الأتراك والأميركيون يهاجمون اللجنة الدستورية السورية؟
د. وفيق إبراهيم
نجاح المندوب الأممي الى سورية غير بدرسون في التوصّل الى مشروع لتشكيل لجنة دستورية لحلّ أزمة سورية بموافقة دولتها وكامل الأطراف الضامنين والمتورّطين يثير الدهشة.
فكيف يمكن للأميركيين أن يكونوا من الموافقين على هذه اللجنة وهم يعملون بدأب على بناء تشكيل من العشائر العربية في الشرق السوري بتعاون مع قوات سورية الديمقراطية «قسد» بتمويل سعودي وإدارة مباشرة من الجيش الأميركي.
وعندما يترك الأميركيون والسعوديون كلّ اعتراضاتهم على السياسة التركية لتناقضها مع حلفائهم الكرد، ويموّلون بالسلاح والمال كلّ الفصائل الإرهابية التركية الولاء في أرياف حماه وإدلب واللاذقية، فيجب الاقتناع بأنّ اللجنة الدستورية لا تحظى بالاستئناس الأميركي وعندما تعود منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى الزعم بأنها تعاود التحقيقات في استعمال الأسلحة الكيماوية في سورية.
ألا يجوز التساؤل عن سبب استيقاظها في هذا الوقت بالذات، بعد سبات دام لأكثر من عام؟
وهل يمكن تجاهل الحجز البريطاني في مضيق جبل طارق لناقلة كانت تحمل النفط إلى سورية في وقت تشهد فيه أعنف أزمة وقود في تاريخها؟
فالسياسة الإنجليزية هي رأس حربة أميركية تُنفذ منذ 1945 ما تريده واشنطن.
أما العقوبات الأميركية والأوروبية بالجديد منها المتزامن مع اقتراب عن اللجنة الدستورية فيدفع إلى العجب إنما في الظاهر فقط، لكنه سرعان ما يكشف أنّ الأميركيين وقسماً من الأوروبيين لا يريدون لا اللجنة الدستورية ولا أيّ حلول سياسية في سورية، هذا الى جانب «إسرائيل» والسعودية.
وكيف يجوز لواشنطن دعوة الدولة الأوروبية الى نشر وحدات عسكرية من جيوشها شرقي الفرات في وقت تزعم فيه أنها مؤيدة لتشكيل اللجنة الدستورية.
فالجيوش أدوات للحرب والسيطرة بالقوة فيما دور اللجان هو التوصل الى الاتفاق السياسي.
وكان ممكناً للأميركيين أن يدعوا هذه الجيوش للانتشار في مراحل سابقة ايّ قبل الاتفاق على اللجنة اما وأنهم طلبوها بالتزامن مع إعلان بيدرسون الاتفاق حول اللجنة، فهذا أمر مشبوه وفاضح ويعكس رفض الأميركيين لها.
هناك إضافة أخرى وهي انّ المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري دخل منذ أيام عدة الى شرقي الفرات ملتقياً بقيادات عشائرية ومؤمناً لها السلاح والمال، ومستعيناً ببركات السعودية لإقناعها بفوائد التحالف مع «قسد» دويلة شرقي الفرات.
هذه هي إنجازات الجانب الأميركي السعودي الذي يزعم الموافقة على الحلّ السياسي في المقابل يستفيد الترك من هذه السياسة الأميركية ويعزّزون قواتهم التركية في الداخل السوري داعمين المنظمات الإرهابيّة المتعدّدة بأسلحة نوعيّة بالاشتراك مع وحدات تركية في أرياف اللاذقية وحماة وادلب.
فكيف يقبل الروس إذاً بدورين متناقضين لتركيا: الاول سلمي في إطار آستانا وآخر حربي إرهابي في إطار هيئة تحرير الشام واشتقاقات «القاعدة» والاخوان المسلمين.
المناخات المواكبة لزيارة الوسيط الأممي بيدرسون الذي أدلى بتصريح متفائل بعد جولته السورية والإيرانية والروسية فتناقض الأجواء المحيطة بشكل كامل، فهل صحيح أن موعد الجولة الجديدة في مفاوضات استانا في الأول والثاني من آب المقبل في نور سلطان عاصمة كازاخستان والدعوة تشمل هذه المرة الدول الضامنة روسيا وتركيا وإيران وبعض الفصائل المعارضة والأردن والأمم المتحدة ومفوضية شؤون اللاجئين ولبنان والعراق بصفة مراقبين.
لذلك فإنّ هدف هذه المفاوضات هو الاتفاق على تشكيل اللجنة كما توصل اليه بيدرسون مع الدول الضامنة وسورية الدولة المعنية.
وتلي هذه المفاوضات قمة في اسطمبول بين الدول الثلاث الضامنة لاستكمال مواضيع إدلب والتحركات الأميركية شرق الفرات وجنوبها والمعتقلين لدى كلّ الأطراف.
أما الدولة السورية فتتعامل من جهتها مع هذه المعطيات بعقلية المستعدّ للحلول السلمية ويده دائماً على الزناد، لأنه يقرأ العراقيل الأميركية في شرق وغربي الفرات والتركية في الشمال الغربي والشمال والإسرائيلية في الجنوب الغربي والسعودية، حيث يوجد إرهاب، وترصدُ الدولة السورية حركة ألوية أوروبية تستعدّ للتموضع في شرق سورية وشمالها بطلب أميركي.
كما ترصد تشكل الحلف الأميركي العربي الإسرائيلي للسيطرة على الملاحة في مضائق الشرق الأوسط من شط العرب في العراق الى قناة السويس، فتدرك فوراً مدى الصعود في العدوانية الأميركية التي تستهدف المنطقة بأسرها، من خلال السيطرة على سورية واليمن وإيران.
من جهة روسيا فتعمل على أساس أنّ الحَكَم النهائي في الميدان السوري هي موازين القوى مهما تقلبت الأحوال وتطورت المقترحات.
وهذه الموازين ممسوكة من قبل الجيش السوري المنتشر على مساحة مئة وثلاثين ألف كيلو متر مربع من مساحة بلاده بما فيها واجهة البلاد البحرية وحدوده مع لبنان والأردن وقسم من العراق وهذا تفصيل جغرافي لمصلحة الدولة السورية ويعكس عمق أزمة الإرهاب وداعميه الترك والأميركيين والعرب و»إسرائيل»، الذين يبدو أفق سيطرتهم على أجزاء من سورية مستحيلة.
وفيما يعتقد الروس أنّ كلّ هذه المفاوضات لم يعد بوسعها تجاوز حقائق الميدان بقدر ما يجب عليها أن تنظمه وفق قواعد الاعتراف بالأهمية القصوى والمركزية للدولة السورية، أما تركيا فكعادتها تنتهز الفرصة للاستفادة من الروس من جهة والأميركيين من جهة ثانية ومن سياسة التخريب السعودية والإسرائيلية، لكنها تعرف ايضاً ان الدولة السورية ثابتة راسخة فتراهن على روسيا لتحقيق مكاسب «لجماعتها» السورية في الحلّ النهائي، فتبقى إيران المتحالفة مع سورية بشكل استراتيجي لا يهتم بالمكاسب على الطريقة التركية.
هل نحن اذاً في الفصل الأخير من الأزمة السورية؟
هذه هي المرحلة الأخيرة، ولذلك قد تكون الأصعب والأطول لأنّ القوى الأميركية والخليجية والاسرائيلية مستعدة لبذل كامل قواها من أجل عرقلة الحلول السياسية.
والعودة الى المربع الأول، الأمر الذي يجعل من اللجنة الدستورية مشروعاً يحتاج الى قفزات عسكرية جديدة في إدلب كي يصبح الحلّ الحصري بيد الدولة السورية بمفردها.