محاولة أميركية لتفجير لبنان؟ وحزب الله كعادته مدافعاً
د. وفيق إبراهيم
عندما يعجز القانون عن التعامل مع أزمة خطيرة تنشب بين مكوّنات نظام سياسي يجوز عندها اللجوء الى الرعاة الخارجيين. وعندما يكون هؤلاء في حالة حرب ضروس في ما بينهم. فما على اللبنانيين إلا الاستجارة بالله لانسداد الأفق بشكل كامل.
هذا احتمال أوّل، أما الثاني فالعودة الى أسلوب ونشاطات داخلية، ليس عليها إلا اختراع حلول ترجئ «المقدور» الى وقت آخر وتسمح لهذا النظام بالاستمرار على قاعدة تصريف الأعمال بالحدّ الأدنى.
هذا ما يجري حالياً في بلاد الأرز، فما كادت التسويات تنحو نحو ربع حلّ، حتى سدّد الأميركيون كتلة من لهب عاودت إيقاد الجمر وزادته ضراوة، وهذا يشبه رسالة صريحة بأنّ الأميركيين لا يريدون حلاً داخلياً للتوتر اللبناني الحالي.
ويتّجهون إلى إشعاله بحريق كبير من بوابة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فليس من العشوائية بمكان أن تزداد العقوبات الأميركية على إيران الى حدود الخنق ويبحث الأميركيون عن جنود غربيين لوضعهم في شرقي الفرات السوري وتشتعل بحار الشرق الأوسط الى حدود الاحتراب بين البوارج والناقلات وتصدر عقوبات ترمى على مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي وتصل شظاياها الى لبنان القابع في توتر داخلي هو الأعنف من نوعه. فتصدر وزارة الخارجية الأميركية عقوبات على النائبين من حزب الله محمد رعد وأمين شري والمسؤول الأمني فيه وفيق صفا.
هذا لا تفسير له منطقياً إلا بمحاولة أميركية لتعطيل التفاهمات الداخلية، خصوصاً عندما يجري ربطه باتهامات قابلة للصدور قريباً عن المحكمة الدولية الخاصة بالكشف عن قتلة الرئيس رفيق الحريري.. فإذا أدانت المحكمة خمسة متهمين يومها من حزب الله بجريمة الحريري فإنها تهدف لتفجير المعادلة السياسية التي تحكم لبنان حالياً، وقد لا تستطيع منع تداعيات أهلية..
يبدو أنّ الأميركيين يئسوا من حلفائهم في النظام السياسي اللبناني، متيقنين من أنهم لا يلبّون لهم متطلبات المرحلة فاتجهوا نحو ناحيتين اثنتين: إيقاع عقوبات على نائبين في الدولة اللبنانية من أعضاء حزب الله.. ودفع المحكمة الدولية لاستصدار قرارات جاهزة لإدانة متهمين من حزب الله، ما يوفر الظروف المناسبة لتفجير مرحلة 2005 ـ 2019. هذه المرحلة التي أكدت على الدور الكبير لحزب الله في المعادلة السياسية الداخلية، غير مكتوبة في النظام السياسي اللبناني، بشكل ميثاقي ربما أكثر عمقاً من المراحل السابقة.
إنّ ما أصاب الأميركيين بهذا القدر الكبير من الاستياء من النظام السياسي في لبنان، أنه لم يتمكن من إرساء قواعد توازن نسبية مع النفوذ الداخلي لحزب الله… فإذا كانت تسوية 2005 تريد استمرار هيمنة الحريرية على أساس تراجع المارونية والاعتراف بدور حزب الله المركزي في معادلة الداخل، إلى جانب وجود نسبي لوليد جنبلاط وجعجع وقوي لبري.. فحزب الله المنتصر بالمباشر في سورية وبالتحالف مع العراق واليمن تمكّن من دعم حليفه في التيار الوطني الحر لرئاسة الجمهورية محققاً مع الرئيس بري إجماعاً في الحصة المقرّرة للشيعة في قانون الانتخاب، ومتيحاً لحلفائه في المذاهب والطوائف الأخرى تسجيل اختراقات وازنة وعميقة وللمرة الأولى منذ 1992 يصل وزير سني الى الحكومة من الخط المناهض للحريري وآخر درزي معادٍ لوليد جنبلاط.
هذه النتائج أدّت إلى تشكيل حكومة فيها غلبة لحزب الله وحلفائه من الشيعة والسنة والدروز والمسيحيين من حزب الرئيس عون وتيار المردة المؤيّد لفرنجية.
يتبيّن بالاستنتاج السريع انّ حزب الله هو الحزب اللبناني الوحيد الذي يمتلك تحالفات في كامل المذاهب والطوائف والأحزاب اللبنانية، فبالاضافة الى المكونات الطائفية التقليدية يحظى بتأييد كبير من الأحزاب الوطنية والقومية، على مستوى لبنان بأسره، الأمر الذي يضعه عملياً على رأس المعادلة الداخلية… وله عند الفلسطينيين، صدى كبير ومحترم تجعلهم يحترمون دوره الإقليمي عموماً والفلسطيني خصوصاً، كما أنّ جمهوراً كبيراً من المؤيدين له في العراق من بين كلّ الرافضين للهيمنة الأميركية.. هذا فضلاً عن اليمن الذي يرفع أبناؤه صور أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله بخلفية تلك الانتصارات الهائلة في المنطقة العربية، ولليمنيّين موقع كبير في قلب أبي هادي الذي يعرف أيضاً دور اليمن في إرباك المشروع الأميركي.
لبنان إذاً ساحة صراع كبير يريد فيه الأميركيون تدمير المعادلة السياسية الحالية التي تمكّن حزب الله من التجذر فيها، قائداً موجهاً، انما نحو الاستقرار وليس للدخول في صفقات ومحاصصات… وهذا الدور له حسناته في إرجاء الانفجار الكبير للنظام السياسي في مرحلة يبدو أنّ البديل عنه هو الفوضى فقط..
لذلك يدرك حزب الله انّ العقوبات الأميركية التي تستهدف نوابه في المجلس ومسؤوليه الأمنيين، هي حرب على الاستقرار اللبناني لأنها تشجع الضعفاء في السياسة والحرب على العبث بأمن البلاد. تفجير الشارع اللبناني بهدف عرقلة الحزب داخلياً وإقليمياً.
وحزب الله والأميركيون يعرفون أنّ هذه العقوبات لن تترك أيّ أثر على نواب الحزب وأمنييه، لأن لا أرصدة لهم في أيّ مكان من العالم، خصوصاً في أميركا وأوروبا، كما أنهم لم يتعوّدوا على قضاء إجازاتهم في كان وميامي ولاس فيغاس وساحل ايطاليا وإسبانيا فإجازات الأمنيين والنواب هي في أدوارهم الجهادية والنيابية والأمنية، وأموالهم القليلة ينفقونها على قدر تواضعها، لذلك فهذه عقوبات لا تهدف الى مصادرة أموال للحزبيين هي أصلاً غير موجودة ولا تستطيع تجميد الحركة اللبنانية لحزب لديه عشرات النواب والوزراء في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
لذلك فإنّ الأميركيين يحاولون تحريض الحلف اللبناني الموالي لهم وللخليج، لكن هذا الأمر أصبح من الأحلام لأنّ الأميركيين لم يتوقفوا لحظة عن توتير الشارع اللبناني منذ عقدين على الأقلّ.. وهم ذاهبون في هذه المرحلة نحو مزيد من التوتير الذي لن يؤدّي إلا إلى الإلغاء السياسي لحلفائهم الذين لا يُحسِنون إلا فنون الفساد والصفقات والتحاصص والارتماء في حضن الخليج والقرون الوسطى.