المجلس العدلي وسيدة النجاة… والفصل بين السياسي والقضائي

ناصر قنديل

– رمى الحزب التقدمي الاشتراكي في التداول فور وقوع حادثة قبرشمون وسقوط مرافقي الوزير صالح الغريب معادلة عنوانها، أن أي قرار بإحالة القضية إلى المجلس العدلي تعني مؤامرة تستهدف الحزب التقدمي الاشتراكي، مستذكراً على لسان مسؤوليه تفجير كنيسة سيدة النجاة الذي انتهى بعد إحالته إلى المجلس العدلي بتوقيف قائد القوات اللبنانية وحلّ حزب القوات، قبل خروجه بعفو خاص بقانون عن المجلس النيابي. والاستذكار يريد القول إن القضاء هو أداة ستستخدم ضد الاشتراكي، لكن السير بالنظرية الاشتراكية يدفع للتساؤل فوراً بعيداً عن الأخذ أو عدمه تجاه المقارنة بسيدة النجاة أو كيفية تفسير ما رافقها، إذا كان القلق هو من توظيف القضاء ضد الاشتراكي، فهل القلق محصور بالمجلس العدلي أم أن أقل مراتب القلق هي هناك، والإحالة لها معنى واحد قضائياً، هو تحصين القرارات التي تصدر عبر التحقيق من التشكيك بصدقيتها، سواء كان ذلك مدبراً وفقاً للمخاوف الجنبلاطية أم كان مجرد نيات صادقة لتبيان الحقيقة وإقامة عدالة منعاً لتداعيات أشد خطورة، فهل يخشى الاشتراكي ذلك؟

– التفكير الهادئ يقود ببساطة إلى معادلة عنوانها، الدعوات للفصل بين المسارين القضائي والسياسي بعد حادثة بحجم هدّد الاستقرار في البلد ورافقته شعارات من نوع الدخول من الأبواب، والتلويح بإقفال مناطق، وإطلاق نار على مواكب حكومية. وفي الحادثة ثمّة طرف كلفته الدمويّة عالية وطرف صوته مرتفع، وبالفعل يصدّق من يقول إن لا فارق بين المجلس العلدلي والمحكمة العسكرية وأي مستوى قضائي سواء بالثقة أو بالشك، أو بجدوى الإحالة قضائياً أو بلا جدواه، فالعوامل التي تشتغل لإنجاح أي مستوى من المعالجة القضائية وضمان نزاهة المعالجة صالحة أن تشتغل في سواه، والعكس صحيح. والفارق بالتحديد سياسي صرف. فالإحالة هي تعويض معنوي تقدمه الدولة للفريق الذي نزفت دماؤه، تقول إن الدولة مهتمة على أعلى مستوياتها القضائية كي لا تذهب الدماء هدراً، أملاً بان تضمن الرسالة تهدئة النفوس وفصل المسارات، السياسي الهادف للمعالجة الهادئة، والقضائي الهادف لبدء التحقيقات، والأمني الهادف لمنع التداعيات. وبالتوازي فإن الإحالة للمجلس العدلي تقول إن الأمر خطير وإن مَن يريد التصرف كأن الأمر مرّ وانتهى ويمكن تكراره، عليه أن يدرك أنه يضع نفسه في مواجهة الدولة بكل مستوياتها، وإن أي محاولة لتصوير سقوط الدماء على قاعدة الرسائل التي رافقتها عبر التصريحات، كمرحلة تكرّست معها موازين جديدة وحسمت عبرها، هي وهم في غير مكانه، فلا مكان للكانتونات ولا لخطوط حمراء، فما جرى انتهى بصفته الأمنية حتى يبت القضاء بالمسؤوليات، وتنجح السياسة بالمصالحات.

– الذي يرفع السقف بوجه الإحالة على المجلس العدلي متمسك بتحقيق نصر سياسي يترجم عنوان المعركة التي أرادها من قرار سياسي متخذ لديه بتحريك جمهرة مسلحة تعترض مواكب حكومية، وهو يعلم الاحتمالات المفتوحة بما فيها سقوط الدماء، للقول إن هناك مناطق لها أبواب، وشبابيكها الحكومية مغلقة، وإن للمصالحة في الجبل سقفاً هو مَن يرسمه وحده، وإن الشركاء في طائفته بالتمثيل السياسي بين خياري الالتحاق والتبعية أو مواجهة الإقصاء والإلغاء ولو اقتضى الأمر سقوط الدماء، ووضع الأمور بين الخروج من الحكومة أو الإحالة على المجلس العدلي هو عمل سياسي بارد وهادئ وليس غضباً وانفعالاً لشعور بالاستهداف، والمضمون السياسي هو أن الاشتراك في التسوية الحكومية مشروط بالتسليم بالرؤية الاشتراكية للجبل، وللدولة، وللطائف، وللمصالحة، وللأمن، ولذلك صار تمسك الدولة بالإحالة للمجلس العدلي أو تخلّيها عنه قرار سياسي بحجم الإجابة عن سؤال يتموضع حوله الأطراف بأجوبتهم الضمنية، هل المطلوب طي صفحة حادثة قبرشمون بالقول إن لا مضامين سياسية لها قد ترسّخت، وتعويض أهل الذين سقطوا فيها وقواهم السياسية بإحالتها على المجلس العدلي، وفتح الطريق لمواصلة العمل الحكومي، ولملمة التداعيات الأمنية، أم بالقول إن على الذين دفعوا الدماء في قبرشمون أن يقروا بأنهم هزموا لأنها كانت جولة من جولات الحرب، وفيها رابح وخاسر، وإن الرابح ربح شروطه ووضعها على الطاولة وتمّ قبولها، وهي شروط التسليم بفهم للطائف والمصالحة والدولة والأمن، يقول إن ما يسري على المناطق اللبنانية له مضمون مختلف في الجبل حيث الباب الاشتراكي إلزامي، للمصالحة والطائف والأمن والدولة؟

– يعلم الحزب الاشتراكي أن الحديث عن نيات مبيتة لتصفية حساب معه عبر الإحالة على المجلس العدلي غير قابلة للتصديق لثلاثة أسباب، أولها أن دوره في ما جرى ليس مخفياً يستدعي تحقيقاً يمكن القول إنه دبّر صلة أو مسؤولية كما يقول الطاعنون بصدقية أحكام المجلس العدلي في قضية سيدة النجاة، بل إن دور الاشتراكي ثابت ولا يحتاج لتحقيق في مجلس عدلي أو محكمة عسكرية. والتحقيق هو لتحديد سقف التوصيف القضائي لهذا الدور. فهل هذا ما يخشى الاشتراكي أن يكشفه تحقيق على مستوى المجلس العدلي؟ وثانيها أن ما يصح على المجلس العدلي في حال التصديق يصحّ على سواه، بل ربما العكس أدق، أن نيات تصفية الحساب تكون مقلقة في المحكمة العسكرية أكثر من المجلس العدلي وفقاً لروايات الاشتراكي وحلفائه لقضية زياد عيتاني، وثالثها أن النصاب السياسي الذي يتصرف الاشتراكي مزهواً بثقة القوة فيه، وبما يحيط بمعادلة الاشتراكي حتى أغراه بتحقيق نصر سياسي فوق النزيف الذي أصاب به جمهور ومعسكر خصومه، فهو لا يتصرّف كطرف ضعيف يخشى تدبير المكائد، وكلامه عن الاستهداف من وراء الحدود تكبير للحجر لتزخيم حملة تحقيق الأهداف، التي يراهن على تكريسها بإسقاط طلب الإحالة على المجلس العدلي، لتتكرس الموازين، أن الباب الاشتراكي الإلزامي للمصالحة للطائف والدولة والأمن والجبل هو أيضاً باب إلزامي للقضاء، وأن معادلة المنطقة المغلقة قد تكرّست إلى غير رجعة، وأن لا مجال للفصل بين الأمني والقضائي والسياسي، لأن الفصل الوحيد الممكن كما كان يعلمه جنبلاط جيداً بعد حادثة الزيادين، هو بالإحالة إلى المجلس العدلي، التي قال يومها، إن القبول بالإحالة يعني نيات صادقة بعدم وجود مصالح سايسية مبيتة ونيات سياسية مخفية وراء الحادثة، وعليه أن يثبت الأمر نفسه اليوم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى