سياسة المعابر… حرب وتداعيات؟
فاديا مطر
لم يمض زمن طويل على حادثتي استهداف الناقلات النفطية في خليج عُمان والفجيرة، حتى تعاود نفس الجهة الفاعلة فعلتها في مضيق جبل طارق، فالمتهم من وجهة النظر الأميركية والبريطانية كان الحرس الثوري الإيراني، لكن اليوم المستهدف هو ناقلة النفط إيرانية «كريس 1» التي تحمل علم بنما، فالحادثة توضحت أنها ليست بالخطأ باعتراف سريع من اسبانيا بأنّ الطلب الوارد لحكومة جبل طارق كان أميركياً بتنفيذ بريطاني تمّ عبر محاصرة الناقلة واقتحام حرمتها من قبل كومندوس بريطاني واقتيادها مع طاقمها للتحقيق بعد معلومات تتبع لها، بذريعة أنها تخرق الحظر المفروض على سورية أوروبياً بشحنة نفط خام الى ميناء بانياس، لكن الجمهورية الإيرانية استدعت السفير البريطاني للتعبير عن استياء الدولة الإيرانية من هذه الحادثة، وطلب الإفراج الفوري عن الناقلة، فماذا وراء جبل طارق؟
هي ذات السياسة الصهيوـأميركية التي عجزت عن صنع معادلة ردعية تجاه إيران في مياه الخليج، فالمعادلة التي أفرزت أحداث الخليج تجاه إيران من تصعيد عسكري وتجسّسي واستهداف لناقلات نفطية لاتهام الحرس الثوري، كانت فشلاً ذريعاً لمثلث واشنطن ـ تل أبيب ـ الخليج في تطويع الجمهورية الإيرانية تحت الشروط الأميركية، وهو سبب مضاف لتهديدات إيران بالتصعيد في شروط الملف النووي وترك خيارات التداعيات في ملعب الدول الموقعة على الاتفاق، لكن الحادثة في جبل طارق تثبت أنّ الحلف الثلاثي الغربي ما زال يعاني من تداعيات الفشل، وأنّ السياسة الغربية التي فشلت في الخليج تحاول عبر التذرّع بالعقوبات على سورية بردّ الصاع، لكن الناقلة الإيرانية التي أعلنت إيران أنها تحمل شحنات مطابقة في سيرها ونوعها لمعاهدة النقل المائي الموقعة في العام 1982، هي شحنة نظامية وهي لم تعبر قناة السويس لكبر حجم الحمولة التي لا تسمح لها بعبور القناة، إلا أنّ هذا الفعل جاء كشفه على لسان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ومستشار الأمن القومي بالترحيب بالحادثة لما يثبت التنسيق الأوروبي مع السياسية الصهيوـأميركية التي تستهدف إيران وسورية معاً، رغم أنّ إيران لا تقع تحت أيّ عقوبات أوروبية حتى اللحظة، فلماذا سورية الذريعة؟
تقع الحادثة تحت محاولة محور واشنطن عبر تتبّع سير الناقلة ووجهتها في سياسة حرب المعابر المائية، والتي تعلم كلّ من واشنطن وبريطانيا أنّ طهران قادرة على إغلاق مضيق هرمز خلال ساعات، لتجعل ثلث نفط سوق الطاقة العالمية قيد الحجز، وهي خطوة لم تصل إليها طهران حتى الآن بالرغم من كلّ الحصار الأميركي والعقوبات لتصفير إنتاجها النفطي طبقاً للسياسة الصهيو ـ خليجية تجاه طهران ومحورها، وللضغط على طهران بغية عدم القدرة على دعم حلفائها اقتصادياً ولإضعاف الاقتصاد الإيراني الداخلي والخارجي، وهي سياسة حرب غير معلنة استعاضت فيها واشنطن عن خيار الحرب العاجزة عنه تجاه إيران، فسياسة مقايضة واشنطن مضيق هرمز بمضيق جبل طارق هي هدف الحادثة بعد سدّ الطريق في قناة السويس بوجه الناقلات النفطية الإيرانية الى سورية، ولجرّ إيران برسائل أوروبية لتوقيف خطواتها التصعيدية في الملف النووي والتي تبدأ في 7 تموز الحالي، وهي فعلة تثبت أنّ الخروج الأميركي من الاتفاق النووي كان مجرد تحلل من الشروط وتركيز أميركي على الدور الأوروبي للتصعيد ضدّ طهران، فماذا ستكون مقايضة المعابر بعد 7 تموز؟
طهران التي اعتبرت الفعلة قرصنة مائية وهدّدت بإجراءات مماثلة في حال عدم الإفراج عن الناقلة، تنظر الى تصعيد أكبر عبر الملف النووي ربما يصل الى الخروج من الإتفاق، والآلية الأوروبية المالية التي طرحتها دول التوقيع لم تكن كافية كطريق ضاغط في تراجع إيران عن تصعيدها، لكن الناقلة الإيرانية ستكون القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقات الأوروبية ـ الإيرانية، والتي تعلم طهران تماهيها المطلق مع السياسة الصهيونية والأميركية والتي تتبناها دول الخليج في تشنيج العلاقة مع طهران، فلا هرمز آمن بعد جبل طارق، ولا تراجع في حال أيّ تصعيد بريطاني إذا ما احتجزت إيران ناقلة بريطانية، ولا هدوء حذراً في سوق الطاقة العالمية سيكون ما بعد عدم الإفراج عن «كريس 1»، فماذا إذاً؟
هي الشرارة التي ربما تحرق بيدر الأمن في الخليج الفارسي، وتداعياتها ستكون محرقة للمنطقة في حال عدم التراجع في فرضية المقايضة بالمعابر المائية مقابل سريان النفط الإيراني في المياه الأوروبية، أو أنّ نفط ناقلات الخليج الذي لم يشعل حرب الردّ ستشعله ناقلة النفط الإيرانية، والتي تنتظر طهران حكمة المتصرّفين لتقدير الأمور قبل نفاذ الوقت الذي يشبه المهلة الستينية لأوروبا، فالمصالح البريطانية والأميركية منتشرة بكثرة في محيط إيران، وهي باتت محمّلة على منصات التسديد لمنظومات الصواريخ المضادة لها في كلّ الاتجاهات، وهي حركة قد تسبق أيّ تدخل ما لدرء التداعيات إذا ما حصلت، فاللعب بطريقة حرب المعابر المائية بين الشرق والغرب ستكون لعبة خطرة تأخذ بطريقها مضاعفات على المستوى الدولي، فاستهداف المصالح الإيرانية في ساحة مائية لا تتحكم بنفظ إيران سيكون المدخل لحجز ثلث نفط العالم في ساحة إيرانية مائية مطلقة، والذي تدخل فيه مصالح لدول كبرى ستقف مع الترقية النووية المتزايدة بعد السابع من تموز، لتدخل فئة الكبار ميادين الردّ الذي سيجد حلولاً جذرية في معادلة المعابر ومقايضتها، فهل تملك أوروبا وواشنطن درء الموقف الذي اعتمدته بعد إسقاط طائرة التجسّس الأميركية سابقاً في الأجواء الإيرانية؟ أم أنّ المعابر المائية ستأخد دورها في الحرب التي ستحصد فيها واشنطن وحلفاؤها فقدان المعالجة؟ هي سياسة بولتون التي تنحني لها أوروبا منذ عقود، وتغلق فيها أبواب السياسة في مثلث واشنطن وتل ابيب والخليج على مواجهة قد تنفجر في أيّ لحظة.