران بصاروخ دفاع جوي جديد من صناعة إيران، للطائرة الأميركية الأهم في مجال الحرب الإلكترونية، ونجاحها في إسقاط طائرة التجسس الأميركية العملاقة التي جهزت للتجسس والتنصت فوق الصين وروسيا دون أن تقدر الدفاعات الجوية على التعامل معها أو الرادارات على اكتشافها، كما تقول الروايات الأميركية المنشورة عن هذه الطائرة. ورغم حجم المصاب الأميركي لم تجرؤ واشنطن على رد الضربة، وقامت بتبرير تراجعها مرة أولى بالحديث عن سقوط الطائرة بالخطأ ومرة ثانية بالقول إنه طالما لم يسقط ضحايا من العسكريين الأميركيين فلا مبرر للعمل العسكري. ومرة ثالثة بالقول ان الرد سيوقع الكثير من الضحايا من المدنيين الإيرانيين ورابعة بالحديث عن استدراج إيراني لأميركا لدخول الحرب لأن الأولوية الأميركية هي مواصلة الضغط الاقتصادي، الذي قال عنه الرئيس الأميركي إنه يدفع بإيران نحو الانهيار، قبل أن ينفضح كذبه باستعمال الوصف ذاته عن الاقتصاد الصيني الذي يسابق الاقتصاد الأميركي على المرتبة الأولى في العالم.

– الجولة الثالثة أعلنت عنها إيران قبل شهرين بالتزامن مع الإعلان عن حزمة الحرب الأميركية المالية بإلغاء الاستثناءات، ووضعت إيران مهلة الستين يوماً للخروج التدريجي من التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي وفقاً لمعادلة نلتزم بالاتفاق بمقدار الالتزام الأوروبي بموجباته. ووضعت لذلك سلماً مقارناً لاثني عشر شرطاً متقابلاً من الالتزامات الإيرانية التي تضم نسبة تخصيب اليورانيوم وتخزين الكميات المخصبة، مقابل الالتزامات الأوروبية التي تضم شراء النفط وتحويل عائداته، وحرصت إيران على ضبط معادلاتها الجديدة تحت سقف معاهدة الحد من انتشار السلحة النووية التي لا تلزمها إلا بإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقبول مراقبتها وتحققها من الخطوات الإيرانية طالما ليس بينها أي نشاط عسكري. وراهن الأميركيون كما في حرب الناقلات على مناخ يتيح إجماعاً دولياً ضد إيران، أن يتغير على الأقل الموقف الأوروبي من الاتفاق النووي عندما تعود إيران لتخصيب مرتفع النسبة لليورانيوم، وتخرج بذلك عن بنود الاتفاق، ولوّح الأوروبيون أنهم سيفعلون ذلك، لكنهم بعد اليوم الأول من الاختبار ها هم يهرولون وراء إيران لتحقيق تفاهم أفضل من الذي عرضوه عليها قبل العودة للتخصيب المرتفع كي لا تذهب لتخصيب أكثر ارتفاعاً.

– الجولة الثالثة ربح إيراني خالص، والرهان الأميركي على الزمن اللازم لتأثير الحرب الاقتصادية تستثمره إيران لتغيير قواعد الاشتباك، وإنتاج معادلات جديدة. ولتبسيط الأمر يمكن مقارنة الرهان الأميركي على صفقة القرن وإمكانية النجاح بجذب الفلسطينيين بالمال الخليجي، وثقة إيران بالمقابل بأن القدس ليست بعضاً من السلع التي يرتضي الفلسطينيون مقايضتها بالمال، وبالحصيلة واشنطن تخسر بالمفرق وبالجملة، وإيران تتفوّق في كليهما. صدّق أو لا تصدّق!




اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى