«القومي» وأهالي مشغرة والبقاع الغربي أقاموا حفلاً تأبينياً للأمين الراحل محمود غزالي مهنا: نريد الانتقال من جمهورية الطائفة والطوائف إلى جمهورية المواطن لنقوى ونحافظ على وحدتنا واستمرارنا
مشغرة ـ أحمد موسى
أقام الحزب السوري القومي الإجتماعي وأهالي بلدة مشغرة والبقاع الغربي حفلاً تأبينياً للأمين الراحل محمود غزالي، في احتفالٍ مهيب أُقيم في حسينية بلدة مشغرة في البقاع الغربي، بحضور المندوب المركزي ـ ناموس المجلس الأعلى في الحزب توفيق مهنا، عضو المجلس الأعلى سماح مهدي، منفذ عام البقاع الغربي الدكتور نضال منعم وهيئة المنفذية، أعضاء المجلس القومي جرجي الغريب، محمد قمر، شوقي دبوس، نور غازي، خليل فرحات وحيدر فضة، مدير مديرية سحمر زاهد الخشن، مدير مديرية لبايا علاء ضاهر، مدير مديرية الغربي جورج توما، مفوض مفوضية القرعون جوزبف ابو فارس وجمع كبير من القوميين.
كما حضر النائب السابق ناصر نصرالله، مدير التحرير المسؤول في جريدة «البناء» رمزي عبد الخالق ممثلاً نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزيف القصيفي ومجلس النقابة، ممثل قيادة حزب الله في البقاع الغربي عدنان بجيجي، كامل العمار ممثلاً قيادة حركة أمل في البقاع الغربي وعضو كتلة التنمية والتحرير النائب محمد نصرالله، وفاعليات بلدية واختيارية من مشغرة والقرى المجاورة.
كلمة التعريف
بداية ألقى ناظر الإذاعة في منفذية البقاع الغربي أنطون سلوان كلمات تعريفية مما جاء فيها: نجتمع اليوم، في ذكرى مرور أسبوع على وفاة الأمين والصحافي محمود غزالي الذي رحل بعد مسيرة طويلة من النضال في سبيل قضية آمن بها وعمل من أجل تحقيق غايتها وصولاً إلى انتصارها. فعمل وجاهد وقاوم، بالسلاح حيناً وبالكلمة أحياناً، لم يتردّد يوماً ولم يساوم يوماً، فرسم لرفقائه ولعائلته وللكثير من الصحافيين والمحرّرين درباً واضحاً يسيرون عليه ويكملون ما بدأه من مسيرة الصراع والنضال من أجل خير المجتمع والإنسان، حضرة الأمين، أمثالك قد يغيبون جسدا ولكنهم حاضرون أبداً فكراً ونهجاً.
نجتمع اليوم في رحاب ذكرى الثامن من تمّوز، يوم الفداء، يوم وقف أنطون سعاده متحدّياً الموت، وكانت وقفة العز تلك درساً في معنى الحياة والموت. درساً كان الأمين محمود حريصاً على أن يصل الى كلّ قومي إجتماعي وكلّ مواطن وصديق. فالحياة لا معنى لها إذا ما افتقرت الى العز والكرامة، والموت في سبيل ما يؤمن به الإنسان هو أحد السبل نحو الحياة والخلود. لم يتخلّ الأمين محمود يوماً عن قيم وأخلاق ومبادئ النهضة القومية الإجتماعية لينقذ جسداً بالياً.
في كتابه مواسم الزنبق، يقول الأمين محمود غزالي، «سيسجل التاريخ أنّ الكثير من أبطال المنابر الذين سوّدوا صفحات الصحف بالخطب والبيانات والأحاديث، عجزوا عن أن يسجلوا على صفحات هذه الصحف بلاغاً واحداً. فقيمة الكلمة وقيمة الأدب تكمن في مدى فاعلية هذه الكلمة وهذا الأدب في مقاربة قضايا المجتمع والوطن وفي توجيه ما في المجتمع من قوة نحو الهدف الأسمى والهدف الصحيح. فالأدب الصحيح هو أدب الحياة، هو الأدب الذي يكشف عن عظمة مطامح نفسية هامة وسمو مراميها، هو الأدب الذي مهمته أن يكون «منارة للجماعات» وليس «مرآة لها». ودور الصحافة ودور الإعلام أكبر من الإضاءة على ما يعانيه المجتمع من مشكلات وتصوير ما يواجهه من معضلات. للصحافة دور كبير في تصحيح المفاهيم الخاطئة وتوجيه قوى المجتمع بالاتجاه الصحيح، وشدّ الروابط الإجتماعية، ومنع الفتن على اختلاف أنواعها وزرع روح مقاومة المحتلّ وحماية الأرض والإنسان في أبناء المجتمع الواحد.
لم يكن الأمين محمود يوماً ممن ابتغوا جمع المال وتحقيق الثروات، أدرك جيداً أنّ المال الى زوال، أما الأثر الطيب فهو ثروة لا تقوى عليها الأيام ولا السنون.
يقول أحد الحكماء، أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة، أما نحن فنقول أبناؤنا لنا، وأبناؤنا هم أيضاً أبناء الحياة، يعملون للحياة، لم ولن يتخلوا عنها.
أبناؤنا لنا لأنهم منذ اللحظات التي يطلقون فيها صرخاتهم الأولى، ويتنشقون الهواء للمرّة الأولى، ويشربون من أمهاتهم إكسير الحياة، يتنشقون حب الأمة والوطن، ويشربون روح الصراع والنضال والمقاومة، روح الوحدة والتضحية والفداء من أجل الوطن والأمة. فينمون ويكبرون، أشبالاً وزهرات فطلبة فجنوداً مجاهدين في جيش النهضة القومية الإجتماعية في الميادين كافة.
من محمود غزالي الجد والأمين الى محمود غزالي الحفيد والرفيق درب طويل من الصراع والنضال سوف يستمرّ ويستمرّ الى أن يتحقق النصر الذي لا مفرّ منه. وكما انتقلت شعلة النضال من الأمين محمود الى الأمين وسام الى الرفيق محمود ستنتقل شعلة النضال الى أجيال جديدة من أبناء الحياة سوف تولد حاملة لواء النهضة، هاتفة ملئ الحناجر ومع خلجات القلوب لتحي سورية وليحي سعاده.
الشيخ ذيبة
وتحدّث إمام بلدة مشغرة الشيخ عبّاس ذيبة عن مزايا الراحل، ثمّ قال: «إنّ أميركا تعمل على نشر العداوات بين الأمم، وقدرنا أن نكون صفاً واحداً لنبني وطن الإنسان». داعياً، «لأن نتوحد في إيماننا ومع بعضنا نتماسك يشدّ بعضه بعضا، عندئذٍ سنهزم أميركا وإسرائيل وننتصر على التفرّق بالوحدة وعلى الفساد بالإصلاح وعلى الرذيلة بالفضيلة وعلى الإنحلال بالأخلاق والقيم والمبادئ».
وختم الشيخ عباس ذيبة قائلاً: نسأل الله تعالى أن ينصر الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة بكلّ فئاته وأحزابها على الأعداء الذين يردون لنا الذلّ والهوان.
عبد الخالق
وألقى مدير التحرير المسؤول في «جريدة البناء» رمزي عبد الخالق كلمة باسم نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزيف القصيفي ومجلس النقابة قال فيها: شرّفني نقيب محرري الصحافة اللبنانية إذ كلفني بتمثيله وتمثيل مجلس النقابة في هذا اللقاء المهيب الذي نحيي فيه ذكرى أسبوع كبير من كبارنا وعلم من أعلامنا، الأمين محمود غزالي، وهو القامة النضالية الكبيرة في تاريخنا الوطني والقومي، والزميل المجلّي واللامع في ميادين الفكر والصحافة والإعلام.
وقد أصدرت النقابة بياناً نعت فيه الزميل محمود غزالي الذي وافته المنية وهو في منتصف العقد الثامن من عمره الذي ملأه نضالاً وكفاحاً في سبيل قناعته العقائدية من خلال الحزب السوري القومي الاجتماعي، وفي معترك الصحافة، وكان الصحافي الملتزم، الرصين، المتحصّن بالأخلاق والمناقبية.
انتسب الراحل الكبير الى نقابة المحررين، وكان دائم الترداد إليها، وأوّل المشاركين في مناسباتها ونشاطاتها، ولم يتخلف إلا عندما أقعده المرض عن أداء الواجب الذي حرص على أدائه دائماً، وعلى أكمل وجه.
وقال النقيب القصيفي في الراحل الكبير: إنّ محمود غزالي، كان في حياته المهنية قدوة، كما في مسيرته النضالية، عبّر بقلمه عن قناعاته، متفرّداً بأسلوبه الواضح، ودقة التعبير برقيّ وتهذيب، هما من شيَم الكبار.
عرفتُه عاشقاً لعمله راغباً في العطاء، يسمو فوق الماديات الزائلة، مؤثراً التجذّر في النضال، واقتحام الصعاب، ومواجهة التحديات بشجاعة.
وهو اكتسب تقدير عارفيه واحترامهم، وهم من كلّ المواقع والتوجهات، لأنّ مَن مثله لا يُخشى منه، لأنّ الخصومة معه هي خصومة شريفة، وصداقته تكال بمكيال الذهب.
وتابع عبد الخالق قائلاً: أما على الصعيد الشخصي فأقول إنني كنت صاحب حظ كبير إذ تسنّى لي في مطلع تسعينيات القرن الماضي أن أعمل بقيادة الأمين محمود غزالي لسنوات في «جريدة الشرق» وفي «مجلة البناء» التي كانت تصدر أسبوعياً آنذاك.
لقد تعلّمنا منه الكثير الكثير، في تقنيات المهنة ومفاصلها، لكن الأهمّ أنه رسّخ في أذهاننا قوله لنا دائماً إن «اللي ما إلو جلد وما عندو طولِة بال يروح يفتش على شغلة ثانية غير الصحافة، لأنّ مهنتنا ـ وهي مهنة المتاعب ـ تحتاج إلى نفس طويل وسهر ليالٍ وخسارة جزء كبير من الحياة الاجتماعية».
وها انّ قوله يصير واقعاً اليوم ولكن مع مخالفة بسيطة حيث انّ الذين لا جلد لهم لم يتركوا المهنة ويبحثوا عن مهنة أخرى، بل أخذوا المهنة معهم إلى حيث السرعة والتسرّع والأخبار الخفيفة وأحياناً الملفقة والمقالات المليئة بالأخطاء والخطايا من هبّ ودبّ ولا من رقيب أو حسيب مثل الأمين محمود الذي كان يهتمّ بأدق التفاصيل.
كان يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا وجد خطأ ناتجاً عن إهمال، لأنّ الخطأ الناتج عن عدم معرفة ليس عيباً، فلا أحد يمكنه معرفة كلّ شيء، حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء ، وهذا الخطأ يمكن علاجه وتصحيحه بالمزيد من الاطلاع والتعلم والقراءات واكتساب الخبرات.
أما خطأ الإهمال والتسرّع وعدم إعطاء الوقت اللازم للعمل فلا مسامحة فيه ولا رأفة بصاحبه على الإطلاق.
كذلك كان يوصينا بالحرص على صدقيّتنا المهنية، لأنّ الصحافي الحقيقي ليس عنده أخبار ملفقة ولا أكاذيب ولا خزعبلات كما كان يسمّيها، بل لديه دائماً الخبر الصادق والصحيح المستند إلى أكثر من مصدر. أما في التحليل والرأي فخذوا مجدكم كما تشاؤون طبعاً مع التشديد على أن تكتبوا بلغة محترمة تعبّر عن التزامكم وعن احترامكم لأنفسكم وللآخرين.
هذه كانت بعض وصاياه وهي كثيرة كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المجال.
حسبنا اليوم ان نقدّم لعائلة الراحل الكبير، عائلته الصغيرة وعائلته الكبيرة، أحرّ التعازي باسم النقيب جوزيف القصيفي وباسم مجلس نقابة المحررين التي كان الأمين محمود عضواً ناشطاً فيها لسنوات طويلة.
وختاماً، أجدّد تعازيّ الشخصية وتعازي الرفقاء والزملاء في أسرة «جريدة البناء» التي كان فقيدنا الكبير أحد أبرز أركانها وركائزها الصلبة.
مهنا
وألقى ناموس المجلس الأعلى توفيق مهنّا كلمة المركز جاء فيها: قال تعالى: «كلّ نفس ذائقة الموت»، وقال زعيمنا سعادة: «قد تسقط أجسادنا أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود». ما يعني انّ الجسد يغيب ويفنى ويتحلّل أما النفوس العظيمة بقيَمها برقي مفاهيمها بعصامية رجالها، بإباء أحرارها، بإشراق توهّج دماء أبطالها، هذه النفوس بما تحمل من هذه القيم، تنتصر على الموت، لأنها تخلد في المجتمع.
الأفراد يأتون ويذهبون، اما المجتمع فباقٍ، ما يعني أنّ المجتمع ليس أجساداً وأفراداً وحسب، بل هو حياة يسجل فيها الإنسان على هذه الأرض ما يليق بالحياة، وما يكرم الإنسان في مجتمعه ومدى إنسانيته.
والرسالات هنا لها هذه الغايات، كلّ رسالة لا تبغي خير المجتمع والأمّة والناس والإنسان لا معنى لها ولا قيمة لها.
ولذلك، صنّفت كُتب الأديان بالرسالات، لأنها جاءت للهداية، جاءت لتزرع في الأرض مناخاً من أجل أن يعمل الإنسان لحريته لكرامته، وأن يسجل تاريخه في هذا العمر القصير تسجيلاً يليقُ به كإنسان.
من هنا كان الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي آمن به الأمين الراحل محمود غزالي، كان الحزب رسالة، رسالة النهضة والقيم الجديدة والإنسان الجديد الذي يحمل فكراً إبداعياً إنتاجياً معرفياً مقاوماً من أجل كرامة الحياة.
وقال مهنا: الأمين محمود غزالي تربطني معه رفقة عمر في أصعب الظروف، ربما قلائل يتذكرون هذه المحطة، محطة الإجتياح اليهودي الصهيوني لبلادنا، للبنان، للعاصمة بيروت. في تلك المحطة تمتحن إرادة الأحرار والرجال والمقاومين والأقلام والنفوس. كان نفساً أبية، وقلماً حراً، ملتزماً بالقضية التي آمن بها.
رغم الاجتياح، كنا نصدر سويةً ومع الراحل الأمين محمد العريضي مجلة «صباح الخير» في قلب العاصمة بيروت، وكنا نُصدرها إبّان حكم الكتائب الفئوي في تلك الفترة.
ما يعني في تلك الفترة هذا الحكم الذي جاء على «دبابات إسرائلية»، هو الحكم الذي نصّبه العدو على مقدرات بلادنا، هو الحكم الذي أفرز في التسوية وفي الاستسلام اتفاقية «السابع عشر من أيار»، إتفاقية الذلّ والعار.
هنا تبرز أهمية الكلمة وسلاح الكلمة، سلاح الموقف والرؤية والإيمان والعزيمة والثقة بأنّ «في شعبنا قوّة إنْ فعلت لغيّرت وجه التاريخ»، وفعلت القوة في المقاومة في الرصاصات الأولى لخالد علوان بطل عملية الويمبي، وابتدات المقاومة.
وأضاف، من انحاز في القلم بالفكر بالصمود بالصبر، مؤمناً بحق شعبه وبخيارات شعبه، وبكرامة شعبه، نموذج ويُحتذى ويُقتدى به.
كم يوم وليلة وأسبوع وشهر وسنوات، كنا نستفقد بعضنا البعض مع كلّ صباح لأنّ مصيرنا على يد الإحتلال وعملائه كان مصيراً محفوفاً بالمخاطر.
كم تعرّضنا في تلك المرحلة لمحاولات تفجير، محاولة تفجير مبنى مجلة «صباح الخير» لأنها كانت من قلب بيروت مجلة وصوت وصورة المقاومة والقضية القومية».
أضاف، هذا الإعلامي الذي امتهن بكفاءة عالية مهنة الصحافة، فكان مدرسة للصحافة، فكثير من الكتاب والصحافيين تتلمذوا وتخرّجوا وتعلموا في هذه المدرسة التي كان من روادها الأمين الراحل محمود غزالي.
وتابع مهنا: نحن في رحاب ذكرى «الثامن من تموز» نذكر كيف كان الأمين محمود تموزياً بامتياز، تموزياً بصموده، بعشقه للموت متى كان الموت طريقاً للحياة. تموز هو الدم الذي انتصر على هذا النظام الفاسد وعلى هذه السلطة الباغية وعلى رجالها التُّبع للخارج ولأعداء الأمة.
وقال: هذا النظام الفاسد كم قتلنا وقتل شعبنا وهجر واستنزف من ثرواتنا وسرق مواردنا واستباح جهدنا وعرقنا وتعبنا ورمى في المنفى خيرة شبابنا ومنتجينا.
هذا النظام الذي اغتال سعاده كان الأمين محمود غزالي ورفقاؤه وحزبه، طلائع الثورة عليه وطلائع محاولات تغييره من أجل الناس والإنسان والعدالة وبناء نظام جديد يقوم على المساواة والحرية والعدالة والفرص الواحدة لأبناء شعبنا دون تمييز.
نريد نظاماً جديداً لا نظاماً نرمّمه ويتركنا جُثثاً مرميةً على الطرقات ندفن جيلاً بعد جيل، وعقداً بعد عقد، خيرة شبابنا وخيرة قدراتنا.
من هذه النافذة أُطِلّ على ما يجري في هذه الأيام من حالاتٍ خطرة تُهدّد وحدتنا وسلمنا ومؤسّساتنا وأملاً لدينا بأن ننتقل إلى حالٍ أفضل.
وقال، لقد ثبُت بما لا يقبلُ الشكّ، أنّ كلّ بديلٍ عن الدولة المدنية، الدولة التي تُبنى على رابطة المواطن والمواطن فقط، ثبُت قطعاً بأنها محاولات لأن نستمرّ في التقاتل والتذابح والفتنة.
أليست الفتنة أشدّ من القتل؟ كيف لنا أن نخرج من هذا النفق والمستنقع والورطة، أبالإنتقال من جمهورية الطائفة عام 43 إلى جمهورية الطوائف في اتفاق الطائف؟! إنها مأساة ما بعدها مأساة. نريد الإنتقال من جمهورية الطائفة والطوائف، إلى جمهورية المواطن لنبقى أحراراً ولنحافظ على وحدتنا واستمرارنا، على أن يكون بلدنا يليق بنا وبمقاومينا الذين حرّروا الأرض وهزموا الاحتلال وقهروه ووضعوا حدّ لمشروع «إسرائيل الكبرى».
لبنان الذي نريد، لبنان المواطن والدولة القوية وبمواصفاتها هي بمقاومة شعبها وجيشها ومواطنيها الأحرار.
وأسف مهنا، أنّ هناك أصوات وفئات لا ترى في لبنان إلاّ قوّة لبنان في ضعفه، هذه معادلة ولّت إلى غير رجعة.
فلبنان القوي هو بالمعادلة الذهبية «الشعب، الجيش، المقاومة»، وهذه هي صفات ومواصفات وقواعد لبنان القوي. نبنيها بدمائنا، بوعينا بثقافتنا، ونستعدّ أن نضحّي من أجلها بالغالي والنفيس، لأننا من دون هذه المعادلة نبقى ضعفاء، مفكّكين، متنافرين متناحرين، والعدو يرتاح لأوضاعنا.
الأمين محمود غزالي وريث هذه النهضة التي جاءت لتحيي وحدة الحياة، لا زيف العيش المشترك، وحدة الحياة في المجتمع لنقف صفّاً واحداً، أمة واحدة، قائدة رائدة في وجه كلّ الأخطار والعواصف والصفقات.
نحن لا نريد شعباً يخاف من نفسه، لا نريد فئات تخاف من بعضها، كلّ خوف مبني على قاعدة الخوف من بعضنا هو الانتصار الأوّل للعدو علينا، ونحن من مدرسة عقائدية نهضوية مقاومة آمنت بان لا عدو لنا يقاتلنا في أرضنا وحقّنا وديننا إلاّ اليهود، ومن يبيع شعبه ووطنه بفضة من اليهود.
وأشار مهنّا إلى أننا اليوم أمام مؤامرة جديدة هي صورة مستنسخة عن أولى مؤامرات القرن الماضي «سايكس بيكو» الذي استنسخت نفسها في مؤامرات الشرق الأوسط وفي صفقة القرن هذه الأيام. انطلاقاً من هذه المفاهيم، ومن الثقة والإقتدار والإنتصار نقول: لا صفقة القرن التي تريد أن تسقط حقوقنا القومية وحقوقنا في مقدساتنا وثرواتنا في فلسطين كلّ فلسطين وفي الجولان وفي كلّ شبرٍ من أرضنا المحتلة، فلا هذه الصفقة ولا سواها ولا من يقف معها وخلفها وأمامها قادر أن يفرضها على شعبنا.
فلسطين ليست عقاراً لا للبيع ولا للفرز وليست مجرد ناسٍ تبحث عن لقمة عيش.
يتحدثون في صفقة القرن عن السلام الاقتصادي ليُسقِطوا حقّنا القومي في أرضنا ومقدساتنا وثرواتنا وحضارتنا وتراثنا، فلن نبيع أرضنا بفضّةٍ من اليهود.
