مَن المُستفيد من حرب المضائق؟
محمد حمية
يبدو أن حرب المضائق قد آنت. فالمحظور الذي بذلت أغلب دول العالم قُصار جهدها لتفاديه يقع اليوم…
فمن الذي يُعرقل الملاحة في المضائق؟
المضائق معرّضة للاغلاق الكامل لسببين مباشرين: العقوبات الأميركية على إيران والحرب على اليمن، فواشنطن مستمرة في الضغط على طهران، وبريطانيا تلاقيها بإقفال مضيق جبل طارق أمام الحركة الإيرانية – السورية، أما إيران فتهدّد بإقفال الكثير من المضائق من هرمز الى باب المندب كردة فعل على العقوبات الاقتصادية الأميركية عليها وعلى اعتراض ناقلات نفطها في جبل طارق، ما يضع المضائق في دائرة الخطر الشديد، فهل تُغلَق ولمصلحة مَن؟
تُشكل المضائق الشرايين الحيوية التي تربط القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا عبر بحرين أساسيين وهما البحر الأحمر والبحر المتوسط. وتمتد هذه المعابر المائية من شط العرب في العراق الى مضيق هرمز الذي يعتبر من أهم المضائق ويقع بين إيران والامارات يصل الى خليج عدن ومنه يتفرّع الى المحيط الهندي وآخر نحو البحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب الذي يتجه صعوداً الى قناة السويس ومنه الى البحر المتوسط، وهرمز شهد أول حادثة استهداف ناقلة نفط نروجية قبالة سواحل الإمارات منذ أسابيع قليلة سبقته بوقت قصير حادثة استهداف ناقلات نفط خليجية في خليج عدن.
تكمن أهمية هذه الممرات بمرور 25 في المئة من التجارة العالمية عبرها و18 مليون برميل نفط يومياً تشكل أكثر من نصف صادرات النفط في العالم، لذلك تُعد معابر استراتيجية، ولطالما كانت مركز نفوذ تاريخي أميركي، عبر إبرام معاهدات مع الدول النفطية الخليجية أبرزها معاهدة كوينسي مع السعودية منذ 1945 تمنح واشنطن حق استثمار النفط وتصديره مقابل الحماية العسكرية والسياسية لها، حتى أنها كانت تسيطر على إيران في زمن الشاهنشاهية ، أما اليوم فتغيّر الواقع.
فالولايات المتحدة لا تستورد النفط الخليجي، بل من يستورده هي دول الصين وكوريا وتركيا وأوروبا ودول كثيرة باستثناء أميركا وروسيا.
فالسياسة الأميركية في المنطقة تدلّ على أن الاميركيين لا يكترثون في حال إقفال المضائق، للأسباب التالية: فأميركا تُنتج 12 مليون برميل نفط يومياً وكميات كبيرة من الغاز وتنفقها لتلبية حاجات الداخل الاميركي وتريد الإمساك بالاستهلاك الاوروبي من النفط والغاز، فكيف ذلك؟
أوروبا تعتبر أن روسيا أقرب إليها جغرافياً من أميركا ودول الخليج، وبالتالي استيراد النفط الروسي يعتبر أقل كلفة من أي مكان آخر. في المقابل تُريد أميركا ربط هذه البلدان وايضاً الصين بسوقها النفطي، ما يُعزز الاعتقاد بأن تكون واشنطن وراء تصعيد التوتر في المنطقة لإغلاق المضائق ما يتيح لها تسويق نفطها وغازها الصخري الى الدول الأوروبية، فتُقلِص الاعتماد على خط الباسيفيك الذي يصدّر النفط الروسي الى ألمانيا وأوروبا والخط الثاني من روسيا الى تركيا فأوروبا، وبذلك تُمسك أميركا باستهلاك الغاز في القرن المقبل.
لذلك عرقلة المضائق هي مصلحة أميركية وأيضاً مصلحة روسيا لكونها البلد الاول في انتاج الغاز والثالث في النفط وتعتمد على بيع هاتين المادتين. وبالتالي إقفال المضائق يمكنها من تسويق كميات كبيرة من نفطها وغازها، فهناك صراع أميركي – روسي في السيطرة على المضائق، لكن المستفيد الأكبر من إغلاق هذه الممرات هي أميركا لكون روسيا يمكنها تصدير حاجتها من النفط عبر خط الباسيفيك ، بينما الأمر غير متوفر لدى أميركا التي تعمل على عرقلة عمل المضائق للسيطرة على بيع الغاز في العالم فتتمكّن من تسويق نفطها وغازها الصخري الشديد الكلفة.
من هو الخاسر اذاً؟
بالتأكيد حلفاء واشنطن من البلدان المنتجة للنفط والغاز في المنطقة لا سيما الخليجية والتي تعتمد على 90 في المئة من مواردها المالية على النفط كالسعودية والإمارات بينما يتقلّص لدى إيران الى خمسين في المئة وأقل، بحسب مصادر إيرانية.
وما يؤكد حاجة أميركا الى تصريف إنتاجها النفطي الصخري العالي الكلفة تنقيباً واستخراجاً وتصديراً، هي ممارستها الضغوط على ألمانيا لتستورد النفط والغاز الصخري منها ونقله عبر البوارج، لكنها رفضت مفضلة نفط روسيا لكلفته الأقل الذي يُنقل اليها في البر عبر الأنابيب.
لذلك فالعقوبات الأميركية على طهران وتهديد مضيق جبل طارق سيؤدي الى سدّ طرق الملاحة على إيران بشكل كامل، فهرمز تتضاءل أهميته بالنسبة لإيران في حال إغلاق مضيقي باب المندب وجبل طارق أمامها، ما سيدفع إيران الى إقفال مضيق هرمز للضغط على أوروبا ودول الخليج وعبرهما على أميركا، ما يدفع الى حالة من الهجمات المتبادلة قد تؤدي الى إقفال المضائق كلياً.
هل يحصل ذلك؟
نعم بالإمكان إقفالها بسهولة، مضيق هرمز قابل للإقفال في اي وقت تراه إيران مناسباً كذلك الحال بالنسبة لباب المندب، اما قناة السويس فلا يمكن لأحد إقفالها لوجود قوات مصرية فقط بالتعاون مع الاميركيين وليس هناك قوة مضادة في هذا الممر.
لكن الأخطر والذي يشكل رادعاً للجنوح الأميركي هو أن إقفال المضائق سيؤدي تلقائياً الى رفع أسعار التجارة العالمية الى 20 25 في المئة، والتسبب برفع اسعار النفط الى مئتي دولار للبرميل الواحد، ما يؤدي الى خسائر فادحة في السوق والبورصة الأميركية ما ينعكس سلباً على مستقبل الرئيس الاميركي الانتخابي، لذلك هذه الحرب قابلة للاشتعال اذا استمر الاميركيون في تصعيد العقوبات وتجديد الحرب على اليمن، لذلك هناك مساعٍ روسية – صينية حتى أوروبية لإيجاد حلول قبل انفجار حرب المضائق، واذا انفجرت فإن الاستقرار العالمي سيهتز بشكل كبير وسيشهد مزيداً من الفرز في العالم، فروسيا والصين لن تغطيا أبداً المحاولات الاميركية كما ان إيران بإمكانها أن تلعب أوراقها بشكل مدروس وعلى توقيت مصالحها والظروف الدولية.
حرب المضائق الى اين؟
من المحتمل التوصل الى حلول في ربع الساعة الأخير، لأن الممرات تشكل جزءاً أساسياً من استقرار المنطقة والعالم وبالتالي السلم والأمن الدوليين وإقفالها يعد خرقاً للقانون الدولي لا سيما قانون البحار والممرات الحيوية، أما الحلول فيمكن أن تكون رفعاً جزئياً للعقوبات عن إيران او ايجاد حلول اوروبية لشراء النفط أي تطوير نظام انستيكس بالاتفاق مع الصين وروسيا الى حدود تلبية الحاجات الإيرانية.