يهوذا باع المسيح بفضة من اليهود، بقي المسيح رسالة الى العالم ولا يذكر يهوذا الا زنديق وتاجر رخيص باع سيده ومعلمه بفضة من اليهود.
وإلى حُكّامٍ يتهرولون إلى التطبيع واستقبال العدو ورموزه في عواصمهم «أنتم يهوذا هذا العصر» وشعب فلسطين وشعب الأمّة وأحرارها سيتصدّون لكم وينتصرون عليكم.
بهذا الإيمان نجد أنّ محور المقاومة من لبنان إلى الشام وبغداد وفلسطين إلى الجمهورية الإسلامية في إيران محور قوي وراسخ في صلابة موقفه وقدراته.
فكما انتصر على الاجتياح عام 1982 وعلى الحرب على لبنان في الـ 2006، وكما انتصرت الشام على أدوات صفقة القرن على مدى السنوات الثماني الماضية، أثق بأنّ شعبنا ومحور المقاومة سينتصر من جديد في هذه المنازلة.
وختم توفيق مهنا كلامه متوجهاً إلى عائلة الراحل الأمين محمود غزالي بالقول: نفتخر أننا عرفناه وعرفناكم، أنتم الأسرة القومية الإجتماعية المؤمنة، أنتم هذا الأثر الطيّب من هذا الرجل الطيّب، بهذا الإيمان نحن ما نحن، بهذا الإيمان، نحن ما سنكون وسيبقى هتافنا يدوّي في العالم أجمع لتحيا سورية وليحيا سعادة، والبقاء للأمّة.
غزالي
كلمة العائلة ألقاها حفيد الأمين محمود غزالي ـ محمود وسام غزالي، ومما جاء فيها: علَّمني جدي أنّ الزيتونة وطنٌ في شجرة، زعيمُ قبيلة، مأذونٌ شرعي، قائدُ جيش، أستاذٌ في علم التاريخ، مخبأ أحلام، سنابكُ خيل، قصةُ شعبٍ، وحروف فِلَسطين الستّة.
علَّمني جدي انّ ما كان مرفوضاً من الفكر القومي الشامل قبل سنوات بات مطلوباً اليوم، وقد أثبتت الأزمات أن الأمة التي لا هُوية لها، لا حقيقة لها، وانّ المعرفة شرط للانتصار بهذه الحقيقة، وأنّ وسائل القمع ليست قادرة على إخفاء هذه الحقيقة في ضمير الامة.
علَّمني جدي ممارسة الإيمان المحب، الذي لا يعرف الكراهية، وأن أُلقِّح الفكر المنغلق بالانفتاح، والخائف بالثقة، والهارب بالحضور.
علَّمني جدي ان لا أضعف أمام الصعاب، فهي تفولذ الإرادة، وتصنع الرجال وتدفعهم إلى الصفوف الأمامية للمعركة الفاصلة،
علمني جدي ألا أُسلّم نفسي لليأس الذي يحيط بي. علمني جدي حزم المواقف وعزم القرار.
أحضُرُك الآن في ذهني، أسألك عن الحديقة، عن شجرة التفاح، عن الوردة التي أَسقيها لتنتعش، أقدّمها بعد ذلك هدية لوالديّ في ذكرى زواجِهِما.
أحدثك عن عثرات الحياة الكثيرة فأنفعل، ويعلو عندي صوتَ الاحتجاج، وبعد هنيهة أقتنع معك وأسمع منك، أنّ هذه العثرات تقوى وتتعاظم كلما صَلُب عودي ونضج فكري، وتألقت شخصيتي.
إلى مشغرة العزيزة على قلبك وأهلها الكرام كلّ الشكر، مهما شكرناكم وأثنينا على ألطافكم تبقى الشفاه مقصّرة، ولذلك نختصر الكلام ونكتفي بدعائنا: الله يحفظ مشغرة.
وكما علمتني علمت اجيالاً، علمتنا العقيدة السورية القومية الاجتماعية، علمتنا مبادئ اتخذناها شعاراً لنا ولبيتنا. سنذكُرُك مع كلَّ بزوغِ نورٍ، مع كلَّ مغيبِ شمسٍ، سنذكُرُك كلما اجتمعنا في منازلنا، إنسانا محباً ممازحاً، سنذكُرُك في احتفال النصر.
أعدك أن اكون دائم الابتسامة، فهي كما علمتني عنوان الثقة بالنفس. دم عزاً، فخراً وقدوةً لنا. ولتحي سورية وليحي سعاده.